جمال حسين يكشف أسرارًا من دفتر أحوال ثورة 30 يونيو

جمال حسين
جمال حسين

◄ مرسى زرع «هدهد» فى مكتب وزير الداخلية  ليكون عيناً للإخوان
◄ المعزول لـ «إبراهيم»: «أيمن» مستشارى الأمنى سيكون همزة الوصل بين الرئاسة والداخليَّة
◄ عبداللطيف غاضبًا: «هدهد نافش ريشه علينا وعامل فيها وزير داخليَّة»
◄ «مصلحة مصر فوق كل اعتبار».. الجملة التى أغْضبت مرسى وطالب بحذفها من بيانات الداخليَّة
◄ مكتب الإرشاد طالب مرسى بتعيين البلتاجى وزيرًا للداخليَّة ومرسى رفض خوفًا من الجيش


في أحد أيام عام الإخوان الأسود في الحكم، وأثناء دخولي ديوان وزارة الداخليَّة كالمعتاد، بصفتى المحرر الأمنى لجريدة الأخبار لدى الوزارة؛ لمتابعة مُجريات الأحداث التى كانت ملتهبةً فى الشارع المصرى فى ذلك الوقت؛ بفعل جرائم الإخوان، لاحظت أن الأجواء داخل الوزارة متوترةً ومشحونةً للغاية، وأن قيادات الوزارة والضباط فى ثورة غضبٍ مكتومةٍ!

 

اقتربت من اللواء هاني عبداللطيف - مساعد وزير الداخليَّة للإعلام والعلاقات - والذى كان يشغل فى هذا الوقت منصب المتحدِّث الرسمي لوزارة الداخليَّة؛ لاستطلاع الأمر، فقال لى منفعلًا والغضب يُسيطر على ملامح وجهه: «تصور الإخوان عاوزين يأخونوا وزارة الداخليَّة، ضمن مخططهم لأخْونة مفاصل الدولة، ومرسى عيَّن القيادى المُقرَّب له أيمن هدهد الذى يعمل مهندسًا، مستشارًا أمنيًا له، وأرسله إلى وزارة الداخليَّة؛ بهدف زرعه داخل ديوان الوزارة فى لاظوغلى؛ ليكون عينًا له ولمكتب الإرشاد، ويُراقب تحركات ولقاءات وزير الداخليَّة وقيادات الوزارة.

 

تصوَّر أنه وهو جاى الوزارة، سار بسيارته عكس الاتجاه فى الشارع المُؤدي للوزارة، وانفعل أيضًا على حرس البوابة، وقال لهم: أنا المستشار الأمنى لرئيس الجمهوريَّة، والمفروض تعطونى التحيَّة!!.. البيه المهندس الزراعى أيمن هدهد اللى لسه خارج من السجن عامل لنا فيها وزير داخليَّة، وجاى نافش ريشه علينا، وأول حاجة طلبها هو وأحمد عبدالعاطى - مدير مكتب مرسى - تغيير شكل ومضمون الخطاب الإعلامى لوزارة الداخليَّة، والبيانات الرسميَّة للوزارة؛ لأن الرئيس مرسى مستاءٌ أن يقول المتحدِّث الرسمى اللواء هانى عبداللطيف فى نهاية كل بيانٍ جملة: «وتُناشد وزارة الداخليَّة القوى السياسيَّة بأن تضع مصلحة مصر فوق كل اعتبارٍ»، وطالب بأن يتم استبدال هذه الجملة بعبارة: «وتُناشد وزارة الداخليَّة القوى السياسيَّة والشعب المصرى بمساندة الشرعيَّة، والحفاظ على الاستقرار فى البلاد»؟!!

 

ضد الأخْونة


أدركت وزارة الداخليَّة أن نظام محمد مرسي، يُحاول السيطرة على مفاصل الدولة، من خلال زرع الكوادر الإخوانيَّة بداخلها، وأن مكتب الإرشاد عيَّن أحد كوادرهم، القيادى الإخوانى أيمن هدهد بمكتب وزير الداخليَّة.. وهنا رفض اللواء هانى عبداللطيف مطلب أحمد عبدالعاطى -مدير مكتب مرسى-، الذى أكَّد عليه مرةً ثانيةً أن هذه رغبة الرئيس مرسى شخصيًا، وأنه كلَّف مدير مكتبه أحمد عبدالعاطى، ومستشاره الأمنى أيمن هدهد بنقل رغبته لوزارة الداخليَّة.. عرض اللواء هانى عبداللطيف الأمر على اللواء محمد إبراهيم- وزير الداخليَّة -، الذى قال له: «اعمل اللى فيه مصلحة مصر»، واستمر بيان الداخليَّة اليومى كما هو، ولم يكتفِ اللواء هانى عبداللطيف بذلك، بل قام بعمل مداخلةٍ مع الإعلامى يوسف الحسينى، فى مساء اليوم نفسه، وأعلنها صراحةً؛ قائلًا: «الداخليَّة لن تتأخْون»، وهنا اعتبر الإخوان هانى عبداللطيف عدوًا لهم؟!!

فضولٌ صحفي


قلت فى نفسى «لا دى الحكاية كبيرة، ولا بد من معرفة من يكون هذا الهدهد»؟.. ولم يطل الأمر طويلًا حتى عرفت أنه يُدعى أيمن عبدالرءوف هدهد،  يعمل مهندسًا زراعيًا، وسبق أن ألقى جهاز مباحث أمن الدولة القبض عليه متهمًا فى عدة قضايا، وبعد أن استولى الإخوان على الحكم، تمَّ تصعيده عقب انتخابات فى مجلس شورى الإخوان؛ ليكون عضوًا بالمجلس عن محافظة الجيزة، بجانب كونه عضوًا فى المكتب الإدارى لإخوان المحافظة ذاتها؟!.


وبدأ الإخوان يُصدِّرون هدهد، وكأنه حاصلٌ على أعلى الشهادات فى العلاقات الأمنيَّة بين الدول، أو فى مكافحة الجريمة، رغم أنه أحد الحاصلين على بكالوريوس زراعة؟!.. وعلى مدى أكثر من شهرٍ كنت أتردد على ديوان وزارة الداخليَّة؛ للاستماع إلى حكاوى الضباط عن أيمن هدهد، وكيف اتبعت الوزارة سياسة التضييق عليه، واعتباره منبوذًا، يرفض الوزير محمد إبراهيم السماح له بالجلوس فى مكتبه إلَّا نادرًا؛ فقط عندما يعلم أنه مُحمَّلٌ برسالةٍ من رئيس الجمهوريَّة له، وإذا دخل مكتب أى قيادةٍ أمنيَّةٍ، تكون المعاملة رسميَّةً دون حميميةٍ.


لكن هدهد كان من البجاحة  طلب أن يكون له مكتبٌ ملاصقٌ لمكتب وزير الداخليَّة فى الطابق السادس؛ المُخصَّص للوزير اللواء محمد إبراهيم- وزير الداخليَّة -، الذى ثار ثورةً عارمةً عندما علم أن «أيمن هدهد» يُريد الاطلاع على المكاتبات والتقارير التى يتلقَّاها الوزير من مساعديه عن الأحوال الأمنيَّة فى كل المحافظات، وبعد ضغطٍ من ديوان الرئاسة، تمَّ الاتفاق على أن يجلس هدهد فى الاستراحة المُلحقة بالمكتب بمفرده بعيدًا عن مكتب الوزير.

 

وأكَّد لى كل الضباط والقيادات الأمنيَّة، الذين تعاملوا مع هذا الهدهد، أنه كان يمتلك قدرًا كبيرًا من السماجةِ والفظاظةِ، وكان يُريد أن يحشر أنفه فى كل كبيرةٍ وصغيرةٍ، كما يُريد أن يتدخَّل فى كل شىءٍ؛ وكأنه يُراقب كل من يدخل ويخرج من مكتب وزير الداخليَّة، لكن ضباط الوزارة تجنَّبوه وجعلوه يكره البقاء طويلًا منبوذًا داخل ديوان الوزارة، وبدأ يُقلِّل حضوره وساعات تواجده داخل الوزارة إلى أقصى مدى.


هدهد وزيرًا للداخليَّة


من الأسرار الغريبة، أنه عقب اختيار اللواء محمد إبراهيم وزيرًا للداخليَّة، وتوليه مسئوليَّة الوزارة، أخبره الرئيس الأسبق محمد مرسى بأن «هدهد» هو مستشاره الأمنى، وسيكون همزة الوصل بين الرئاسة ووزارة الداخليَّة، وبلغ الفجور بمرسى أنه اتصل بهدهد، الذى كان جالسًا مع اللواء محمد إبراهيم فى مكتبه، وظلَّ الرئيس مرسى يُحادث هدهد، ويُعطى له التعليمات، ثم أغلق السماعة دون الحديث مع الوزير؟!!.. كما أبلغ مرسى وزير الداخليَّة، أن توجيهات الرئاسة لوزارة الداخليَّة ستكون إمَّا منه شخصيًا، أو مدير مكتبه أحمد عبد العاطى، أو مستشاره الأمنى هدهد؟!!


وكانت التقارير الأمنيَّة اليوميَّة المهمَّة لوزارة الداخليَّة يتم وضعها فى مظروفٍ مُغلقٍ مُدونٍ عليه «سرِّى للغاية»، ويتم تسليم المظروف إلى قصر الرئاسة، حيث يتسلَّمها أحمد عبدالعاطى -مدير مكتب مرسى-، والذى يتولَّى بدوره عرضها على الرئيس مرسى، وبدلًا من حِفظها فى خزينة قصر الرئاسة الحديديَّة، كانت تُسلَّم لهدهد، الذى كان ينقلها بطريقته إلى مكتب الإرشاد؟!!


وكشفت تحقيقات قضية «التخابر مع قطر»، أن المسئول عن تسريب التقرير الذى أرسلته وزارة الداخليَّة عن الخطة الأمنيَّة بسيناء، خلال عملية خطف الجنود، والارتكازات الأمنيَّة، أحد ثلاثةٍ لا رابع لهم، إمَّا الرئيس المعزول محمد مرسى، أو مدير مكتبه أحمد عبدالعاطى، أو أيمن هدهد، لدرجة أن أحد الأحراز المضبوطة فى حقيبةٍ بمسكن أحد المتهمين فى قضية التخابر، كان بداخلها مظروفٌ يحمل عنوان «سرِّى للغاية»؛ كان مرسلًا من الداخليَّة إلى الرئيس مرسى، وتحوى المذكِّرة معلومات عن الموقف الأمنى بشمال سيناء، ومحاور العمل المستقبليَّة فى جميع المجالات بسيناء، ورؤية الجهات المختلفة نحو مواجهة الإرهابيين داخل سيناء، وما تمَّ تنفيذه لإعادة الجنود المختطفين.


هذا هو تنظيم الإخوان الذى أسقطه المصريون بعد ثورة 30 يونيو المجيدة، بقيادة الزعيم الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى أنقذ مصر من مكائد الإخوان الذين توغَّلوا داخل مؤسسة الرئاسة، لدرجة أن مرسى عيَّن أيضًا عددًا منهم فى مناصب داخل القصر الجمهورى، رغم سابقة القبض عليهم ومحاكمتهم وإدانتهم فى عدة قضايا تطرُّف؛ وعلى رأسهم أيمن هدهد، وأسعد الشيخة ابن شقيقة مرسى؟!!


التحكُّم فى مفاصل الدولة


ومن الأسرار التى قد تكشف تفاصيلها الأيام المقبلة، أنه عندما تولَّت جماعة الإخوان الحكم، عقد مكتب الإرشاد اجتماعًا طارئًا، برئاسة محمد بديع -المرشد العام للإخوان-، حضره محمد مرسى - رئيس الجمهوريَّة -، وعرض خيرت الشاطر، خلال الاجتماع، خطة الجماعة لأخْونة مؤسسات الدولة، خاصةً المؤسسات السياديَّة، وتمَّ طرح اسم محمد البلتاجى؛ لتعيينه وزيرًا للداخليَّة فى التعديل الوزارى، واسم عصام العريان لرئاسة أحد الأجهزة السياديَّة المهمَّة، وأسامة ياسين لرئاسة جهازٍ سيادىٍّ ثالثٍ، لكن مرسى أبلغهم أنه لا بد أن تكون هناك مواءمات سياسيَّة، وأنه ليس من السهل أن يقبل رجال الداخليَّة وزيرًا إخوانيًا مدنيًا فى هذا الوقت، وأيضًا فى بداية حكم الإخوان، وسوف يترتَّب على ذلك صدامٌ مع القوات المسلحة، التى لن تقبل هى الأخرى ذلك، وأشار على مكتب الإرشاد أن يُعيَّن أيمن هدهد مستشارًا أمنيًا له داخل وزارة الداخليَّة؛ ليُراقب أداء الوزارة على مدار 24 ساعةً، ويُعيِّن فى كل الوزارات والهيئات والأجهزة السياديَّة مستشارًا تابعًا لمكتب الإرشاد بكلٍّ منها؛ يكون عينًا لهم ويُشرف على أخْونة جميع مفاصل الدولة؟!!

 

هدهد فى القفص


عقب نجاح ثورة 30 يونيو، تمَّ على الفور القبض على أيمن هدهد؛ لمشاركته فى قتل المتظاهرين أمام مقر مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان بالمقطم، واعترف فى التحقيقات بأنه اتصل بوزير الداخليَّة، اللواء محمد إبراهيم، وطلب منه تأمين مقر الإخوان بالمقطم، مُدعيًا أن المتظاهرين اقتحموا المقر،  وأجرى عدة مكالماتٍ هاتفيَّةٍ مع اللواء أشرف عبدالله -مساعد الوزير للأمن المركزى-، واللواء أسامة الصغير -مدير أمن القاهرة-، وطالب مدير أمن القاهرة بحماية الإخوان ومكتب الإرشاد، وردَّ عليه اللواء أسامة الصغير بأن الإخوان هم من يُطلقون الرصاص من داخل مبنى مكتب الإرشاد، وقتلوا 7 مواطنين، وأصابوا 30 آخرين، وطالبه بإصدار تعليماته للإخوان بعدم إطلاق الرصاص من داخل مكتب الإرشاد؛ حتى تتمكَّن الشرطة من السيطرةِ على الموقف، وهنا احتدَّ «هدهد»، وأبلغه بأحقية المتواجدين داخل مكتب الإرشاد فى الدفاع عن أنفسهم؟!!


ولم يتوقَّف السجل الإرهابى لأيمن هدهد على ما حدث أمام مكتب الإرشاد بالمقطم، بل امتدَّ إلى أحداث قصر الاتحاديَّة، حيث كان المسئول عن الحشد لأنصار جماعة الإخوان، وخلال الأحداث طلب اللواء أحمد جمال الدين -وزير الداخلية فى ذلك الوقت-، من سعد الكتاتنى -رئيس مجلس الشعب- التدخُّل لفض وإنهاء الاشتباكات أمام قصر الاتحاديَّة، وصرف أنصار جماعة الإخوان، وردَّ الكتاتنى بأنه سيُخبر أيمن هدهد؛ ليُعطى أوامره لأنصار الإخوان بالانسحاب، وعاد وزير الداخليَّة واتصل مرةً أخرى بأيمن هدهد، وقال له: «ممشتوش ليه»، فردَّ عليه هدهد: «ها نمشى بعد الصلاة على الشهداء»؟!


هذه هى حكاية أيمن هدهد، الذى زرعه مرسى ومكتب الإرشاد داخل وزارة الداخليَّة، والذى يدفع الآن ثمن ما اقترفته يداه من جرائم فى حق مصر والمصريين، حيث حُكم عليه فى قضية أحداث قصر الاتحاديَّة بالسجن المشدد 20 عامًا، هو ومرسى وعصام العريان ومحمد البلتاجى وأحمد عبد العاطى وأسعد الشيخة -نائب رئيس ديوان رئيس الجمهوريَّة الأسبق.


حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء بقيادة الرئيس السيسى وجعل رايتها عاليةً خفاقةً للأبد.