«السوشيال ميديا»..بين الابتزاز والابتذال

صورة موضوعية
صورة موضوعية

- رنا تعرضت لتشويه سمعتها بصفحة مسيئة من صديق والدها 

- مريم هددها خطيبها بنشر صور فاضحة

- الخبراء: وسائل التواصل خطورتها في المستخدمين.. ومتابعة الأسرة أمر ضروري

- يجب عودة برامج الأسرة والطفل.. ومتابعة المحتوى الإعلامي


لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الكبير الذى تلعبه السوشيال ميديا فى حياتنا ومدى تأثيرها علينا بشتى الطرق. وعلى الرغم من ان الكثيرين منا تعتمد بوصلتهم اليومية على وسائل التواصل الاجتماعى الا ان البعض الآخر يكون حريصا فى التعامل مع هذه البرامج لأنه يرى أن السوشيال ميديا أصبحت سلاحا ذا وانها أصبحت لدى البعض هى المتحكم الرئيسى فيه بدلا من ان يتحكم هو بها.. وعلى الرغم من الجانب الإيجابى لها الذى يتجسد فى تداول المعلومات. أوالتواصل الاجتماعى أو اعتماد بعض المهن عليها وغيرها من المزايا.. إلا ان الجانب الاخر لها يحمل فى طياته عالما آخر يجب توخى الحذر منه.. فما بين الابتذال فى بعض برامج السوشيال ميديا مثل «التيك توك» الذى أثار ضجة كبيرة فى الآونة الأخيرة بسبب المحتوى المقدم عليه والقبض على بعض الفتيات التى تستخدمه فى الدعارة. الأمر الذى وصل إلى مطالبة عدد من الأمهات بغلق هذا البرنامج خوفا على أبنائهن من الابتزاز على وسائل التواصل الاجتماعى مثلما وقع فى الحادثة الأخيرة للطالب أحمد بسام الذى قام بابتزاز الفتيات وتهديدهن بالتشهير بهن فى حال رفضهن التعرف عليه الأمر الذى يبدأ من خلال برامج محادثة وينتهى بكارثة.

«الأخبار» حاورت بعض الفتيات اللاتى تعرضن للتحرش والخبراء الذين حللوا الاستخدام السيئ للسوشيال ميديا من قبل بعض المستخدمين.

فى البداية نستعرض قصص بعض الفتيات اللاتى تعرضن للتحرش عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى وكيف تعاملن مع الأمر.

أغلقت غرفتها على دموعها وصرخاتها حتى لا يسمعها احد.  اتخذت من احدى زوايا الغرفة ملجأ تسكن إليه بعدما اصبحت تخشى من كان اقرب الناس إليها فهكذا اعتبرت خطيبها السابق بعدما احبته ووافقت عليه وسط فرحة الأهل والأصدقاء ظنًا منها انها اخيرًا قد وجدت من يحميها وتستند إليه فى هذا العالم الموحش.  وجدت ايضًا من يصون عرضها لأنها عرضه ايضًا.  هكذا عبرت مريم. ابنة محافظة القاهرة والتى لم يتعد عمرها 27 عامًا.

حلم مريم الوردى بالفستان الأبيض وباقة الورود العطرة بين يديها وبجانبها فارس الاحلام لم يكتمل بل انقلب إلى كابوس. فقد كانت تثق فيه ثقة عمياء.  كان يطلب منها ارسال صورها له فى حجرتها بملابس شبه عارية او يطلب منها صورًا تجمعهما وهو يقبّلها او بين احضانه ويحتفظ بها.. ظلت تستجيب لطلباته حتى جاءت فى احدى المرات التى رفضت فيها طلبًا له وهو التقاط صورة عارية لها وارسالها له، فتفاجأت بردة فعله انه يهددها بإرسال جميع الصور إلى ابيها المريض الذى من الممكن ان تؤثر الصدمة فيه وتؤدى إلى وفاته فى الحال.

ظهر الوجه الآخر لحبيبها.  وظل يستدرجها بتلك الصور مرة تلو الأخرى حتى وصل الأمر إلى طلبه اقامة علاقة زوجية كاملة مع احد اصدقائه. مما اضطرها إلى اللجوء إلى احد المحامين من اجل الدفاع عن نفسها بعد رفضها الانصياع لطلباته. وكانت السوشيال ميديا وسيلة التهديد التى استخدمها خطيب مريم لتهديدها عن طريق حسابات وهمية قام بإنشائها وهددها من خلالها حتى لا يتم اثبات التهمة عليه اذا قام بتحرير بلاغ ضده.. مرت مريم بكابوس- على حد وصفها- حيث اكتشفت بعد البلاغ انه مجرد موظف امن بإحدى الشركات وليس رجلا ذا نفوذ كما ادعى.  وبالفعل تمكنت من عمل محضر ضده.


المقابل المادى


أميمة هى حالة اخرى ضحية للابتزاز الإلكتروني. حيث تعرفت على شاب عن طريق السوشيال ميديا وبدأت بالحديث معه ووعدها بالتقدم لخطبتها والزواج.  وفى إحدى المرات التى كانا يتبادلان الحديث على السوشيال ميديا تحديدا «فيس بوك» فوجئت به يرسل صورا لها كانت على هاتفها لم تكن قد ارسلتها له مسبقا ويهددها بأنه سيقوم بنشرها على صفحات التواصل الاجتماعى المختلفة اذا لم ترسل له مبلغ مالى 20 الف جنيه كبداية كى لا ينشرها.  لتكتشف أنه قام باختراق جهاز الهاتف الخاص بها وكذلك الحاسب الآلى الخاص بها.  ليقوم بتهديدها بعد ذلك فى مقابل المبلغ المالي.. لم تستسلم اميمة له وقامت بإبلاغ أسرتها بذلك وبالفعل تم تحرير محضر له وفور معرفته بالمحضر قام بإغلاق حساباته واختفى ولم يقم بنشر الصور.


تشويه للسمعة


رنا محمد 28 عامًا.  لم يكن بحسبانها ان تجد صورها منشورة على احدى الصفحات المشبوهة على موقع فيس بوك.  حيث كانت تتصفح الموقع وبمحض الصدفة البحتة وجدت صورا لها باسم مختلف ومكتوب عليه سباب وشتائم ورقم هاتف لها.  وقامت باستخدام خاصية الابلاغ التى يوفرها الفيس بوك للحسابات المزيفة وبعد ما يقرب من 5 ساعات تم بالفعل اغلاق الصفحة.. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.  إلا انها فوجئت برسالة تهديد من حساب وهمى أنه لن يتوقف عن عمل صفحات تسيئ لسمعتها وتستغل صورها وأنه مهما اغلقت صفحات سيقوم بتدشين غيرها. وبعدما ابلغت مباحث الانترنت اكتشفت انه شخص صديق لوالدها وبينهما خلافات قديمة فحرص على الانتقام منه بتشويه سمعة ابنته.


الفتاة الضحية


يعلق إيهاب الأطرش -  محامى الأحوال الشخصية-  بأن معظم القضايا على مكتبه هى من نوعية الابتزاز العاطفى والجنسي.  حين يستدرج الرجل الفتاة عن طريق صور تجمعهما مستغلًا ثقتها فيه ليطلب منها المزيد ويستخدم عادة السوشيال ميديا.

ونصح الأطرش الفتيات بضرورة عدم ارسال مثل تلك الصور او التقاطها لأن الأمر يتطور وتصبح الفتاة هى الضحية فى النهاية.  مؤكدًا ان الأمر غير مقتصر على المخطوبين او من بينهم علاقة عاطفية لكنه يتطور ايضًا إلى المتزوجين حين يقوم الزوج بتصوير زوجته اثناء معاشرتها او نشر صور لها ويهددها بها فى حالة الانفصال او بمجرد ان يدب بينهما خلاف.

وعى وتوعية

ويقدم الخبراء تحليلا لأسباب قيام بعض الأشخاص لمثل هذه التصرفات والدور الذى يجب أن تقوم به الأسرة لحماية الأبناء.

فى البداية يقول د. جمال فرويز أستاذ علم النفس إنه لا يمكننا التعميم بأن وسائل التواصل الاجتماعى غير مناسبة أو سيئة فهى ما إلا وسيلة من إحدى وسائل التواصل ولكن من يسىء استخدامها بالفعل هو الشخص نفسه. فالمستخدم للشىء إما ان يستخدمه استخداما جيدا ويستفيد من مزاياه أو يستخدمه بطريقة سيئة مستغلا بعض وسائل التكنولوجيا فى ذلك.. ويؤكد انه خلال فترة الحظر كان لمثل هذه الوسائل والبرامج دور كبير فى تواصل الأهالى والأصدقاء مع بعضهم البعض أو اعتبارها إحدى وسائل الترفيه وغيرها من الاستخدامات التى قام الكثيرون بالاستفادة منها. أما اذا تحدثنا عن الجانب الاخر لها والاثار السلبية فنرى ان الشخص الذى يبحث عن هذه الزاوية من التكنولوجيا اما شخص أنطوائى لا يميل إلى التعامل المباشر مع الناس لكنه يميل إلى العالم الافتراضى. أما النوع الثانى فهو الشخصية «السيكوباتية» وهو شخص سلبى لديه نوع من اللامبالاة فى أغلب تصرفاته وليس لديه أى نوع من المشاعر وفى الوقت نفسه يخشى المحاسبة أو العقاب وذلك ما يجده فى العالم الافتراضى أيضا.. ويشير إلى ان الوقائع الأخيرة من حوادث التحرش أو استخدام وسائل التواصل بالشكل السيئ مثل التيك توك هو بمثابة جرس انذار لأغلب الأسر لتعيد ترتيب أوراقها مع الأبناء مرة اخرى وكان يجب استغلال فترة الحظر فى ذلك. مؤكدا أنه يجب اعادة الحديث المباشر والصريح بين افراد الأسرة حتى ولو مرة أسبوعيا كنوع من التواصل ومتابعة احوالهم. كما يجب عدم الاستهانة بمثل هذه البرامج ومتابعة استخدام الأبناء لها لمنع الوقوع فى الخطأ خاصة لمن هم فى سن المراهقة وضرورة بث مشاعر الأمان والطمأنينة لدى الأبناء فى حالة وقوع اى خطأ ليتمكن الأهل من معالجته فى الوقت المناسب دون الاضطرار إلى السكوت او الاخفاء.

مسئولية الإعلام


وتضيف د. ليلى علم الدين أستاذ الإعلام أن وسائل الإعلام تحديدا المرئية تتحمل مسئولية كبيرة تجاه أفراد المجتمع فيما يخص هذه القضية. فأغلب الأعمال الدرامية التى باتت تقدم على الشاشات أصبح المحتوى بعيدا كل البعد عن ارساء مبادئ وتقاليد الأسر المصرية والحرص على الترابط بين جميع الأفراد. بل ان اغلب الأعمال أصبحت تعتمد على إبهار الشباب بأحدث أجهزة الموبايل وكيف انها أصبحت احدث وسائل الثراء السريع وهذا ما تم مع فتيات التيك توك اللاتى تم إلقاء القبض عليهن فأغلبهن بحثن عن المكسب السريع مستغلين السوشيال ميديا فى ذلك.. وتشير إلى أن غياب برامج التوعية للمرأة من مختلف وسائل الاعلام وبرامج الطفل. جعل وسائل التواصل الاجتماعى بديلا لهما وهذا امر فى غاية الخطورة خاصة أن العديد من المواقع اما تمثل خطرا شديدا او تكون مضللة فى نوعية الأخبار التى تبثها.


وتضيف انه للأسف الشديد عدم وجود رقابة على وسائل التواصل الاجتماعى يجعل نشأنا دائما مهددا بالخطر مما يضاعف المسئولية على الاعلام بعدم الاهتمام بالربح فقط والنظر إلى المضمون. وعلى الأسرة أيضا متابعة أبنائها أولا بأول.


جريمة مكتملة الاركان


ويقول د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الأمور فى العادات والأعراف لها وجهان: وجه ايجابى ووجه سلبى. و الايجابى يعنى انه لو كان التواصل فى حدود الآداب الشرعية مثل الهاتف أو تداول المعلومات او التهانى او التعازى اى عادات تتواءم مع الأزمنة ولغة العصر.. ويضيف اما اذا انحرف الاستخدام سواء فى صورة ابتزاز أو تشهير فهو امر يعود بالسوء على صاحبه وذلك كما قال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم»و قولوا للناس حسنا» و»ويل لكل همزة لمزة». فالابتزاز هو نوع من الاكراه للوصول إلى هدف بعينه وهى جريمة مكتملة الاركان وهذا امر محرم ويقع على الانسان إثمه فى الدنيا والآخرة.


أمهات فى حيرة


وفى الوقت نفسه تقع الأمهات فى حيرة مع الأبناء فبعضهن يطالبن بإغلاق مثل هذه البرامج خوفا وحرصا على ابنائهن والبعض الاخر يرى انه مواكب للعصر ولكن مع حرص ومتابعة الأسرة.


فتقول فاتن شعبان ربة منزل: ابنائى شباب فى مراحل جامعية مختلفة والتحكم فيهم او تقديم النصيحة فى مثل هذه السن أمر شاق للغاية. فهم يعتقدون انهم وصلوا لمرحلة النضوج الكافى التى تجعلهم قادرين على التفريق بين الصواب والخطأ وأنا أثق بهم تمام الثقة. و لكن ما أشاهده واسمعه من أخبار ترتبط بوسائل التواصل الاجتماعى تجعلنى فى غاية القلق عليهم خاصة ان الامر تعدى ووصل إلى جرائم سلوكية. لذا أتمنى ان يتم إغلاق مثل هذه البرامج حرصا على مصلحة أبنائنا.


وتضيف غادة جلال ان لغة العصر هى التكنولوجيا ولن نتمكن بأى شكل من الأشكال من منع أبنائنا من استخدامه خاصة انه أصبح عنصرا أساسيا فى كافة نواحى الحياة من تعليم وعمل ومجالات اخرى. و لكن تكمن الخطورة تحديدا فى السن الصغيرة التى تجلس أمام شاشة الموبايل أو التابلت لأكثر من منتصف اليوم دون مراقبة أو متابعة من قبل الاب او الام. و عليهم باستمرار أن يكونوا على علم دائما بأحدث الربامج ليستطيعوا مواكبة أبنائهم.


وتؤكد رباب سعيد انا لست ضد وسائل التواصل الاجتماعى ولكنى ضد أى برنامج يكوّن لدى أبنائى ثقافة غير مرغوب فيها سواء فى نوعية الاغانى او الترفيه الذى تقدمه. فعلى سبيل المثال أثناء الحظر وجدت أن «التيك توك» مسليا للغاية ويكسر روتين اليوم داخل المنزل ولكن مع ملاحظة التجاوزات التى اصبحت عليه قمت بمسحه من على موبايلى وكذلك طلبت من ابنائى الغاءه من على هواتفهم لانه اصبح يجسد خطورة فيما يقدمه ولا ارغب فى ان يكون جزءا من ثقافة أبنائى.


 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي