فواصل

الإجابة.. رواندا !!

أسامة عجاج
أسامة عجاج

هذه رسالة مفتوحة ومناشدة للطبقة السياسية، فى سوريا واليمن وليبيا والتى تشهد حروبا أهلية منذ سنوات، ومعها لبنان وأعتقد ان كثيرا من ابناء شعوب تلك الدول قد ينضم إلى هذه المناشدة، خاصة منهم الذين يحلمون بغد أفضل، نقول لهم: أليس فيكم رجل رشيد؟ ينهى كل ما يجرى وجرى من قتل وتشريد وملايين اللاجئين والمشردين والنازحين فى كل أنحاء الدنيا، أليس فيكم رجل عاقل يتوقف بالدراسة والتحليل أمام الحدث الجلل الذى يشهده لبنان، الذى قد لا يقل فى خطورته عن الانفجار المدمر فى ميناء بيروت، وهو مطالبة الآلاف من اللبنانين بعودة الانتداب الفرنسي، فى اعلان فشل لجهود التحرر الوطنى عن الاستعمار، منذ أربعينيات القرن الماضي، وإعلان افلاس حلم الدولة الوطنية المستقلة ذات السيادة؟! نقول لكم: لماذا لا نكون مثل رواندا؟ - نعم رواندا ليس فى الأمر أى خطأ - هذا البلد الأفريقى البسيط، الذى عاش تجربة فريدة فى اعادة إحياء دولة من العدم، بعد ان عانت من ظروف أصعب من تلك التى تواجه دولكم، حيث عاش مأساة حرب أهلية ونزعات عرقية ومشاهد إبادة جماعية بين الهوتو والتوتسى، تحت بصر العالم استمرت ثلاثة أعوام من عام ١٩٩١ حتى ١٩٩٤، أسفرت عن مقتل مليون شخص خلال مائة يوم أى ما يوازى ١٠ بالمائة من عدد السكان فى ذلك الوقت، ولجأ اكثر من مليونى رواندى إلى دول الجوار، ومع ذلك نجحت الطبقة الحاكمة فى النهوض بالبلد من جديد، وفق استراتيجية متكاملة، أثمرت دولة مختلفة، هى الأبرز فى مناح اقتصادية عديدة على المستوى الأفريقي، وظهور شخص مثل بول كاجامى الرئيس الحالى لرواندا، والمستمر فى ولايته منذ بداية عام ٢٠٠٠ ويعود اليه الفضل فى عملية اعادة ولادة رواندا من جديد، على أسس واضحة، بدأت بمحاكمة مرتكبى عمليات الإبادة الجماعية، وتعزيز المصالحة بين الهوتو والتوتسى، ونجحت فى القضاء على الخطاب العنصرى والقبلي، وبناء هوية موحدة لعموم المواطنين.
وبدأ الرجل فى مشروعه لإحياء رواندا الجديدة، بتقوية المؤسسات الأمنية والعسكرية، والتى تمثل لدول العالم الثالث «عمود الخيمة» وهذا يذكرنا بان انهيار العراق بدأ بقرار حل الجيش العراقى فى ٢٠٠٣ من الحاكم العسكرى الأمريكى بول بريمر، مما سمح بوجود ميليشيات عسكرية تابعة لجماعات سياسية، كما هو الحال فى لبنان، حزب الله النموذج الأبرز، والحوثيين فى اليمن، الذين خاضوا ست حروب ضد الجيش الوطنى اليمنى فى زمن على عبدالله صالح، وتحول إلى جيش مواز بعده، وفى ليبيا تم تهميش دور المؤسسة العسكرية فى عهد القذافى، مما ساهم فى انهيارها سريعًا بعده، وسمح ذلك بظهور الجماعات المسلحة هناك، لم يتوقف مشروع احياء رواندا عند هذا الحد، وبالتوازى اطلق كاجامى خطة للإصلاح الاقتصادى، من خلال اعادة صياغة استراتيجية متكاملة، اساسها محاربة الفساد والإدارة والحوكمة الرشيدة، والدفع بعجلة التنمية ومحاربة الأمية وتحسين ظروف المعيشة، ويكفى ان نعرف ان متوسط دخل الفرد ارتفع ثلاثين ضعفًا عما كان عليه خلال عشرين عامًا فقط، وأصبح البلد اكبر جاذب للاستثمار فى محيطه الإقليمي، وبلغ متوسط معدل النمو الاقتصادى فى رواندا ٨ بالمائة خلال الفترة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠١٨، حتى اصبح يطلق على رواندا «سنغافورة أفريقيا».