حديث الأسبوع

السلطة فى صلب زمن كورونا.. ما الجديد ؟

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

لا جدال فى أن أزمة جائحة كورونا الطارئة، التى شغلت العالم فتحت العيون على العديد من القضايا، وطرحت أجيالا جديدة من الإشكاليات. وإجمالا يمكن القول أن الجائحة هى اليوم بصدد فرز نظام عالمى جديد بحقائق ومعطيات مغايرة لما كان سائدا قبل زمن كورونا، وأن المجتمع البشرى العالمى بصدد بلورة تصورات وتشكلات جديدة تعيد ترتيب الأولويات بالنسبة للسياسات العمومية، وتهدم مجمل الفرضيات التى استند إليها تنفيذ هذه السياسات.
والأكيد، أن مجمل الانشغالات ركزت على قضايا ذات طبيعة اقتصادية صرفة ارتبطت بسلاسل الانتاج والتوزيع، وبمصير بنية النظام الاقتصادى العالمي، التى مكنت قوى اقتصادية معينة من التحكم والهيمنة على هذا النظام. ولكن فى تقديرنا فإن وباء كوفيد 19 مثل أزمة عالمية حادة طارئة، وكان من الطبيعى أن تتعرض مختلف أشكال السياسات العمومية، القطرية والدولية الخاصة بمواجهة الأزمات والتصدى لها إلى الارتباك وحتى إلى الانتكاسة، لأن الأمر يتعلق بأزمة خطيرة طارئة فى عالم يفتقد إلى تقاليد، وإلى منظومات مواجهة مثل هذا الصنف من الأزمات، ولعل هذا ما يفسر الفشل الذريع فى التوصل بسرعة كبيرة إلى صيغة ردة فعل دولية، لا نقول قادرة على وضع حد للأزمة، ولكن على الأقل التخفيف بأعلى منسوب من تداعياتها، وتعبئة المواطنين بالقوة الإيجابية، التى تساعدهم على مواجهة الأزمة بثقة كبيرة.
والأكيد، فإن قضية تدبير السلطة فى زمن هذه الأزمة الطارئة مثل تحديا كبيرا بالنسبة للسلطات العمومية وللمواطنين فى كل قطر من أقطار العالم.
إنه من المسلمات القول بهذه المناسبة، إن السطلة وجدت لتفرض وليحترمها الجميع على حد سواء، وأنه أثناء ممارستها لا يمكن التفريق بين الذين يخضعون لها، ممن يحظون بامتياز عدم الخضوع إليها ولو جزئيا، وبين الذين يجب ان يخضعوا إليها بالكامل. وهى الوسيلة الفعالة لتنظيم العلاقات داخل المجتمع، وبين الحاكمين والمحكومين على أساس تعاقدات متينة تحددها القوانين الواضحة والمنصفة، والمؤسسات الشرعية التى أفرزتها اختيارات المواطنين الحرة والطوعية، لأن الدولة القوية والحديثة هى التى تقوم على سيادة القوانين وشرعية المؤسسات، وليس على شيء آخر.
السطلة بهذا المفهوم الشامل والعميق واجهت خلال جائحة كورونا امتحانا عسيرا فى مختلف أصقاع المعمور، بِما فى ذلك الدول ذات الصيت الذائع فى الممارسة الديمقراطية المتقدمة، وذات الرصيد الكبير فى الأعراف والتقاليد فيما يتعلق بعلاقة السلطة بالمواطنين، وعاشت بدورها زمنا طارئا لم يكن منتظرا. ذلك أن مواجهة الأزمة الطارئة تستوجب اتخاذ تدابير وإجراءات استثنائية تحد من حرية الأفراد والجماعات، وتقلص من مساحات الحريات العامة، وفى المقابل تضيف صلاحيات جديدة للمكلفين بالحرص على تنفيذ القانون. وفى خضم كل هذا، تطرح إشكاليات كبيرة وهامة تتعلق بشرعية السلطة، التى تكتسب مزيدا من العنف فى زمن الأزمات، كما أنها تهم حرص بعض الجهات على استغلال الظرفية الاستثنائية المترتبة عن الأزمة الطارئة لتصفية الحسابات السياسية مع الخصوم ومع المعارضين.
إننا نتحدث عن قضية بالغة الدقة والحساسية لأنها تهم سلوك الانضباط للقانون أولا، ولما يحمله زمن الأزمات الطارئة من تحديات تستوجب ضبط السلوك العام فى اتجاه معين للتخفيف من الآثار ومن التداعيات المتوقعة والمحتملة، ومن المنطقى أن تكون كثير من القرارات المتخذة فى زمن الأزمات الطارئة مؤلمة جدا، لكنه ألم يجنب الفرد والمجتمع ما كان سيكون أكثر سوءا. والانضباط هو نتيجة حتمية لتنشئة الأفراد والجماعات داخل المجتمع عبر وسائط التعليم والتربية والأسرة والإعلام، وبقدر ما كانت هذه التنشئة سليمة ومعافة وفعالة، بقدر ما كانت العلاقة بين السلطة والإنضباط العام لها سلسة ومنتجة، وبقدر ما كانت هذه التنشئة مصابة بعلل وبعاهات، بقدر ما كانت هذه العلاقة مختلة. ولسنا فى حاجة إلى التذكير، فى هذا الصدد، لأن دولا من قبيل الدول الاسكندنافية وألمانيا نجحت فى التخفيف الكبير من تداعيات انتشار وباء كورونا، بفضل السلطة الناعمة التى أنتجت التفاعل الإيجابى مع التدابير المعلنة، وبسبب ارتفاع معدلات الوعى بخطورة المرحلة، وفى نهاية المطاف بفضل سلامة الانضباط لما كان يقرر.
فى وثيقة على شكل بيان وقعه مئات من رؤساء الدول ورؤساء وزراء سابقين وحائزين على جوائز نوبل، صدر خلال الأيام القليلة الماضية، جاء فيه إن «بعض الحكومات المنتخبة ديمقراطيا تكافح الجائحة من خلال حشد سلطات طوارئ تقيد حقوق الإنسان وتزيد فى مراقبة الدولة، دون اعتبار للقيود القانونية والإشراف البرلمانى»، ونبه الموقعون على البيان إلى الخطورة البالغة التى يكتسيها قبول المواطنين بالسلوك الاستبدادى بذريعة مواجهة الأزمة الطارئة، بيد أن المركز الدولى للقانون، الذى مقره الولايات المتحدة أشار إلى «أن أكثر من 80 دولة اتخذت إجراءات طوارئ تتراوح من حظر التجول والغرامات على من ينتهكون القواعد، إلى المراقبة الإضافية والرقابة وزيادة صلاحيات السلطة التنفيذية».
خلاصة القول، إنه من إيجابيات الأزمة الصحية العالمية التى عصفت بالعالم، إذا كانت لها من إيجابيات، أنها ألقت بقضية السلطة فى صلب النقاش العمومي، ووضعتها محل تمرين جديد على التعامل مع زمن الأزمات، وبذلك ظهرت السلطة بوجوه وأشكال مختلفة ومتعددة، تعكس طبيعة الأنظمة السياسية السائدة، وتكشف أشكال الانضباط العام، وتقدم الصورة الناصعة حول أنماط التنشئة الاجتماعية فى مختلف أصقاع المعمور.