يوميات الأخبار

ليلة بكاء «الساحر»

عادل حلمى
عادل حلمى

عادل حلمى

«الصدفة وحدها كتبت قصة البطولة فى حياته، وسيناريو وحوار نجوميته سطرت حروفه الأولى على مسرح جامعة الإسكندرية.

فى حى الورديان، أحد الأحياء العتيقة بعروس البحر المتوسط ولد، وعلى مسرح كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية بدأ مشواره، الذى لم يكن أبداً مفروشاً بالورود، فموهبته معلومة لكل المحيطين به، الذين شاهدوا فيه فناناً مبشراً، ولكنها موهبة حبيسة أسوار الجامعة، لم يصل صيتها إلى صناع المهنة وكبار مخرجيها ونجومها المهيمنين على ساحتها فى ذلك الوقت.. قدره السعيد ساق إليه الكاتب الصحفى والناقد الفنى علاء رفعت، أحد الذين ولدوا فى أحضان صاحبة الجلالة بمؤسسة أخبار اليوم.. للوهلة الأولى، وهو يشاهد عرضاًً على مسرح الجامعة أدرك رفعت أنه أمام موهبة فذة.. الجميع كانوا يشاهدون عروضه ويمضون إلى حال سبيلهم، إلا هو بعمق رؤية الناقد اكتشف نجماً واعداً فانتظر حتى نهاية العرض، واقترب فى تواضع من الفتى اليافع، وطلب منه أن يأتى لزيارته بمكتبه فى المبنى العتيق لدار اخبار اليوم فى شارع صفية زغلول بمحطة الرمل، وكأن القدر قد كتب أن يكون مولد هذا النجم الكبير فى هذا المكان العظيم.. استقبله رفعت فى الليلة الموعودة والمكان المنتظر، وتعرف منه على كل ظروف حياته، فى حوار امتد لساعات، تعهد رفعت فى ختامه بمساعدة النجم الواعد فى تحقيق أحلامه.. تواصل رفعت مع كبار المخرجين والنجوم الذين يعرفهم ليقدم لهم مفاجأته الفنية الجديدة، حتى وجد مبتغاه.. استدعى رفعت نجمه على الفور ليمده بمعين خبرته ويؤهله إلى طريق النجومية القادم، ويبلغه بالتأهب للسفر إلى القاهرة «هوليود الشرق».. المفاجأة ألجمت النجم الشاب، وتسارعت الأفكار بداخله لايصدق أن بينه وبين حلم حياته خطوات معدودة.. كانت تلك المرة الأولى التى تتساقط فيها دموع نجم مصر القادم، دون سيناريو أو حوار أو مشهد تمثيلى يقوم بتجسيده، فى ليلة بكى فيها» الساحر».. يمم النجم وجهه إلى القاهرة وشق طريقه باقتدار ولم يخيب رؤية مكتشفه، ودخل إلى مصاف نجوم مصر الأوائل فى سنوات عدة، بدأت بدوره الأول، الذى منحه له المخرج والفنان الكبير نور الدمرداش فى مسلسل الدوامة، ثم قدم أول أعماله السينمائية بفيلم الحفيد، ليحفر له مكانا بارزاً على افيش البطولة المطلقة بداية من فيلم « حتى آخر العمر»، وكأن اسم الفيلم قد تنبأ له بالبطولة حتى نهاية حياته، وفى سنوات معدودات وضع النجم الكبير محمود عبدالعزيز اسمه فى بهو نجوم الصف الأول، وقدم أكثر من ٨٠ عملاً فنياً، ومع كل عمل كان «الساحر» يعود مهرولاً إلى محبوبته الإسكندرية ليزف بشرى نجاحه إلى بطل قصته الأولى، فيخبره رفعت انه مازال أمامه الكثير وأنه سينتظره مرة أخرى مع فيلم جديد ناجح أو عمل درامى يَصِل إلى وجدان المصريين.. ظل رفعت تميمة الحظ لرأفت الهجان، وظل عبدالعزيز وفياً لمكتشفه الأول.. كان «الساحر» كلما عاد إلى الإسكندرية حبه الأكبر، ذهب إلى رفعت ليعوده ويطمئن عليه.. لم تغيره النجومية ولم تنل الشهرة من صفاء نفسه ونقاء سريرته، وظل وفياً للرجل الذى استشرف موهبته وكان جمهوره الأول.. كان علاء رفعت شعلة منيرة لكل المحيطين به، وطاقة إيجابية أينما حل وارتحل، ويدا ممدودة بالخير لكل من يعرفه أولا يعرفه.. رحل رفعت بعد أن اكتشف الكثير من المواهب، وقدم للفن المصرى والعربى محمود عبدالعزيز، احد ألمع نجومنا فى تاريخنا الفني، وبعد سنوات عدة رحل أيضاً عنا ساحر حياتنا ونجمنا المفضل المظفر بحب واحترام الجماهير.. البطلان غابا عن مسرح الحياة الكبير، ولكن قصتهما ستظل الرواية المفضلة لى لمعنى الوفاء الكبير والحب دون مقابل، رحم الله عبدالعزيز ورفعت، ورحم كل الذين علمونا كيف نحب.
الحياة فى البلكونة
 تعاملت كل شعوب العالم مع فيروس كورونا المستجد، بشكل، وتعامل الشعب المصرى مع الفيروس بشكل مختلف تماماً.. هم أنزلوا الفيروس منزلته ونفذوا الإجراءات الاحترازية وتحصنوا خلف جدران منازلهم فراراً من خطر الفيروس، ونحن احتقرنا الضيف الوافد، وأهناه بين الشعوب وتهكمنا عليه وسخرنا وأطلقنا عليه النكات ووصمناه بأنه انتحر عندما شاهد زحام المترو والباصات والميكروباصات وفر هارباً من محلات الفول والطعمية والكشرى والكوارع.. كان العالم كله فى واد ونحن فى واد آخر، كأننا لا نعيش فى هذا الكوكب.. لم تفلح معنا صرخات التحذير المتوالية محلياً وعالمياً، ولم تردعنا أعداد الإصابات والوفيات وآهات المرضى.. ابتكرنا طرقاً جديدة للحياة أوقات الحظر المفروضة، حولنا المدة التى من المفترض أن نمكث فيها ببيوتنا إلى إجازة صيفية وكأننا ذاهبون إلى المصيف.. وعندما لم تجد الحكومة من بد لتبقينا فى منازلنا أغلقت الشواطئ والحدائق والمتنزهات، فابتكرناً سبلاً جديدة للحياة.. الأطفال يمرحون فى الشوارع، وهؤلاء لا ألوم عليهم فهم لايدركون المصيبة التى نعيشها، ولكنى ألوم آسرهم التى تركتهم فريسة سهلة المنال للفيروس.. والشباب وهم الغالبية العظمى لبنيان المجتمع، وهؤلاء حدث ولا حرج.. الدراسة معطلة والمولات والمقاهى مغلقة، والأندية مهجورة، فقرروا الحياة على طريقتهم الخاصة.. أبناء الطبقة الثرية تجمعوا بسياراتهم فى ساحات على مشارف كمبوانداتهم مستلهمين التجربة الخليجية فى ذلك.. وأبناء الطبقة المتوسطة اصطفوا جماعات وفرادى على قوارع الشوارع والطرق، وقطاع لايستهان به غرق فى فضاء مواقع التواصل الاجتماعى وأمطرونا بسخافات «التيك توك». أما أنا فقد وقع بى حظى التعس مع أمة جديدة أفرزها فيروس كورونا، وهم شعب الحياة فى البلكونة، وهؤلاء هم الكارثة الأكبر فى بلدنا.. أنا أحد عشاق الهدوء، والضجيج يسرق منى روحى.. مدخرات سنوات عّمرى اشتريت بها شقة متواضعة فى نهايات حدائق أكتوبر، وعلى مشارف محافظة الفيوم لأعيش فى هذا الوادى الهادئ بعيداً عن زحام المدينة وضجيجها، وشاءت الأقدار أن أعايش تجربة الحياة فى البلكونة عن قرب.. أسرة فى شقة بالعمارة المواجهة لي، قررت فجأة بمحض ارادتها أن تترك الشقة وتعيش فى البلكونة.. أكثر من خمس سيدات ورهط من الرجال وعدد غير معلوم من الأطفال، يجتمعون فى هذا الحيز الضيق يومياً مع غروب الشمس، ثم يبدأون وصلات متتالية من الحكايات المملة المعروفة على شاكلة فوزية أطلقت ونبوية اتخطبت وصفية المفترية وحوز بهية وحلل المحشى وطواجن البامية وجشع التجار ونار الأسعار وشاى أم مختار، وهلم جره وسط سيل من الضحكات والقهقهات والأحاديث الفارغة، حتى خيوط الفجر الأولى، وبنفس الجمع والمشهد والضجيج يومياً، دون وازع من ضمير أو حرمة لجار أو اكتراث لمريض أو صاحب عمل، وعندما تجرأ جار فى يوم من الأيام طالباً منهم الهدوء ومراعاة حرمة الجيرة بأدب جم، ناله منهم ما ناله، والمؤسف أن هذه العائلة ليست فى محيط سكنى فقط، بل استشرت كالوباء فى كل شارع وحى وقرية ومدينة، وأضحت كابوساً أشد خطراً من الفيروس، ولا أدرى هل سنكتشف يوماً لقاحا مضاداً لمثل هذه العائلة المسمومة، ام أنه قد قدر علينا أن نتعايش معها ما تبقى من عمرنا.
 الملك حفنى
 السخرية من رموز مصر التاريخية والسياسية فى الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية، كارثة حقيقية لاينبغى تجاهلها أو السكوت عنها، واكبها حالة جهل عجيبة بمسميات وقامات تلك الرموز التى تعتلى هامات شوارع رئيسية فى ربوع مصر المحروسة، للحد الذى وصل بفنان شاب، استضافته إحدى مذيعات التوك شو، وسألته عن شارع عباس العقاد، فقال إنه أحد الشوارع الكبيرة فى مدينة نصر، وعندما قالت له ألا تعرف من هو عباس العقاد، طلب منها عدم إحراجه على الهواء، علماً بأن هذا النجم قدوة ورمز للكثير من أبناء جيله، بل ووصل الحد إلى التهكم على سعد باشا زغلول وأحمد عرابى والنحاس باشا وغيرهم، وفِى مدينتى الحبيبة الإسكندرية، ضواحى باسماء شخصيات قدموا لمصر الكثير وإنجازاتهم مكتوبة بأحرف من نور فى صفحات التاريخ، ولكن المؤسف أن الكثير لا يعرفون عنهم شيئاً سوى أنهم مسميات على شوارع، والمضحك المبكى معاً أن يحول العامة اسم إحدى المناضلات العالميات عن حقوق المرأة والأديبة وداعية الإصلاح الاجتماعى فى أوائل القرن العشرين، وبنت حفنى ناصف، رجل القانون والشاعر وأستاذ اللغة العربية وأحد المؤسسين للجامعة المصرية، وهى الشهيرة بباحثة البادية، وأول امرأة مصرية تجاهر بتحرير المرأة والمساواة بينها وبين الرجل، وأول فتاة مصرية تحصل على شهادة الابتدائية، كل هذا لم يشفع لها وحول العامة اسم شارعها التجارى الشهير، من ملك حفنى إلى «الملك حفني»، والمؤسف المضحك حتى البكاء، اننى تحدثت مع أحد ساكنى الشارع، وسألته عن «الملك حفني»، الذى يطلقونه على الشارع، فأجابنى بمنتهى الثقة التى تصل حد الجهالة، أن الملك حفنى هو أحد الملوك العظام فى مصر القديمة، ياسادة نحن بحاجة ماسة إلى أن يقوم كل حى فى ربوع مصر بوضع يافطة رخامية صغيرة على رأس الشوارع التى تحمل اسماء رموزنا الكبار لتعطى نبذة مختصرة عن تلك الرموز ودورها الوطنى الكبير، حتى لاندع أجيالنا القادمة فريسة للجهل.
 مشهيصة الدنيا
 ياسيد ازيك ياحبيبى.. منورة يابرنسيسة.. انت أول مره تتصل بينا.. آه والله يانجمة.. انتى مشهيصة الدنيا كلها.. لا والله انت مشهيص لوحدك.. انت بتاكل «قنبلة».. يعنى أيه قنبلة.. أكله كده عباره عن كنافة وزلابيا ولبن وقشطة وفواكه ومكسرات وعسل.. آه طبعاً بأكلها.. والله انت جدع وكل اللى حواليك جدعان.. هذا منطوق حوار بين مذيعة ومتصل لبرنامجها على الهواء مباشرة يُبين إلى أى حد وصلت إليه لغة الحوار بين المصريين، والتى امتدت لتنتهك حرمات وقواعد وتقاليد وآداب العمل الإعلامى.. لا أدرى ما الذى حدث فى الشخصية المصرية وما هذه التحولات التى حدثت فى المجتمع.. الناس ترفض الاستماع لبعضها، والغضب بسبب وبدون سبب هو لغة الحوار السائدة.. الصراخ والضجيج سمة الشارع.. التجهم والتجاهل حديث الجميع.. العشوائية واللامبالاة فى صدارة المشهد.. الرفض لكل شئ وأى شئ سمة الفئات العمرية كافة.. السباب والشتائم تصدح فى كل مكان، ظواهر عجيبة تتطلب دراسات فورية لأسباب هذا الخواء الذى حل بالمصريين.. إننا نحتاج إلى تأهيل أجيالنا الجديدة على قبول الأخر ونشر القيم الإيجابية ونبذ العنف وتنوير العقل، إذا أردنا حقا أن نستعيد طيبة أهل مصر.
 رحيق الكلام
شكراً للأشواك فقد علمتنى الكثير.. طاغور
الناس يغيرون وجوههم كل يوم، فلا تبحث عن قيمتك فى وجوه الناس.. د. مصطفى محمود.  كل يوم تعيشه، هو هدية من الله، فلا تضيعه بالقلق من المستقبل، أو الحسرة على الماضي، فقط قل : « توكلت على الله».. د. إبراهيم الفقي.
 ليس صحيحاً أن المرء يكف عن الحلم حين يصبح عجوزاً، بل يصبح عجوزاً حين يكف عن الحلم.. ماركيز.
 ١٠ طرق كى تحب: « اسمع.. تكلم.. أعط.. صل.. أحب.. شارك.. استمتع.. ثق.. سامح.. أعد».. ويلى سميث.
 كن عزيزاً وإياك أن تنحنى مهما كان الأمر، فربما لا تأتيك الفرصة كى ترفع رأسك مرة أخرى.. عمر المختار.