فضفضة

مصر تنهض.. رؤية مغايرة

علاء عبد الهادى
علاء عبد الهادى

لم يعجبنى تمثال «مصر تنهض» للنحات الدكتور أحمد عبد الكريم، ولكننى ضد التطاول على شخص الرجل وعلى إبداعه، حتى وإن لم نتذوقه، الأعمال الفنية، والراقية منها، لا تلقى صدى عادة عند العامة، ولا يقبلها الا من لديهم القدرة على قراءتها، وهذا أمر يحتاج إلى تربية ثقافية فنية تستغرق سنوات طويلة، حتى تتهذب الروح ويكون لديها ما تستقبله، وتستسيغه، وترى فى العمل ما قد لايراه آحاد الناس.. وبنفس هذا المنطق يتهكم البعض - وللاسف بعضهم محسوبون على كبار الكتاب -.
أعود إلى تمثال «مصر تنهض» الذى قلب الدنيا، وجاء بعد مائه عام من العمل النحتى للعبقرى النحات محمود مختار الذى أبدعه قبل مائه عام معبراً عن التغيرات التى شهدتها مصر فى عشرينيات القرن الماضى فى اعقاب ثورة 19، واختار تيمة المرأة الريفية ممشوقة القوام فى زيها المميز وهى تضع يدها على تمثال أبى الهول الذى انتصبت قوائمه الأمامية واتخذ وضع النهوض من الثبات الطويل، بعكس تمثل د. أحمد عبد الكريم، الذى لم يكن موفقا فى اختيار نسبه أو فى تحديد وجهة رأس التمثال، فأصبح بلا هوية، ولكنه يبقى محاولة لم تلق القبول لدى العامة الذين يحكمون على الأعمال النحتية بصورة مباشرة، ذائقة الناس تريد من ينحت عملا فنيا لشخص ما أن يكون هذا العمل وكأنه صور طبق الأصل لصاحب العمل، وكأنك تأخذ له صورة فوتوغرافية أو تماما مثل تماثيل الشمع، هذه فى رأيى اضعف أنواع النحت، الذى يتحول فيه الفنان إلى مجرد مصور ولكن بالحجر، العمل الإبداعى النحتى من وجهة نظرى هو الذى يستثير الخيال، وتظهر فيه موهبة النحات على تطويع الحجر الجرانيتى العصى لكى يقول شيئا ويرسل رسالة وكأن الحجر ينطق بهذه الرسالة. كان النحت أحد عناصر تفرد أجدادنا الفراعنة،  ولكن جاء اليوم الذى ارتعشت فيه أيدى النحاتين لأن نحتهم حرام، وما يبدعون يمثل أعمالا وثنية، ولم يبق الا أقل القليل من الذين أكملوا المسيرة، وأصبح قسم النحت أقل الأقسام اقبالا من الطلاب وكاد أن يغلق أبوابه.. هذه رسالة المجتمع ورؤيته لأحد مجالات الإبداع، فلا ننتظرالآن أن يجود علينا الزمان من جديد بأمثال : محمود مختار أو آدم حنين أو عبد الهادى الوشاحى أو عبد البديع عبد الحى. تمثال «مصر تنهض» بضاعتنا ردت إلينا.!