يوميات الأخبار

سيرة محافظ

مفيد فوزي
مفيد فوزي

بقلم/ مفيد فوزي

لم يكن اللواء سمير فرج فى الاقصر رجلا عسكريا يتعامل بصرامة، بل فرضت عليه تقاليد المجتمع المتوارثة أن تحوله الى «مصلح اجتماعي».

ولما كانت آمال العمدة - زوجتى الراحلة - من الأقصر، فكان طبيعيا أن أنتسب لبيت العمدة بمنطق جحا الشهير حيث ينتمى الزوج لقبيلة زوجته! وكنت دائم السفر لأراها فقد دخلت قلبى من باب عقلى. كانت قد كتبت «كشكولا» من ١٨٧ ورقة تعليقا على رحلة صحفية لى فى أوروبا لاول مرة ولا تخلو من الانبهار بالمانيا. وقد كانت آمال بأسلوبها الآخاذ تعليقات حصرية تعمق أسباب انبهارى. ولما تزوجنا، كانت الاقصر موعد اللقاء فقد رأيتها لأول مرة فى فندق أقصرى شهير ولفتت نظرى.
وكان لنا «صديق» من الأسرة هو عاطف العمدة الذى هاجر الى أمريكا فى زمن الإخوان. وبالطبع توالى على الأقصر رؤساء مدن وكانت  علاقتنا لاتزيد عن حالة «ود» بين صحفى ورئيس مدينة.
ولكن الأمور تغيرت عندما سطع فى سماء الأقصر شخصية جديدة اسمه «لواء سمير فرج» كان رئيس مدينة الأقصر ثم صار- بقرار جمهوري- محافظا للأقصر. وكبر كيان الأقصر محليا وعالميا حين تولى أمرها رجل قادم من القوات المسلحة يؤمن بالنظام والانضباط ولايعرف الهرولة ولا تستيف الأوراق.
عامل اللواء سمير فرج الأقصر كمدينة مصرية لها سمعة عالمية، منهجه  كما اقتربت منه، يتخيل المشروع ثم يحول الحلم حقيقة، وكلما كانت القيادة السياسية فى زيارة للأقصر وضحت على عيونهم آيات الاعجاب،  حتى ان الرئيس السابق لمصر «مبارك» ابلغ سمير فرج بقراره اثناء احدى زياراته الميدانية. وشعر سمير فرج ان للجهد المضنى ثمنا، ولكن شخصية سمير فرج كانت مفتاح تطور الاقصر من مدينة الى محافظة، عرف آليات التفاهم مع «الصعايدة» وهى معاملة تحتاج للكثير من الدبلوماسية والمرونة والصبر واستدعى سمير فرج آليات احد مناصبه حين كان «ملحقا عسكريا» واستخدم السياسة ومشاورة الكبار فى الاقصر وتذويب العناد باللين والكلمة الطيبة وتبنى مصالح الاقصريين وتعويضهم اذا تطلب الأمر. وكان التعويض يتم بسرعة ولم تبدر شكوى واحدة من تأخر تعويض. ولما كانت الاقصر- المحافظة- لها طبيعة خاصة باعتبارها ملتقى سياحىا، فكانت النظرة السياحية هى الغالبة فى رؤية سمير فرج للمحافظة. كان يتذرع سميرفرج فى الحوار مع أهل الأقصر بالصبر وطول البال وهى صفات محافظ قرر الاصلاح والبناء والتطوير.
أمامى كتاب يحمل عنوان «سبع سنوات فى طيبة». انه يحكى عن «سيرة محافظ» والمحافظ هو اللواء دكتور سمير فرج واذا أردنا أن نلخص منهج الرجل فى تطوير الاقصر فهو «أن التخطيط العلمى برؤية مستقبلية اساس البناء ويأتى بعدها المتابعة الميدانية على الارض مع تذليل أى عقبات».
وسمير فرج يرد على من «يدعى نقص الإمكانات»: هذا الكلام غير حقيقى لأن مصر بها كل الامكانيات، المهم التخطيط والاصرار على التنفيذ إن سمير فرج يفاجئنا بأن خطة التنمية الشاملة لتطوير الاقصر«كنز مدفون فى الأدراج الحكومية»!
إن ما يدهشنى فى شخصية سمير  فرج انه جمع بين العسكرية والدبلوماسية والاعلام. مثلا، ان أولى معارك سمير فرج فى التطوير كانت معركة فكرية واجتماعية هدفها الرئيسى تغيير فكر متأصل وللدقة «موروثات»  من عشرات السنين. فى معركة سمير فرج واجه ٣ جبهات هى ملخص لمعارك التطوير لطيبة القديمة.
الجبهة الأولى مع الأم أو كبيرة العيلة أو العمة كما يطلقون عليها فى الصعيد والجبهة الثانية مع جيل الشباب والجبهة الثالثة مع رجل البيت أو كبير العائلة فى كل أسرة. ولأن فرج رجل عسكرى يقول طيلة مواجهته فى التفاهم مع الصعيد الذى يعتز به يقول ان المواجهة مع الموروثات تحتاج الى «تكتيكات» لازمة لمواجهة كل جبهة.
لقد أراد سمير فرج النقاش مع الشباب فشاركهم مباريات كرة ساعة العصاري! ولما أراد الكلام مع العمة حيث لا تسمح تقاليد الصعيد استعان بالرائدات الريفيات. «احدى ثمرات د.اسماعيل سلام وزير الصحة». وحين حانت فكرة الانتقال واصبحت واقعا، بنى سمير فرج مساكن للمطلقات والارامل كما تقضى التقاليد!
لم يكن اللواء سمير فرج فى الاقصر رجلا عسكريا يتعامل بصرامة، بل فرضت عليه تقاليد المجتمع المتوارثة أن تحوله الى «مصلح اجتماعي» يتعامل مع التطوير كمعادلة اجتماعية تحتاج دراسة نفسية للعادات والتقاليد النفسية والذهنية. ولولا هذا الفهم لما فلح المحافظ فى نقل طوبة من مكانها!
وكانت اكبر معركة يواجهها سمير فرج حين قيل من «البعض» ان الاقصر تولى رئاستها احد جنرالات  الجيش الذى سوف يتسبب فى تشويه المكان الأثرى لعدم خبرته!!
وما كاد حزب اعداء النجاح يطل بوجهه حتى جاءت الضربة القاصمة بأن اصدر اليونسكو قراراً بايقاف تطوير ساحة الكرنك وكان القرار «من اقسى الضربات التى تعرضت لها فى حياتى» !
يعترف سمير فرج: كان الجهد كبيرا ومضنيا، وتم افتتاح تطوير ساحة الكرنك اواخر ٢٠٠٨ واعلنت اليونسكو عن فوز مشروع التطوير بالجائزة الاولى «وتسلمت الجائزة خلال مؤتمرهم الذى عقد فى حينها فى البرازيل» وخاض المحافظ فى سيرته معارك شتى بل انى املك كشاهد عيان ان أقول أن اصعب «معارك» اللواء سمير فرج كانت فى منصب محافظ الاقصر لانها معارك مع «تقاليد وعادات ذهنية ونفسية».
لقد حاول سمير فرج أن يحقق الصورة التى رسمها خياله للاقصر. «عندما تصل للأقصر وتعبر طريق الكباش اطول وأقدم طريق جنائزى عرفه التاريخ تستقبلك حديقة رائعة بها أجمل النباتات ومزودة بأحدث اساليب الاضاءة».
بذل الرجل جهدا فى الأيام الأولى لافتتاح هذه الحديقة لاقناع الاهالى انها «ليست حديقة عامة، انما قطعة فنية لاستقبال ضيوفهم فالانطباع الاول هو الانطباع الاخير»!
وكان- كما يروى سمير فرج فى سيرته «كان من اهداف التنمية الشاملة دعم كافة أوجه النشاط السياحى عن طريق زيادة المعروض من التراث الأثرى والثقافى ومن هنا جاء المركز النوبى الحضارى المتمثل فى القرية النوبية».
وأتذكر تماما حينما اتصلت باللواء سمير فرج أبلغه أن صديقتى الفنانة ايمان تخطط لزيارة الاقصر للاحتفال بعيد ميلاد زوجها بصحبة عدد من أصدقائه وتحدثت ايمان نفسها مع «سمير بك» وبالفعل تم حجز فندقين عائمين لرحلة نيلية بين الاقصر واسوان ذهابا وايابا. ووصفتها «ليلى هلال يسين» الشهيرة بإيمان بانها «رحلة العمر». واكثر من ذلك جمعت ايمان مبلغا من رفقاء الرحلة لصالح البيت النوبى. ووافق رئيس الوزراء آنذاك أحمد نظيف على قبول التبرع، وفى بيت ايمان بالعاصمة النمساوية صور لايمان فى البيت النوبى تجدد الذكرى كلما وقعت عيناها عليها.
لقد تطورت محطة سكة حديد الاقصر بما يليق بأحدث محافظة فى مصر ولعل من أجمل بصمات سمير فرج فى الاقصر هذا الصرح الحضارى «قصر ثقافة الاقصر» ولقد ساهمت الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة بعد ١٨ شهرا فى ان يكون القصر حقيقة لمقصد ثقافى تفتخر به الاقصر. وكان الصرح مجمعا لفنون الاقصر.
وللتاريخ -وهو شاهد لايكذب- كانت حرم رئيس الجمهورية الفاضلة سوزان مبارك تتابع على الارض ما يجرى من تطوير للأقصر.

إن تجربة المحافظ اللواء د.سمير فرج، تجربة رائدة ويحتذى بها. لقد كنت قريبا منه بحكم عملى الصحفى وعرفت ما معنى «هموم محافظ» وللدقة ما يعنى «احلام محافظ» يجعل من مدينة متواضعة محافظة متلألئة. تكاد تكون أيقونة الصعيد.
وسمير فرج- كمواطن مصري- مشغول بالعام قبل الخاص وتلك سمة المسئول المحترم.
لقد عرفت بحكم القرب بعضا من سيرته، لكن من الصعب  أن يكتب المناقشات الجدلية مع أهل الاقصر ليس عن تعنت او عناد، انما عن صداقة معمرة للأرض والآثار والحجر والموروثات.
وجاء محافظ شجاع لم يجعل مكتبه «ديوانية» للحكايات والطرائف والقهوة بل جعله موقعا للاتفاق وقبول فكرة التطوير.
«تجربة محافظ» كتاب لكل محافظ «يطور» أرضه ويواجه القبول والاعتراض وهنا تبرز شخصية المحافظ ومدى ايمانه بالتطوير وحبه لمصر التى يحلم لها الرئيس السيسى ان تكون «مصر أخري» يباهى بها العالم.
تغريدات
- هذه المقولة تعجبني: لولا «الاخوان المسلمين» لكان المسلمون أخوة.
- هذا المعنى لايعجبني: علشان ما نعلى ونعلى لازم نطاطى.. ونطاطى.
- هذا السؤال لم أجد له اجابة شافية عند «الواعية الدارسة د.مايا مرسي» لماذا يتحرشون؟
- هذه العادة صارت لصيقة بى طالما ان الكورونا لم ترحل والمضاد الحيوى مازال مجرد تجارب فى معامل: الكمامة وصداقة الوحدة ومعاشرة الملل.
- خيالى يرى ديانا حداد «زهرة تنبت فى الجبال» ويرى اليسا «عطر جميل لشابة» ويرى أصالة «عود رنان».
- دقائق ساعتى لها رأى فى ضيوفي: مرة ترمح العقارب، ومرة تتلكأ ببطء.
- طبيبى يحذرنى من كل ما هو أبيض: السكر.. والملح.
- من يصدق أن النبات يفتقد صاحبه، ففى حالات السفر والغياب يذبل؟
- خطف «الفيس بوك» اعلانات الوفيات من الصحف اليومية خصوصا انها مجانية.
- الغضب تصرفه كلمة حنان اما «الزعل» فيزحف على شرايين القلب.
- مشيئة الله فوق العلم والطب هكذا الايمان.
- له معزة شخصية عندي: التليفون الأسود المنزلى وعندما اسمع رنينه، اتذكر فيلم غزل البنات والوسادة الخالية.
- هل فعلا كما أراها: اغصان الاشجار تفتح يديها ضارعة الى السماء.
- سألت مرة أديبنا الكبير يحيى حقي: لماذا بعض الباعة يدقون بشىء ماصلب فوق بضاعتهم؟ فقال لي:هذه الدقات لكى يستحث القدر على الرزق:
- كورونيات: خسائر المال أهون بكثير من خسائر الأرواح.