صور| «الطاعون».. قصة وباء عطّل تنفيذ «القناطر الخيرية» في عهد «محمد على»

مشروع «القناطر الخيرية» فى عهد «محمد على»
مشروع «القناطر الخيرية» فى عهد «محمد على»

قال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية بوزارة السياحة والآثار إن محمد علي باشا وضع حجر الأساس للقناطر الخيرية في احتفال فخم يوم الجمعة 23 ربيع الثاني سنة 1263هـ ، 1847م.

 

وأضاف أن محمد علي باشا أمر بإنشاء القناطر الخيرية بعدة مراحل، وكان تصميمها لرفع مستوى النيل وراءها حتى يمكن لثلاث ترع كبرى هى الرياح التوفيقى لرى شرق الدلتا، والرياح المنوفى لرى وسط الدلتا ورياح البحيرة لرى غرب الدلتا لتأخذ مياهها زمن التحاريق.

ويضيف الدكتور ريحان أن «محمد علي» عهد الى جماعة من كبار المهندسين، منهم المسيو لينان دي بلفون (لينان باشا) كبير مهندسيه بدراسة المشروع الذى وضع له تصميمًا وشرع في العمل وفقا لهذا التصميم سنة 1834.

 

وبدأ لينان بك بتجهيز 1200 عامل ومهد لهم سبل الإعاشة من عمال مصريين وأجانب وأنشأ خط سكة حديد لنقل محاجر طرة حتى نهر النيل ولكن أصيبت الأعمال التى كانت تسير على خير ما يرام بالركود نتيجة انتشار وباء الطاعون الذى فتك بكثير من عمال القناطر وكثير من سكان مصر أيضًا.

 

إلا أن لينان بك استمر فى رسم الخرائط لتكملة هذا العمل الذى بلغت تكاليفه 1.880.000جنيه مصرى ولكن جزء من القناطر تصدع وانهار وظهر خلل فى بعض عيون القناطر بسبب ضغط المياه.

فرأى «محمد على» أن القناطر أوشكت على أن تتخرب بعدما أنفق عليها أموالًا طائلة وفى هذه المرحلة الحرجة توفى محمد على باشا فى عام 1848 قبل أن يرى المشروع.

ويشير الدكتور ريحان إلى أن المشروع استكمل فى عهد عباس حلمي الأول (1848-1853م) حين أخذ المهندس الفرنسى موجيل بك الذى أنشأ حوض السفن بميناء الاسكندرية يلح عليه لإنجاز هذا المشروع الضخم لكى لا تضيع ثمرة الأموال الطائلة التى انفقت عليه.

 

وتم استدعاء المهندس لينان بك للعمل وعرض تقرير تفصيلى بالنفقات اللازمة لاتمام المشروع وتمت الموافقة واستكمل الانجاز المبهر حتى عام 1878 وفى عام 1855 فى عهد الخديو سعيد باشا ( 1854-1863) تم انشاء قلعة حربية بجوار القناطر سميت (القلعة السعيدية) للدفاع عن البلاد عن طريق البر .

ولكن هذه القلعة احترقت فجأة وكان بها كثير من الرسومات والأوراق التاريخية الخاصة بهذه القناطر والأثر الوحيد الباقى من أثاث هذه القلعة هو ساعة للمكتب كبيرة محفوظة بمكتب وزير الأشغال.

ويتابع بأنه فى عهد الخديو اسماعيل (1863-1895) تمت تقوية القناطر الخيرية عام 1888 وظلت التجديدات تتوالى عليها فترة بعد أخرى حتى أصبحت القناطر القديمة وقلعتها معلمًا هامًا من المعالم الأثرية الباقية وظلت القناطر الخيرية تعمل حتى نهاية عام 1939.

 

وبلغت تكاليف انشائها وقتئذ 3.500 مليون جنيه حتى تم انشاء قناطر محمد على (قناطر الدلتا الجديدة) خلف القناطر القديمة التى أصبح استخدامها مقصورًا على أغراض المرور باعتبارها من أعظم الآثار الهندسية لمصر الحديثة.

وينوه الدكتور ريحان إلى أن فكرة إنشاء القناطر الخيرية جاءت حين لاحظ محمد على باشا أن أراضي الوجه البحري والقبلى تروي بطريق الحياض فلا يزرع فيها إلا المحاصيل الشتوية ولا تزرع المحاصيل الصيفية إلا على شواطئ النيل أو الترع القليلة المشتقة منه فقام بشق الترع وتطهيرها واقامة الجسور على شاطئ النيل ليضمن توفير مياه الري في معظم السنة.

 

ثم توج أعماله بالتفكير فى إنشاء القناطر الخيرية قوام نظام الري الصيفي في الوجه البحري ويرجع السبب الرئيسى لأهمية موقع القناطر الخيرية وقوعها على فرعى دمياط ورشيد عند تفرعهما من المجرى الرئيسى لنهر النيل شمال مدينة القاهرة وقد استغرق بناؤها عشرون عامًا.

ويتألف المشروع من قنطرتين كبيرتين على فرعي النيل إحداهما على فرع رشيد والأخرى على فرع دمياط يوصل بينهما برصيف كبير، وشق ترع ثلاثة كبرى تتفرع عن النيل فيما وراء القناطر لتغذية الدلتا وهي الرياحات الثلاثة المعروفة برياح المنوفية ورياح البحيرة ورياح الشرقية الذي عرف بالتوفيقي لأنه انشئ في عهد الخديوي توفيق باشا.

 

وتتكون قناطر فرع رشيد من 61 فتحة وملحق بها وزارة هويسان، وتتكون قناطر دمياط من 71 فتحة، ومن المعالم الحضارية بالقناطر الخيرية حاليًا قصر الملك فهد ومشنقة محمد علي وبوابات القناطر والشلالات واستراحة الرؤساء بالإضافة إلى التنزه وسط الخضرة والأشجار العالية.

ويطالب الدكتور ريحان بمشروع كبير تتكاتف فيه كل أجهزة الدولة لترميم وتطوير المواقع الحضارية والأثرية بالقناطر وترميم الأرضيات وإعادة رصفها بالفسيفساء الحجرية لإضفاء شكل حضارى على الموقع وعمل كورنيش يتناسب مع بانوراما وجماليات الموقع وترميم البوابات وإعداد المنطقة بشكل حضارى وتزويدها بالخدمات السياحية توافقًا مع سياسية الدولة بتطوير كل المواقع الحضارية وفتحها للسياحة الداخلية والخارجية وتوفير وسائل نقل بحرية سياحية للوصول إليها بدلًا من الأتوبيس النهرى الحالى الذى يمثل مجرد وسيلة نقل نهرية عادية ولا علاقة له بالشكل الحضارى والسياحى وتحويل هذه المنطقة إلى حديقة متكاملة الأنشطة تشبه حديقة "بارك جويل" فى بارشلونة المسجلة تراث عالمى باليونسكو رغم أن القناطر الخيرية تمتلك عناصر تفرد وقيمة عالمية استثنائية تفوق حديقة بارك جويل بمراحل ولكن هذا الاستثناء والتفرد لن يظهر على الساحة المحلية والدولية دون مشروع تطوير شامل للقناطر الخيرية .