يحدث فى مصر الآن..

.. تأجيل الحمل؟!

يوسف القعيد
يوسف القعيد

انزعاجى من الأمر يعود لثلاثة أشهر. وفكرت فى الكتابة عنه. ولأن الموضوع ملىء بالحساسيات والكتابة عنه - ولو من بعيد - قد تثير مشاعر رافضة.
لا أعرف كيف أطلب من القارئ عدم الخجل من قراءة ما أكتبه. ونحن شرقيون لدينا ما نخجل منه. خصوصاً عندما يكون الخجل مما نمارسه بعيداً عن الآخرين. فنحن نحرص أكثر على الإخفاء. حتى أكون واضحاً أقول إن الكلام ولو من بعيد يثير لدينا حالات غير راضية.
وهكذا عدت للف والدوران متسائلاً: هل تنقذنى قصة يوسف إدريس الشهيرة: أرخص ليالٍ؟ والتى كانت عنواناً لمجموعته القصصية الأولى. وأذكر أنه كلما ذكرها أمامنا كان -يرحمه الله- حريصاً أن يذكر كلمة ليالٍ بدون ياء. ويبدأ فى شرح طويل للدلالات اللغوية لليالى بدون ياء.
قصة يوسف إدريس تدور حول فلاح يواجه ليل قريته. الذى يفيض عن حاجته. كانت مصر فى أواخر خمسينيات القرن الماضى. ولم تكن ثورة يوليو قد أخذت أحلام المصريين فى ريفنا. وكان الليل ليلاً. أعود للقصة. فالفلاح بطلها بعد حيرة طويلة بحثاً عن طريقة لكى يقضى سهرته. وبعد أن يستعرض الوسائل والممكنات والمتاح فى مجتمع قريته المحدود. يكتشف أنه ليس أمامه سوى التناسل وزيادة الانجاب. أما آثار ما يقوم به على حياتنا فتلك حكاية أخرى.
لا أريد الاستطراد فى الكتابة عن المشكلة السكانية التى أطلقنا عليها الانفجار السكانى. رفضنا الظاهرة وكتبنا عنها، ولكننا وكما يحدث عادة تعايشنا معها. وأنا هنا لأحاول رصد أصداء الظاهرة أدبياً وفنياً. ولكن يكفى مسلسل ثم فيلم: أفواه وأرانب. بعد أن رفعت من قيمته وأسهمه سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة - يرحمها الله - عندما قامت ببطولته.
كل هذا أثاره فى نفسى خبر لا تزيد عدد كلماته عن تسع. منشور يوم الجمعة 26 يونيو 2020، تقول كلماته:
- وزارة الصحة تدعو المواطنين لتأجيل الحمل فى زمن كورونا.
وفضلاً عن تحفظاتى على الصيغة الخاصة بالخبر واختصاره المخل الذى يحول دون أن يصل لمن يقرأه الدلالات الكامنة وراء الحكاية. وأيضاً استغرابى انفراد وزارة الصحة بالأمر بعيداً عن السياق المجتمعى الكامل الذى نعيش فيه ولا يمكننا تجاهله. وهو القادر على أن يشعرنا بخطورة المشكلة وتأثيراتها على حاضرنا ومستقبلنا.
سبق أن كتبت فى الظروف العادية أن قضية تحديد النسل ما لم يتم تغطيتها برداء دينى وبعد مجتمعى ورؤية اقتصادية لحاضرنا ومستقبلنا. فإن مصيرها الفشل. فهى ليست قضية معلقة فى الهواء ولكن خطورتها تكمن فيما يمكن أن ينتج عنها.
أيضاً فإن كان الهدف كورونا وما فعلته بنا وساعات الحظر الطويلة فى البيوت والنوم الذى بلا نهاية. فإن الدعوة قد جاءت متأخرة كثيراً. وأطلقت القضية على استحياء دون أن تصبح قضية رأى عام فى حياتنا اليومية. ومما يزيد فى خطورة المشكلة أننا عدنا الآن إلى نفق حياتنا الطبيعى. ولذلك لا بد أن تؤخذ قضايانا بجدية أكثر واهتمام أعمق بقدر كبير من الاستمرارية «والمداومة». فخطورتها المستقبلية مخيفة حتى للأجيال القادمة.