حكايات| هزيمة توجته بكل الألقاب.. حين يقرر اللاعب الخسارة من أجل النُبل

جانب من المباراة
جانب من المباراة

علاقتي به لم تتخط حدود مكالمة هاتفية لشاب يبحث عن معلومة لدى أحد أبطال الرياضة إلا أن تلك المكالمة لا تزال عالقة في رأسي، صوته هادئ غلب عليه طابع الاهتمام بما أسال.


في الواقع لم يكن بخيلًا أجاب كل أسئلتي باستفاضة دون ضجر وجهت له الشكر وأغلقت الخط لأسأل نفسي هذا السؤال الذي حيرني لسنين، ما الذي دفعه للتصرف بهذا الشكل النبيل؟ هل ما يشعر به صديقي من رضى عن النفس يستحق ما قدمه من تضحية؟


هو بطل  باعد نبله بينه وبين مجد كان من الممكن أن يرتكز عليه ليملأ صفحات الجرائد وشاشات التلفاز ويرج صداه أثير كل موجات الراديو إلا أنه في ثواني قليلة ودون تردد تخلى عن كل ذلك من أجل أن ينام ليلتها مرتاح الضمير.


بطل بكامب شيزار يتحول من السلة للجودو


عام 1956 ولد محمد علي رشوان، في حي كامب شيزار بالإسكندرية بدأ علاقته بالرياضة لاعبًا لكرة السلة قبل أن تحول الصدفة طريقه لرياضة الجودو عن طريق أحد أصدقائه.
دخل ابن السادسة عشر نادي الشبان المسيحيين ليخوض أول تدريب له في رياضة الجودو، لم يحتاج الشاب الذكي أكثر من ستة أشهر ليتوج بطلًا للإسكندرية في رياضة الجودو.
أحب بطلنا النبيل تلك الحالة وقرر أن يتعمق بها وأن يبدع في الجودو وهو ما ساعده فيه أحد المدربين اليابانيين ليسافر أول مرة خارج مصر رأسًا إلى تشيكوسلوفاكيا وإسبانيا عام 1975 للاشتراك في بطولتيهما، كما شارك في بطولة العالم العسكرية في "كلورادو" عام 1981 حين فاز بالميدالية البرونزية، واحتفظ بنفس الميدالية في البطولة التالية بالبرازيل سنة 1983.

 


وفي عام 1982 فاز بذهبيتي أفريقيا في وزن الثقيل والمفتوح، واحتفظ بهما أيضاً في البطولة التالية عام 1983 والذي شهد أيضاً فوزه بالميدالية البرونزية في دورة ألعاب البحر المتوسط والتي شارك فيها أبطال أوروبا الأقوياء.
والآن أصبح البطل على موعد مع أهم فصل من فصول تلك الرواية وهو "دورة الألعاب الأوليمبية 1984 لوس أنجلوس".
علم مصر يرتفع مباراة تلو الأخرى والشاب السكندري العظيم ينال احترام العالم في كل مرة تطأ قدمه البساط فمستواه مميز للغاية ولدينه قدم يمنى ممتازة حتى وصل للمباراة النهائية ليواجه قدوته الياباني ياماشيتا بطل العالم الذي لا يقوى على مجاراته أحد.


كيف تصرف مع إصابة خصمه الخطيرة؟


جلس البطل في غرفته قبل الدخول للمباراة ومن نافذة صغيرة تطل على غرفة الإحماءات نظر ليجد بطل العالم في غير حاله قدماه تبدو وكأن بهما شيء غريب وبالفعل عرف اللاعب أن منافسه مصاب بقطع داخلي في رباط الركبة الأيمن.
"ما أسهلها من فرصة، خصم مصاب تستطيع أن تتفوق عليه بكل سهولة" هذا ما جال برأس مدرب اللاعب المصري ونصحه له، ودون أن يرد ابن الإسكندرية خرج ليواجه خصمه المصاب.
ما حدث على البساط أثار دهشة الجميع بطل مصر وإفريقيا يتراجع ولا يلعب حتى تلك القدم اليمنى المميزة لم تظهر وخسر ابن الإسكندرية البطل دون حتى أن يظهر بنصف المستوى الذي قدمه في المباريات الماضية !


إجابة أجبرت الجميع على الوقوف له...


سريعًا انتهت مراسم تسليم الميداليات وتوجه الجميع للمؤتمر الصحفي بادر أحد الموجودين بسؤال البطل المصري 
- هل علمت بأمر إصابة ياماشيتا ؟
- نعم
- ولما لم تستغل تلك الإصابة ف صالحك ؟
- هذا الاستغلال لا يمثل ديني ولا أخلاقي
جمل سريعة وإجابات حاضرة نزلت كالبرق على أذان الحاضرين وتوجه المصري ليخرج من قاعة المؤتمر وترك كل الحاضرين ليقفوا له احترامًا وإجلالًا.


ما فعله صديقي العزيز محمد علي رشوان اكسبه كل الاحترام والتقدير حول العالم، تكريمات بالجملة حول العالم على كل الأصعدة لشرفه ونبل أخلاقه.  

 


فاز محمد علي رشوان بكل شيء على الصعيد الرياضي 31 بطولة وميدالية، احترام من كل من مارس الرياضة وشعبية وحب جارف حول العالم، وحتى ذلك الشعب الياباني الذي عرفه العالم أجمع بنبل الأخلاق اتخذ من رشوان رمزًا للخلق وقلدوه أغلى الأوسمة وأخرها وسام الشمس المشرقة من إمبراطور اليابان.
وأنهى رشوان مسيرته الرياضية ولم يترك لي سوى قصة ألجأ إليها كلما احتجت لدليل النبل والأخلاق أسير على نوره سنوات عمري.