خارطة الطريق| تضامن عربي واحترام دولي.. وعودة إلى القارة السمراء

خارطة الطريق| تضامن عربي واحترام دولي.. وعودة إلى القارة السمراء
خارطة الطريق| تضامن عربي واحترام دولي.. وعودة إلى القارة السمراء

عندما ألقى وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبدالفتاح السيسى بيانه التاريخى فى 3/7/2013 الذى كان بمثابة صك الخلاص للمصريين من حكم الإخوان الفاشى.


كان أكثر نقاط القوة فى القرار تضمنه لخارطة طريق مصرية «خالصة» واضحة ومفصلة تعيد لمصر هويتها المستقلة المدنية والوسطية المعتدلة وتقطع الطريق على أى مشكك فى أهداف ورؤية ثورة 30 يونيو المجيدة التى اتفق الاعلام الغربى كله على وصفها بـ «أكبر احتجاجات شعبية فى التاريخ».. كانت هذه الخارطة سبباً فى توافق غالبية المواقف الدولية مع الإرادة المصرية حيث خرجت البيانات فى اليوم التالى تحمل نفس رؤية خارطة الطريق المصرية.


فى  4 يوليو 2013  أصدرت كاترين أشتون مسئولة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى وقتها بيانا دعت فيه إلى العودة السريعة للعملية الديمقراطية، بما فى ذلك إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والتوافق على دستور  للبلاد وهى نفس الخطوات التى تضمنتها خريطة الطريق.. كما طالب وليم هيج وزير خارجية بريطانيا حينها بـ «تجديد المرحلة الانتقالية الديمقراطية فى مصر» وقال  لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا يوم 4 يوليو «أخذنا علما بقرار إجراء انتخابات فى مصر تسبقها مرحلة انتقالية. ندعو إلى تحضير هذه الاستحقاقات، فى ظل احترام السلم الأهلى والتعددية والحريات الخاصة، وكذلك احترام مكتسبات مرحلة الانتقال الديمقراطى، كى يستطيع الشعب المصرى فى المستقبل اختيار قياداته بحرية».


وقال الأمين العام للأمم  المتحدة بان كى مون  تعليقا على بيان 3 يوليو  «لقد أعرب الكثير من المصريين خلال احتجاجاتهم عن قلق مشروع وإحباط شديد.. ولذا من الضرورى استعادة الحكم المدنى طبقا لمبادئ الديمقراطية سريعا».. وما حدث على صعيد الدول تكرر مع  المؤسسات الدولية التى رأت أن خريطة الطريق لاستعادة الديمقراطية فى مصر تستحق التقدير  والتأييد، وانتظار تطبيقها بما يفتح الباب أمام عودة مصر القوية إلى المجتمع الدولى وهو ما حدث بمجرد انتخاب المصريين للرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2014 بأغلبية كبيرة فى انتخابات ديمقراطية أشاد بها العالم.


حتى امريكا، ورغم الموقف العدائى لإدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما من ثورة 30  يونيو، فأجبر التزام مصر بما جاء فى بيان 3-7 على أن يقر الرئيس اوباما نفسه فى وقت لاحق من نفس العام أن الحكومة المؤقتة استجابت لرغبات ملايين المصريين. وأكد أن إدارته ستواصل العلاقات البناءة مع الحكومة المؤقتة وسنواصل الدعم فى مجالات التعليم التى تخدم الشعب.. وأصدرت وزارة الخارجية الروسية يوم 5 يوليو بيانا  قالت فيه إنه «يجب النظر إلى عزل مرسى عن السلطة على أنه إرادة الشعب المصرى... فمبدأ روسيا ثابت  ونابع من تأييد تطلعات الشعب المصرى القانونية من أجل حياة أفضل فى أوضاع الحرية والتحديث الديمقراطى».


فى الوقت نفسه تعاملت المؤسسات الدولية وفى مقدمتها الأمم المتحدة  بجدية مع الثورة المصرية وخريطة الطريق، فلم يتم فرض أى عقوبات على مصر، فى الوقت الذى أكدت فيه هذه المؤسسات دعمها للمرحلة الانتقالية وطالبت بالالتزام بها، لتحقيق طموحات الشعب المصرى فى الحرية والديمقراطية. 


كان لمواقف الدول العربية الشقيقة وعلى رأسها السعودية والامارات أثر كبير أيضا فى المواقف الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص تجاه ثورة 30 يونيو والبيان الذى تلاها. واتخذ هذا الدعم أيضا كافة الأشكال الاقتصادية بالاضافة إلى الدعم السياسى الذى خرج فى شكل بيانات داعمة فى مقدمتها البيان السعودى التاريخى، الذى دعا فيه خادم الحرمين الشريفين آنذاك الملك عبدالله التصدى لكل مَنْ يحاول زعزعة أمن مصر، معتبراً أن مَنْ يتدخل فى شئون مصر الداخلية من الخارج «يوقدون الفتنة». كذلك كان هناك البيان الإماراتى الداعم الذى أكد على سيادة الدولة المصرية ودعا الى عدم التدخل فى شئونها».. ومع توالى بيانات الدعم العربى بدأت جولات مكوكية لوزير الخارجية السعودى الاسبق الراحل الأمير سعود الفيصل لعدد من الدول الغربية لدعم ثورة 30 يونيه. كما قال الفيصل خلال زيارة لفرنسا آنذاك إن «المواقف التى قد تتخذها الدول الغربية ضد مصر لن ننساها ولن ينساها العالم العربى والاسلامى.


جولات مماثلة قام بها وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الذى دعا نائب وزير الخارجية الأمريكى ويليام بيرنز، إلى سرعة تغيير موقف إدارة أوباما من أحداث 30 يونيو، ومراجعة المواقف الداعمة لتنظيم الإخوان موضحاً لـ«بيرنز» أن ما حدث «ثورة شعبية» مؤكداً أن غالبية دول الخليج تقف بجانب مصر وتدعمها سياسياً واقتصادياً، مما يوجب على الولايات المتحدة تغيير موقفها فى أسرع وقت.


وقد كان للكويت والبحرين والأردن وعدد من الدول العربية الشقيقة مواقف داعمة مماثلة فى التأييد والأشادة بقرار ٣ يوليو، حيث تأكد العالم أن ثورة 30 يونيو ماضية فى طريقها نحو إقامة نظام حكم ديمقراطى مدنى، فتم إقرار الدستور الجديد خلال نحو ستة أشهر، حيث تم الاستفتاء على الدستور فى يناير 2014  ليوافق عليه الشعب المصرى  بأغلبية 98.1% وهو ما عزز ثقة العالم فى المرحلة الانتقالية فى رغبة مصر الصادقة لإقامة النظام الديمقراطى الرشيد.. وبعد إعلان نتيجة الاستفتاء وجهت  كاثرين أشتون الممثل السامى للاتحاد الأوروبى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، تهنئتها للمصريين.


ومع انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى وتوليه حكم مصر فى يونيو 2014 بأغلبية ساحقة فى انتخابات ديمقراطية حرة شهد لها العالم، كانت مصر قد أنجزت الجزء الأكبر من خريطة الطريق نحو التحول الديمقراطى بإقرار الدستور وانتخابات الرئاسة ولم يتبق سوى انتخابات البرلمان التى بدأ الإعداد لها، فى الوقت الذى تأكد فيه المجتمع الدولى أن «مصر الجديدة» تحت قيادة الرئيس السيسى أصبحت دولة لها مكانتها والتى يجب الحفاظ على وجود علاقات وثيقة معها.


العودة إلى القارة السمراء


لاشك ان التحرك المصرى على مستوى السياسة الخارجية وخاصة تجاه افريقيا قد أخذ أبعادا جديدة بعد يوم ٣٠  يوليو ٢٠١٣.. اتسمت سياسة مصر الخارجية بالسعى لتوسيع قاعدة علاقاتها  مما يعزز من مكانتها الاقليمية والدولية.. وكان طبيعيا أن يعمل تنظيم الاخوان ومن يساندهم من قوى اقليمية ودولية علي  اشاعة مناخ مناهض لثورة يونيو وما تلاها من خطوات لتصحيح الأوضاع.


وانعكس ذلك على القرار الافريقى بتعليق انشطة مصر فى الاتحاد الافريقى بعد يومين فقط فى ٣يوليو ٢٠١٣..وجاء ذلك بالرغم من طلب مصر ايفاد الاتحاد الافريقى لوفد اليها ليتحرى الأوضاع على أرض الواقع وقبل اصدار اى قرار.. ولكن الاتحاد الافريقى تعجل وقرر تعليق أنشطة مصر ولم يرسل هذا الوفد.. وعلق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقى عضوية مصر فى الاتحاد.


وكان سفير مصر فى أديس أبابا ومندوبها الدائم فى الاتحاد الافريقى انذاك محمد ادريس قد  نفى أن يكون ما حدث فى مصر فى ٣ يوليو  عملا غير دستوري، مؤكدا انه لا يمكن تجاهل صوت ووجود عشرات الملايين من المصريين فى الشوارع والميادين فى أنحاء مصر.. وقال : يجب الإنصات لهذا الصوت وفهمه واحترامه». وأضاف: «فى النهاية.. الشعب مصدر كل الشرعية». وتابع قائلا: إن الدور العسكرى فى هذا الصدد هو دعم للشعب ولم يفرض أجندته على الشعب، ضد إرادته، بل أيد إرادة الشعب».. ومما لا شك فيه ايضا  ان  آفاق التعاون المصرى الإفريقى تتنامى يوما تلو الآخر، لاسيما فى ظل مشروعات كبرى كالربط الكهربائي، وشق الطرق الدولية، وتفعيل مناطق التجارة الحرة.


ولعل من ينظر إلى الفعاليات التى شهدتها  القاهرة خلال رئاستها   للاتحاد الإفريقي، عام ٢٠١٩ يتأكد أن رؤية مصر  تقوم على أساس برنامج الاتحاد الإفريقى ٢٠٦٣، وبرنامج الأمم المتحدة ٢٠٣٠، وتمضى فى الكثير من المجالات  الحيوية وعلى أرض الواقع، وقد تعددت  أنشطة التعاون بين ما هو سياسى وما هو اقتصادي.


بعد أيام من تجميد عضوية مصر، شكلت «لجنة الاتحاد الإفريقى العالية المستوى بشأن مصر» فى ٨ يوليو ٢٠١٣ لمتابعة التطورات فيها . وبدأت ملامح انفراج الأزمة عندما صرحت رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقى، بأنه «سيتم إلغاء تعليق عضوية مصر بالاتحاد الإفريقى عندما ينتخب المصريون حكومتهم». وعقب تلك التصريحات بشهر، اتخذ الاتحاد الإفريقى قراره بمتابعة الانتخابات الرئاسية، وهى الخطوة التى اعتبرت فى وقتها «خطوة إيجابية». بدأت لجنة حكماء إفريقيا سلسلة اجتماعات لمناقشة الوضع فى مصر، وانتهت باتخاذ قرار بالإجماع لعودة مصر للمشاركة فى أنشطة الاتحاد الإفريقى من جديد.. فقد كان قرار التعليق  حافزا للدبلوماسية المصرية للعمل بشكل جدى وسريع لشرح حقيقة الأوضاع بمصر.. وبدأت بإفريقيا ، لما لها أهمية كبيرة ، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح  السيسى بنفسه  خلال حملته للترشح للرئاسة بمصر ،حيث شدد  على اعتزاز مصر بانتمائها الإفريقي.


وقامت مصر بتنفيذ حثيث لكافة بنود خارطة الطريق التى أعلنت عنها ومع متابعة الاتحاد الافريقى لجميع مراحلها من وضع الدستور واجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ،عادت مصر بقوة الى الاتحاد الافريقى وباتت العلاقات مع دول القارة السمراء مرتبة ومتقدمة على أجندة صانع القرار والقيادة السياسية ، وهو ما  تجلى فى مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى معظم القمم الافريقية  بنفسه، والتى بدأها  بقمتى الاتحاد الافريقى بغينيا الاستوائية.


فقد كانت أول جولة خارجية للرئيس عبدالفتاح السيسى لحضور قمة الاتحاد الإفريقى فى مالابو فى غينيا الاستوائية، والتى كانت رسالة واضحة أن مصر ستعيد إصلاح بوصلتها للتوجه جنوبا، كتوجه جوهرى، وذلك بحرص الرئيس السيسى على حضور كل القمم الإفريقية.. كما قام بالعديد من  الجولات الإفريقية واستضافت القاهرة العديد من لقاءات القمة التى جمعت الرئيس السيسى وأشقاءه من الزعماء الأفارقة،  وقامت مصر بدعم افريقيا من خلال ما تقدمه الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية، والتى أعلن عن قيامها  الرئيس السيسي فى الخطاب الذى ألقاه خلال القمة الثالثة والعشرين للاتحاد الافريقي  بمدينة مالابو ، لتبدأ الوكالة عملها رسمياً اعتباراً من الاول من يوليو  ٢٠١٤.