بالشمع الأحمر

صاحب المقام والنهضة البائسة !

إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى

لأول مرة منذ فترة طويلة، انشغل الكثيرون بقضيتين ثقافيتين، ليفاجئنا البعض بأن كلا منهم مشروع ناقد فني، ليس فى مجال أفلام السينما فقط، بل فى الفن التشكيلى الذى يعانى العزلة منذ سنوات، وعلى مدار أيام أصبح الحديث منصبا على تمثال» مصر تنهض»، وفيلم» صاحب المقام»، بحماس لا يقل عن نظيره فى المهاترات السياسية والكُروية والاجتماعية.
فى توقيت متقارب واكب الجدل تسريبات فى الاتجاهين، فقد أفلت الفيلم من المنصة الحاصلة على حق عرضه، ليصبح متاحا على موقع أخرج لسانه للجميع، وضرب سوقا مُحتملة للعمل الذى تستضيفه دور العرض قريبا. كما تم تسريب نماذج لمشروعات تخرج أبدعها طلبة كليات الفنون، ليس بهدف إلقاء الضوء عليها، بل لضرب التمثال وصاحبه.
يتناول الفيلم ظاهرة التبرك بالأولياء، غير أنه على غير عادة أعمال إبراهيم عيسى يبدو سطحيا، لا يُشكّل إزعاجا لأحد، وفق خلطة مأمونة تتفادى المناطق المُتفجرة، ولا تُعنى حتى بالرسم الجيد لبعض الشخصيات والأحداث. قليلون من انتقدوا هذه السلبيات، وضاع حديثهم أمام هجمة مُرتدة، تتهم الفيلم بالربط بين المسلمين والخرافات، بتصوير بشر يستعينون على قضاء حوائجهم بالأولياء ورسائل للإمام الشافعي، وهو ما يتعارض مع النهضة المستهدفة. يقودنا ذلك إلى النهضة البائسة التى جسّدها التمثال. أعترف أنه لم يعجبني، لكن الهجوم المُبالغ فيه استوقفني، فمعظم من هاجموه لم يعتمدوا بدورهم على معايير فنية، لأن ما استثارهم كان المقارنة مع تمثال أكثر حضورا هو» نهضة مصر». وضعوا صورة للتمثال الذى يتجاوز عمره قرنا، بجوار أخرى للوليد الجديد» مصر تنهض»، وبدأوا الحديث عن تدهور كبير أصاب كل مجالات الحياة، وتباكوا على الزمن الجميل المُندثر، ثم بدأت الموجة الثانية من الهجوم، عبر تداول أعمال طلبة» الفنون الجميلة»، لإثبات أن هناك فنانين شبابا تُلقى إبداعاتهم فى المخازن، بينما تنفتح الأبواب أمام أساتذة أقل موهبة، ينتمى إليهم صاحب التمثال، الذى سارع بالدفاع عن نفسه، مؤكدا أن العمل لم يكتمل، وأنه غير مخصص للعرض فى أحد الميادين مثلما أشيع. عموما كان اختيار الاسم خطأ جوهريا، لأنه السبب فى إلقاء صاحبه فى دوامة المقارنة، لهذا أرى أنه يستحق بعض ما ناله، غير أن الواقعة كلها تحتاج إلى وقفة، لأن تحليلها بجانب ما حدث مع الفيلم، يُمكن أن يُفسر جزئيا أساليب إدارة الحملات الإلكترونية الممنهجة فى كل المجالات.
كيف خرجت صور منحوتات طلبة الكليات المختلفة فجأة؟ هناك إذن فاعل خفى استغل سذاجة الاسم للنيل من صانعه، وفى حالة الفيلم لا يختلف الأمر كثيرا، فالسلفيون ينتظرون مع باقى التيارات الدينية أعمال إبراهيم عيسى ليردوا على نقده لهم، لكن حضورهم فى هذا العمل كان باهتا، فهاجموه باعتباره ترويجا للتخلف! رغم أنهم أنفسهم فشلوا فى مواجهة الجهل، بكل ما يملكونه من آليات السيطرة على العقول، مما جعلهم يبدأون قبل سنوات حملة لتحطيم الأضرحة، لم تلبث أن توقفت خوفا من الإرادة الشعبية.
تظل الدلالات أمرا أكثر أهمية فى الواقعتين، فقد تجاوز الغالبية الجانب الفنى إلى نقاط أخرى هامشية، ولم يتساءل أحد عن كيفية التسريب ودوافعه، لكن الأكثر خطورة هو سرعة انقياد الكثيرين وراء أى مناوشات، يتحدث خلالها الغالبية بلا منطق، لمجرد استعراض عضلات منتفخة بفعل المُنشّطات المنقولة، وبينما يتحدث الغرب عن « مناعة القطيع» فى مواجهة كورونا، لم يتعلم البعض من القُطعان سوى الانسياق بلا أدنى محاولة للتفكير.. وهذا هو الفيروس الأشد خطرا.