قضية ورأى

ثروة.. لا تنضب

د. أحمد عفيفى
د. أحمد عفيفى

إن غاية المنى من الأبحاث والدراسات قبل الإكلينيكية (المنصة الرئيسية لانطلاق صناعة الدواء) التى تجرى على الحيوانات هو الوصول إلى نتائج إيجابية قابلة للتطبيق تصب مباشرة فى مصلحة المجتمع لتغيير ملامحه وتوجيه أفراده نحو الأفضل. يتم توثيق هذه النتائج العلمية عن طريق «النشر الدولي» فى الدوريات العلمية المحكمة والمصنفة عالميا، حتى يكون لها الصدى المرموق شريطة تمتعها بميزات حددتها الجهات العالمية، هى: «التقايسية» و»التجانسية» و «التناتجية» و»العولمية». إنها صفات لا يضمن توافرها إلا إجراء تلك البحوث داخل «مرفق متكامل لحيوانات التجارب» يتحلى بأسس الأمان الحيوى ويمتلك اشتراطات السلامة الصحية ويضم برامج للتدريب المتقن ويتيح للجنة الأخلاقيات IACUC (المسئولة عن منح الموافقات الرسمية اللازمة) سهولة المراقبة الأخلاقية للخطط البحثية.
وحتى هذه اللحظة، فإن كل الجهات البحثية فى مصر تفتقر وبشدة لمثل هذا «المرفق» مما يفرض علينا استيعاب الخطر المحدق ويلزمنا بالسعى الحثيث لإنشائه كى يحتل مكانته اللائقة على قمة مقومات البحث العلمى على الحيوانات فى مصر مثلما هو فى العالم..فهو «البيئة الحاضنة» و»التربة الخصبة» المثمرة لأبحاث غير منقطعة الصلة بالمجتمع..إنه «الوعاء» النقى والحقيقى القادر على ضخ نتائج بحثية ذات انعكاسات قومية وإقليمية وعالمية تستحق جدارة نشرها والاسترشاد بها والتوافق حولها.
هذا المرفق الفريد سوف يتحول إلى أحد المراكز البحثية المتميزة والمضيئة ويصبح قبلة الباحثين ومقصد الدارسين، لما له من عائد حى على الأرض يراه الجميع ويحلق على أجنحته العديد من الآفاق المرجوة، فعلميا: تدور عجلة البحوث العلمية بقوة لتنشر نتائجها دولياً فى مختلف المجالات. واقتصاديا: يتأسس «البنك الحيوى» لتنمية السلالات النادرة وحمايتها من الانقراض. ومجتمعيا: تتحقق الحماية التامة للبيئة من التلوث وتتم السيطرة على الأوبئة المحتملة من تبعثر ما يسمى «ببيوت الحيوانات» المتاحة حالياً والتى لا تتمتع بالحد الأدنى من المعايير القياسية الدولية لأخلاقيات رعاية واستخدام الحيوانات. وتنافسيا: تتوفر الفرص الحقيقية لإعلاء ساحة «الحيوان» الأخلاقية وتقديم النموذج الأمثل فى كيفية التعامل الإنسانى مع الحيوانات والذى من شأنه أن يشكل لدى الأطفال والناشئة جزءاً من الثقافة الفاعلة والمؤثرة على توجيه السلوك الحميد تجاهها. وتعليميا: يتحول «المرفق» تدريجياً إلى مؤسسة تعليمية مستقلة تستهدف تقديم أفضل خدمة لصحة «الحيوان» ومن ثم «الإنسان» وزيادة أبعاد المعرفة الحقة عند خوض غمار «التدريب التأهيلى» الذى لا يعرف العبث و»التدريب التحويلى» فى المجالات ذات الصلة.
إن تبنى هذا المشروع العملاق «كمركز للدراسات قبل الإكلينيكية وعلوم الحيوان» من قبل الجهات المعنية يؤشر على عمق الوعى وإدراك المفهوم الحقيقى لمقومات التنافسية العالمية. فكل الموارد مهما تعددت مآلها إلى زوال لأنها ثروة «ناضبة»..أما الاستثمار فى البشر..فى التعليم..فى البحث العلمي..فى التدريب..فهو الثروة «الباقية»..فهل سنمتلك يوما هذا الصرح الكبير؟!.