23 يوليو| كواليس حركة الضباط الأحرار والإعداد لثورة 52 كما رواها «عبد الناصر»

الضباط الاحرار
الضباط الاحرار

شهد عام 1945 انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار، لتشكيل أول نواة للتنظيم الوطني الذي أطاح بالحكم الملكي، وبداية النهضة الحقيقة لمصر. 

وفي السطور التالية نستعرض تلك الفترة ونشأة الضباط الأحرار وكيف استطاعوا القيام بالثورة، من واقع الأوراق الخاصة بالزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر، والتي دونتها ابنته هدى جمال عبد الناصر، والتي حملت الكثير من الأسرار التي ننشرها بمناسبة الذكرى الـ68 لثورة 23 يوليو المجيدة. 

بين صفحات الأوراق الخاصة بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ذكر واقعة أنه في حديث له مع "دافيد مورجان" قال له: "ركزت حتى ۱۹٤٨ على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغ استيائي، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم، وكنا يومئذ جماعة صغيرة من الأصدقاء المخلصين نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفي خطة مشتركة". 

وعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر ١٩٤٧، عقد الضباط الأحرار اجتماعا واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والعدالة الدولية، واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.

وفي اليوم التالي ذهب جمال عبد الناصر الى مفتى فلسطين، الذي كان لاجئا يقيم في مصر الجديدة؛ فعرض عليه خدماته وخدمات جماعته الصغيرة كمدربين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها، وقد أجابه المفتی؛ بأنه لا يستطيع أن يقبل العرض دون موافقة الحكومة المصرية. 

وبعد بضعة أيام رفض العرض؛ فتقدم جمال عبد الناصر بطلب إجازة حتى يتمكن من الانضمام إلى المتطوعين، لكن قبل أن يبت في طلبه أمرت الحكومة المصرية الجيش رسميا بالاشتراك في الحرب؛ فسافر جمال إلى فلسطين في 15 مايو ١٩٤٨، ورقي إلى رتبة صاغ في نفس العام.

لقد كان لتجربة حرب فلسطين آثار بعيدة على جمال عبد الناصر، فعلى حد قوله: "لم يكن هناك تنسيق بين الجيوش العربية، وكان عمل القيادة على أعلى مستوى في حكم المعدوم، وتبين أن أسلحتنا في كثير من الحالات أسلحة فاسدة، وفي أوج القتال صدرت الأوامر لسلاح المهندسين ببناء شاليه للاستجمام في غزة للملك فاروق!. 

وقد بدا أن القيادة العليا كانت مهمتها شيئا واحدة؛ هو احتلال أوسع رقعة ممكنة من الأرض بغض النظر عن قيمتها الإستراتيجية، وبغض النظر عما إذا كانت تضعف مركزنا العام في القدرة على إلحاق الهزيمة بالعدو خلال المعركة أم لا.

وأضاف «عبد الناصر» كنت شديد الاستياء من ضباط الفوتيلات أو محاربي المكاتب؛ الذين لم تكن لديهم أية فكرة عن ميادين القتال أو عن آلام المقاتلين وجاءت القطرة الأخيرة التي طفح بعدها الكيل؛ حين صدرت الأوامر إلى بأن أقود قوة من كتيبة المشاة السادسة إلى عراق سويدان، التي كان الاسرائيليون يهاجمونها، وقبل أن أبدأ في التحرك نشرت تحركاتنا كاملة في صحف القاهرة! ثم كان حصار الفالوجا الذي عشت معارکه؛ حيث ظلت القوات المصرية تقاوم رغم أن القوات الإسرائيلية كانت تفوقها كثيرة من ناحية العدد؛ حتى انتهت الحرب بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة في ٢٤ فبراير ١٩٤٩).

وقد جرح جمال عبد الناصر مرتين أثناء حرب فلسطين، ونقل الى المستشفى، ونظرا للدور المتميز الذي قام به خلال المعركة؛ فإنه منح نیشان "نجمة فؤاد العسكرية في عام 1949.

وبعد رجوعه إلى القاهرة أصبح جمال عبد الناصر واثقا أن المعركة الحقيقية هي في مصر؛ فبينما كان ورفاقه يحاربون في فلسطين، كان السياسيون المصريون يكدسون الأموال من أرباح الأسلحة الفاسدة التي اشتروها رخيصة وباعوها للجيش۔

وقد أصبح ناصر مقتنعا أنه من الضروري تركيز الجهود لضرب أسرة محمد على؛ فكان الملك فاروق هو هدف تنظيم الضباط الأحرار منذ نهاية ١٩٤٨ وحتى ١٩٥٢، وبعد عودته من فلسطين عين جمال عبد الناصر مدرسا في كلية أركان حرب، التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في ۱۲ مايو 1948.

وبدأ من جديد نشاط الضباط الأحرار، وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر، كانت تضم كمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وحسن إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محيي الدين وأنور السادات وحسين الشافعي وزكريا محيي الدين وجمال سالم، وهي اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد عام ١٩٥٠،

وفي 8 مايو ١٩٥١ رقي جمال عبد الناصر الى رتبة البكباشي، وفي نفس العام اشترك مع رفاقه من الضباط الأحرار سرًا في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة التي استمرت حتى بداية ١٩٥٢؛ وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب من كافة الاتجاهات السياسية، والذي كان يتم خارج الإطار الحکومی.

ومع بداية مرحلة التعبئة الثورية، صدرت منشورات الضباط الأحرار التي كانت تطبع وتوزع سرا والتي دعت إلى إعادة تنظيم الجيش وتسليحه وتدريبه بجدية بدلا من اقتصاره على الحفلات والاستعراضات، كما دعت الحكام إلى الكف عن تبذير ثروات البلاد ورفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وانتقدت الاتجار في الرتب والنياشين.

وفي تلك الفترة اتسعت فضيحة الأسلحة الفاسدة، إلى جانب فضائح اقتصادية تورطت فيها حكومة الوفد، ثم حدث حريق القاهرة في 6 يناير ١٩٥٢، بعد اندلاع المظاهرات في القاهرة احتجاجا على مذبحة رجال البوليس بالاسماعيلية، التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية في اليوم السابق، والتي قتل فيها 46 شرطيا وجرح 72، وأشعلت الحرائق في القاهرة، ولم تتخذ السلطات أي إجراء ولم تصدر الأوامر للجيش بالنزول إلى العاصمة إلا في العصر، بعد أن دمرت النار أربعمائة مبنی، وتركت 12 ألف شخص بلا مأوى، وقد بلغت الخسائر حينها ۲۲ مليون جنيها .

وفي ذلك الوقت كان يجری صراعا سافرا بين الضباط الأحرار وبين الملك فاروق فيما عرف بأزمة انتخابات نادي ضباط الجيش، حيث رشح الملك اللواء حسين سري عامر، المكروه من ضباط الجيش؛ ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم، وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى، وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصيا إلا أنه كان قد ثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك؛ فقرر جمال عبد الناصر - رئیس الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار - تقديم موعد الثورة التي كان محددة لها قبل ذلك عام 1955، وتحرك الجيش ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة، وإلقاء القبض على قادة الجيش، الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار، بعد أن تسرب خبر عنها.

وبعد نجاح الثورة قُدم محمد نجيب كقائد للثورة - إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه جمال عبد الناصر حتى ٢٥ أغسطس ١٩٥٢، قبل إسناد رئاسة المجلس لمحمد نجيب بعد أن تنازل له عنها جمال عبد الناصر.