فى الصميم

الإنقاذ الصعب!!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

عندما يطالب بضعة آلاف من الاشقاء فى لبنان المنكوب الرئيس الفرنسى ماكرون بأن يعيد الانتداب الفرنسى على بلادهم.. فهذا هو فعل اليأس فى لحظات الانهيار، وهو الثمرة المريرة لحكم الطائفية والميليشيات لسنوات طويلة. لكنه بالقطع لا يمكن أن يكون طريقا للانقاذ أو نهاية لعروبة لبنان كما يدعى الكثيرون.
وعلينا أن نذكر أن من دعوا لانتداب فرنسى جديد لا يختلفون عمن سعوا على مدى سنوات من أجل «انتداب» آخر.. رآه بعضهم فارسيا فأعلنوا أن قيادتهم ومرجعيتهم فى طهران«!!» ورآه بعضهم أمريكيا أو روسيا أو عند هذه العاصمة العربية أو غير العربية.. حتى وصل الأمر أخيرا لدخول المهووس أردوغان على الخط.. ربما اعتقادا منه بأن اللبنانيين يرون فى مجازر العثمانيين بحقهم ما يشتاقون إليه!!
كان التنوع الثقافى والدينى مصدر أمل فى أن تقدم التجربة اللبنانية نموذجها الأجمل باكتمال انصهار الجميع فى الوطن الواحد الجميل. لكن استهداف الاعداء من جانب، وأخطاءنا العربية من جانب آخر، لم تساعد لبنان الذى أخذه ملوك الطوائف ليصبح ساحة للحروب الأهلية وليتحول الحكم فيه إلى ساحة لفساد بشع باسم المحاصصة الطائفية.
الصدمة كانت مروعة مع الانفجار الذى دمر بيروت الحقيقىة البائسة التى حاول جنرالات الطائفية والفساد اخفاءها على مدى سنوات أصبحت مكشوفة للجميع. النظام سقط لكن ركائزه الأساسية مازالت موجودة. قد تسقط الحكومة وقد يحل البرلمان وقد يتغير حتى رأس النظام.. لكن ذلك كله لن يحقق التغيير المنشود إلا إذا تغيرت أسس النظام وأزيلت من طريق لبنان مستودعات الفساد التى لم تنفجر بعد، وإلا إذا عبر لبنان حاجز  الطائفية وأنهى نظام المحاصصة الذى يوزع الغنائم على زعماء الميليشيات ويترك معظم شعب لبنان يدفع الثمن الفادح ويترقب الأسوأ إذا لم يتحقق الإصلاح.
ما كان ينقص انتفاضة الشعب اللبنانى يمكن أن يتحقق الآن، وهو التوافق على برنامج للانقاذ يتجاوز الطائفية ويضرب الفساد ويخلص لبنان من قبضة الطبقة السياسية التى قادته للفشل والانهيار. الحرص على سلمية الانتفاضة أمر أساسي. لا يتحمل لبنان المزيد من التدمير، ولا ينبغى السماح - تحت أى ظرف- بجره للاقتتال الداخلي.
قد يدعم العالم لبنان الجريح بهذا القدر أو ذاك ولكن سيبقى الانقاذ الحقيقى مهمة اللبنانيين أولا وأخيرا.