يوميات الأخبار

سد النيل «الأزرق».. والحوار «القنبلة»

طاهر قابيل
طاهر قابيل

«كل ما أتمناه أن تطور وزارة الثقافة من أدائها وتستفيد من تكنولوجبا المعلومات والتطور الذى طال وسائل الاتصال وتستبدل «القراءة للجميع» بـ«المعرفة والعلم للجميع»..

فى تسعينيات القرن الماضى اطلقت الهيئة العامة للكتاب مهرجانا.. لم يكن المهرجان لاختيار ملكة جمال الكون أو للسينما أو المسرح بل كان للقراءة من خلال كتب مكتبة الاسرة التى توفر سلاسل تضم روائع الفكر والابداع بمختلف فروع المعرفة تجدها على الرصيف ولدى باعة الصحف والمجلات باسعار زهيدة جدا.

المعرفة للجميع
مصر على مر التاريخ بلاد الحكمة والمعرفة والفن والحضارة وتمتلك عبقرية المكان والابداع فى كل زمان وليمُت إخوان الشر ومن يدعمهم بغيظهم.. ومن بين تلك الكنوز التى حرصت على الحصول عليها مؤلَّف عبقرى وضع صفحاته الكاتب الالمانى «اميل لودفيج» رسم من خلاله لوحة فيما يزيد على 800 صفحة عن «نهر النيل» من منبعه إلى مصبه واختار له عنوان «النيل.. حياة نهر».. الكتاب الذى ترجمه «عادل زعيتر» إلى العربية صعب القراءة لكلماته وأسلوبه الأدبى المعتمد على الوصف لمشاهدات كاتبه وقد بذل المترجم المصرى مجهودا خارقا فى إيصاله إلينا بالمزيد من الهوامش لتفسير الكلمات صعبة الفهم.

بعيدا عن كتاب «إميل وزعيتر» فنهر النيل أطول أنهار الكرة الأرضية ينساب من الجنوب إلى الشمال لطبيعة القارة السمراء كما خلقها الله عز وجل.. له رافدان رئيسيان هما النيل الأبيض والنيل الأزرق.. وينبع «الأبيض» من «البحيرات العظمى» فى وسط أفريقيا جنوب رواندا ويجرى من شمال تنزانيا إلى بحيرة «فيكتوريا» ثانية أكبر بحيرات المياه العذبة فى العالم إلى أوغندا.. أما «الأزرق» فيبدأ فى بحيرة «تانا» بإثيوبيا ويسير إلى السودان من الجنوب الشرقى ثم يجتمع الابيض والازرق عند الخرطوم ويسيران سوياً إلى مصر.. ويبلغ طول «نهر النيل» 6650 كيلو مترا.. ويغطى 3 ملايين و400 ألف كيلو متر من الارض ويمر بمصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندى والكونغو الديمقراطية وهم ما يطلق عليهم دول حوض النيل بالاضافة إلى إريتريا بصفتها مراقبا.

يخرج نهر النيل من بحيرة فيكتوريا عند مدينة «جينجا» ويجرى لمسافة 70 كيلومترا حتى يدخل بحيرة «كيوجا» ثم يغادرها عند ميناء «ماسيندى» ويستمر فى جريانه عبر شلالات «مورشنسون» لمسافة 500 كيلو متر حتى يصل إلى بحيرة «ألبرت» ثم يصل إلىى جنوب السودان ليدخلها عند مدينة «نيمولى» حيث يمر عبر شلالات «فولا» ليدخل منطقة المستنقعات الكثيفة ليتصل بعدها ببحر الغزال ويجرى شرقًا ليلتقى ببحر الزراف ونهر السوباط ثم يستعيد مساره نحو الشمال ويستمر فى جريانه..

والنيل الأزرق يأتى الينا بحوالى 80% من المياه او يزيد قليلا والنى تصل إليه فى الصيف أثناء سقوط الأمطار الموسمية على هضبة الحبشة.. ويستمر فى مساره 1400 كيلو متر حتى يلتقى بالازرق فى المقرن عند العاصمة السودانية الخرطوم مخترقاً مصر حتى البحر المتوسط.. ويقال ان نقطة المياه التى تسقط على الهضبة الاثيوبية تستغرق رحلتها 8 ايام حتى تصل إلى بلدنا المحبوب مصر..

كل ما أتمناه أن تطور وزارة الثقافة من أدائها وتستفيد من تكنولوجبا المعلومات والتطور الذى طال وسائل الاتصال وتستبدل «القراءة للجميع» بـ«المعرفة والعلم للجميع» وتقدم للمصريين هذه الكنوز فى أشكال جديدة فى فلاشات أو عبر الانترنت.. وربما اكون اكثر طمعا فى ان تتضمن تلك الكنوز افلاما تسجيلية تصاغ بطريقة جاذبة للمصريين والعرب والاجانب بمختلف الاعمار لتصل رسائلنا لكل العالم.

شريان الحياة
 لم تكن ليلة 30 يونيو الماضى فى حياتى ليلة عادية فقد جلست أتنقل بين قناة تليفزيونية واخرى لأتابع جلسة مجلس الأمن عن السد الاثيوبى المقام على النيل الازرق.. وقد قالها سامح شكرى وزير الخارجية بكل قوة إن مصر لن تقبل تهديدا لأمنها المائى.. فهناك خطر وجودى يهدد بالافتئات على المصدر الوحيد لحياة أكثر من 100 مليون مصرى.. فمشروع السد الضخم الذى تشيده إثيوبيا يمكن أن يعرض أمن وبقاء أمة بأسرها للخطر بتهديده لمصدر الحياة الوحيد لها وأن اللجوء إلى مجلس الأمن لمنع تزايد الاضطرابات فى المنطقة بعد التعنت الإثيوبى فى المفاوضات.

كنت استمتع بكلمة الوزير سامح شكرى وهو يعرض امام العالم الواقع الذى نعيشه منذ اشهر ويؤكد بدبلوماسية الموقف المصرى الذى اعلنه الزعيم عبد الفتاح السيسى منذ سنوات بأن مصر تؤيد تحقيق الأهداف التنموية للشعب الإثيوبى وتساند وتدعم ذلك ولكن من الضرورى إدراك أن السد هو أضخم مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية فى إفريقيا ويهدد مقدرات ووجود ملايين المصريين والسودانيين. وان ملأه وتشغيله بشكل أحادى ودون التوصل لاتفاق يتضمن الإجراءات الضرورية لحماية المجتمعات فى دولتى المصب ومنع إلحاق ضرر جسيم بحقوقهما سيزيد من التوتر ويمكن أن يثير الأزمات والصراعات فى منطقة مضطربة بالفعل.. وطالب الوزير المصرى «مجلس الامن» الذى أوكل له المجتمع الدولى مسئولية الحفاظ على السلم والأمن الدوليين أن يمارس مهامه بيقظة لتلافى تصاعد التوتر واحتواء الأزمات التى تهدد المساس بالسلام فى إقليم يعانى قدراً من الهشاشة.

فمصر دولة سلام وعندما انخرطت خلال ما يقرب من عقد كامل فى مفاوضات مضنية كان هدفها الوصول إلى اتفاق عادل يمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية المشروعة وفى نفس الوقت يقلص من الآثار العكسية والضارة على المجتمعات فى السودان ومصر والوصول لحل عادل ومتوازن يراعى مصالح كافة الأطراف ويحفظ حقوقها المائية.

دولتا المصب مصر والسودان يعتمد وجودهما وبقاؤهما على نهر النيل.. وتشغيل السد الاثيوبى العملاق بشكل أحادى قد تكون له تأثيرات اجتماعية واقتصادية مدمرة سوف تؤثر على كافة مناحى الأمن الإنسانى بما فى ذلك الغذاء والماء والبيئة والصحة العامة وسيعرض الملايين لمخاطر اقتصادية ويؤدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والجريمة والهجرة غير الشرعية والتنوع البيولوچى وزيادة المخاطر الناجمة عن تغير المناخ.. وبصراحة لم افهم من تصريحات ممثل اثيوبيا اى شىء.. فقط اثار غضبى لأنه مازال يدور فى حلقة مفرغة ويتحدثون بكلام متكرر لا يسمن ولا يغنى من جوع وأن «المفاوضات الثلاثية لم تنتهِ بعد وهناك تقدم وقضايا معلقة وان لديهم النية الصادقة لدعم الدول الثلاث للوصول إلى حل متوافق عليه لان السد جزء لا يتجزأ من تطلعاتهم التنموية».
يبدو ان اثيوبيا لا تتعلم من التاريخ ومازالت تسير فى غيها ومصممة على كلامها حتى بعد ان وافقنا على استكمال المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الافريقى بقيادة جنوب افريقيا.. وفى رأيى ان حل الازمة المصرية الاثيوبية السودانية لا يتطلب التصريحات «العنترية» ودغدغة مشاعر المصوتين بالانتخابات الأثيوبية.. ولكنه يكمن فى حسن النوايا للتوصل إلى اتفاق والامتناع عن أى إجراءات أحادية.. فالصراعات لا تخلف الا الدمار والمباحثات الناجحة وسيلة للانقاذ والسلام، فالنيل حياة لدول الحوض وليس نهرًا داخليًّا اثيوبيًّا ومن كل قلبى كمصرى وافريقى وعربى وقبل كل ذلك كإنسان أتمنى ان تنجح المفاوضات وتعيش القارة السمراء فى تنمية ورخاء.

آخر الكلام
لا أستطيع أن أختم يومياتى هذا الشهر بدون الحديث عن الكاتب الصحفى الكبير خالد ميرى رئيس تحرير «الاخبار» والامين العام للصحفيين العرب.. فالصديق خالد ميرى «ابن المنيا» ليس رئيس تحرير عاديا يتأنق بالبدلة والكرافت عمال على بطال ويكتفى بالاشارات والايماءات والتوجيه حتى يفهم الجميع انه مسئول كبير.. ولكنه أولا وأخيرا صحفى يحضر للجريدة مبكرا ويتابع كل شىء ويستمع باهتمام لأى زميل كبيرا أو صغيرا ولا يترك مكتبه الا بعد الاطمئنان ان كل الصفحات أو أغلبها قد تم الانتهاء منها بنجاح ويستكمل باقى المتابعة عبر التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعى «واتس اب».

منذ أن عرفت خالد ميرى فى بداية تسعينيات القرن الماضى أراه لا يترك فرصة إلا ويجرى حواراً متميزاً أو يحصل على خبر تنفرد به «الأخبار».. وآخر تلك الانفرادات حواره «القنبلة» مع المستشار عبد المجيد محمود النائب العام الاسبق الذى أعرفه منذ أن كان محامياً عاماً لنيابة امن الدولة العليا فى بداية التسعينيات عندما كنت محررا بالقسم القضائى.. كنز من الذكريات فتحه المستشار عبد المجيد محمود للصديق خالد فى الملحق الرائع الذى اشرف على تنفيذه اثنان من الشباب هما الصحفية النابغة روحية جلال والصحفى الموهوب أحمد زكريا واختير له عنوان أكثر من رائع يلتصق بالاذهان وهو «الاختيار» وتم نشره الثلاثاء 30 يونيو بمناسبة مرور 7 سنوات على ثورة المصريين على جماعة الضلال التى خنقت مصر بعد أن قضت عاما بالحكم شهدنا فيه كل اشكال الظلم والفوضى حتى انقذ الشعب وزعيمه مصر والمصريين.

اعود إلى حوار المستشار عبد المجيد محمود الذى احتل صفحتين بالملحق فقد كنت شغوفا أن اقرأه سطراً سطراً وما يحمله من ذكريات عن الثورة الشعبية وان المواطن المصرى عبد الفتاح السيسى حمل روحه على كفه لحماية مصر وشعبها وانه بنى وطنه ولا يبحث عن مجد شخصى.. وتذكر المستشار عبد المجيد الكثير من الاحداث فقد قال للرئيس الاخوانى محمد مرسى «لا» عندما طلب منه ان يكون المحاميان «العوا وطوسون» حلقة الوصل بين الرئيس والنائب العام.. وأنه طلب من «مكى» وزير العدل «الإخوانى» فى ذلك الوقت أن يبلغ مرسى بأن النيابة العامة لن تتلقى منه أى تعليمات للقبض على فلان أو علان وتلفيق التهم له ورفضه التهديد لاعضاء النيابة.. «الحوار» يشبع رغبة أى شاب فى معرفة أحداث العام الاسود الذى عشناه ووصفه لاحداث يناير 2011 بانها خلفت مشهدا ملتهبا وسيطرت عليها جماعة «اخوان الشر».. وكانت لديهم خطة متكاملة لأخونة القضاء الذى فضح إرهابهم بالقانون وأوضح النائب العام الأسبق الدور الأسود لعضوى الجماعة الإرهابية الغريانى ومكى.
 ثورة الشعب فى 30 يونيو غيرت وجه الحياة فى مصر وانقذتنا من السقوط فى براثن جماعة الشر التى لا تعترف بقيمة الوطن والمواطنين.. ولن انسى ما قاله لى صديق مساء 3 يوليو 2013 قبل انزياح الغمة عندما سألته عن نتيجة الاجتماع الذى عقد بوزارة الدفاع قائلاً: «صبرتم عاما.. ألا تستطيع الصبر ساعة؟!».. وفى الموعد خرج المصريون للشوارع للاحتفال بالانتصار وطرد «اخوان الشر» وأدعو الله عز وجل أن ينقذنا دائما من أهل الخراب.