إنها مصر

«اعتز بفنك» !

كرم جبر
كرم جبر

ومن أهم مظاهر الاعتزاز بالفن، ألا يقبل الفنان أى عمل يعرضه لانتقاص القيمة أو السخرية أو الاستهزاء، وأن يتأكد أنه قُدوة ومثل ونموذج لجماهير عريضة، تعشق فنه وترفعه فوق الأكتاف.
«اعتز بفنك» عنوان الحملة التى يتبناها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ليس أمراً أو توجيهاً، وإنما أمل ورجاء أن نتحاور بهدف استعادة الفن المصرى الأصيل مكانته التى يتمتع بها، وجعل الفنانين سفراء فوق العادة أينما ذهبوا.
أسماء وأسماء لهم رصيد الذهب ويصعب حصرهم، من أم كلثوم وعبد الوهاب، حتى أصغر فنان، رفعوا اسم الفن عالياً فى السماء، ونحن لا نبكى على الماضي، وإنما نستدعى الحاضر بما فى الماضى من قيم نبيلة.
عبد الوهاب - مثلاً - الذى تغنى للعرب والعروبة فى أعياد الثورة، وكانت الجماهير العربية تنتظر ملحمة موسيقار الأجيال فى كل عام «دقت ساعة العمل الثوري» و»الله وعرفنا الحب»، و»وطنى حبيبى الوطن الأكبر»، وغيرها من الملاحم الرائعة.
وأم كلثوم معشوقة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، حيث كانت تخلو شوارع المدن العربية فى الخميس الأول من كل شهر، ويجلس الجميع أمام أجهزة الراديو للاستماع لحفل أم كلثوم، والأغانى الرائعة التى تقدمها.
وعبد الحليم حافظ الذى تعلم منه الشباب العربى لغة الحب وطريقة اللبس وأسلوب الحوار، وجمل الغزل الجميلة وليس العبارات المسيئة، وكان حليم زعيم الشباب والمعبر عنهم والممثل لهم.
فاتن حمامة ونادية لطفى ومريم فخر الدين وزبيدة ثروت ونجلاء فتحى وسميرة أحمد، وأسماء أخرى كثيرة من فنانات مصر العظيمات، حملن رسالة الفن الجميل، وكانت كل واحدة منهن سفيرة للذوق الرفيع.
أحمد مظهر ورشدى أباظة وفريد شوقى ومحمود المليجى واستيفان روستى ونجيب الريحاني، وغيرهم من باشوات الفن الرائعين، وكل واحد منهم مدرسة قائمة بذاتها فى الأداء والعظمة والارتقاء بالمشاعر الإنسانية.
ومصر ولاده.
لم تنضب المياه الجارية، ولم تجف الورود المتفتحة ولكن حدثت انتكاسة، كالتى تعرضت لها كافة مناحى الحياة فى السياسة والاجتماع والأخلاق وأيضاً الفن.
عشنا زمنا أصبح فيه الفن المصرى مستهدفاً وفى مرمى السهام والنيران، بوهم أن القضاء على الدور المصرى يكون بإنهاء أسطورة الفن المصري، فتحالفت الأموال الساخنة مع ضعاف النفوس، لإخراج الفنانين المصريين من الساحة، بعضهم بالإغراءات الضخمة والبعض الآخر بتحويل دفة الفن العربى إلى مناطق أخرى.
تعاقدوا مع بعض المطربين والمطربات المصريين بأموال طائلة، ليس من أجل الغناء، ولكن ليتوقفوا عن الغناء، وأتت سياسة «التجفيف» أثرها فى إضعاف الفن المصرى والمساس به، وحدث نفس الشيء مع نجوم كبار.
ثم جاءت الموجة الأخيرة فى صورة برامج السخرية والاستهزاء، خصوصاً فى رمضان، شهر الصوم والعبادة وليس برامج الاستخفاف.
«اعتز بفنك»، دعوة للحوار وإثراء المناقشات، ليس بهدف إملاء سياسات معينة، ولكن لاستعادة أجواء إيجابية ساهمت فى إعلاء قيمة الفن.