بالشمع الأحمر

البحث عن فضيحة

إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى

إيهاب الحضرى

قبل سنوات طويلة كان «البحث عن فضيحة» محورا لفيلم يسعى فيه البطل للزواج من حبيبته، حتى لو تم ذلك عبر فضيحة مُختلقة. كانت الفكرة غريبة، لكن العمل الفنى نجح فى اجتذاب ملايين المشاهدين على مدار أعوام تالية، لأن استخدام الإطار الكوميدى لخدمة الغرام جعل الفكرة جذابة، ومع مرور الزمن تراجعت الكوميديا أمام ممارسات تشبه أحداث الأفلام البوليسية، وتبدّلت طبائع البشر، وبدأ بعضهم استثمار الفضائح فى الانتقام، الذى لا يُفرق بين قصة حب فاشلة وخلافات سياسية أو حتى كُروية. غير أن قُبح الواقع تجاوز كل الحدود، فجاءت جريمة طالبة طلخا لتدق جرس إنذار لا ينبغى الاستهانة به.
خلافات مستمرة بين زوجين. مشكلة تقليدية يُمكن أن يكتب الطلاق نهاية سعيدة لها، ما دامت محاولات الصلح باءت بالفشل، لكن أسرة الزوج رفضت، ربما لأن مؤخر الصداق كبير. بدأ الرجل البحث عن حل» خارج الصندوق»، واستبعد فكرة القتل التقليدية، لأن آثارها ستمتد إليه بالتأكيد، وفجأة خطر له أن يبحث عن فضيحة تمنحه مباركة عائلية على الطلاق! ضعْف شخصيته جعله لا يكترث بتشويه سمعة زوجته، ووصمها بعار يظل يلاحقها مدى الحياة، المهم أن يحقق هدفه بأى ثمن. وهكذا اتفق مع آخر أن يدخل شقته ويغتصب الزوجة، التى لن تستطيع المقاومة لإصابتها المتكررة بنوبات ضيق تنفس وإغماء، وخلال عملية الاغتصاب يدخل ويُثبت عليها تهمة الخيانة!!
تطورت الأمور وخرجت عن النص المرسوم، فقد قاومت الزوجة بشدة مما دفع المغتصب لقتلها. هناك تفاصيل صادمة لا أرغب فى إعادة نشرها، احتراما لطالبة جامعية قتلها مزيج من الضعف وانعدام النخوة، لكن النهاية غير المخطط لها أوقعت بالزوج، الذى دفنها وعاد لمنزل عائلتها يتقبل العزاء ويبكى! ما هو السيناريو المتوقع لو لم تتمكن المرأة من المقاومة؟ غالبا كانت ستظل على قيد الحياة، وكانت ستحل أيضا ضيفة على صفحات الحوادث، لكن باعتبارها خائنة غافلت زوجها المخدوع، وقد تتعرض للقتل فى النهاية على يد أسرتها لغسل عارها. وقتها كان الزوج سيبكى من جديد، لكن على غفلته المزعومة، ثم يستكمل حياته سعيدا بنجاح خطته!!
يظل الحادث فرديا، غير أنه يتماس بشكل ما مع ممارسات أخرى فى مجالات عديدة، فمحدودو الموهبة لا يستطيعون مواجهة أنفسهم بالحقيقة، لهذا يبدأون محاصرة المُتميزين بحملات التشويه، اعتمادا على المثل الشائع: «العيار اللى ما يصيبش يدوش»، وقد يتسبب العيار الطائش فى إحباط الناجحين، الذين يستسلمون أمام دوامة الاتهامات والشائعات، مع أن المقاومة قد تمنحهم فرصة النجاة من القتل المعنوي، فلو استسلمت الزوجة لعاشت عمرها موصومة بالخيانة، مما يعنى أن الموت كتب لها نهاية سعيدة نسبيا، لأن الحياة تصبح دون معنى إذا صاحبها انكسار.
الجرائم سلوك بشرى بالتأكيد، ولا تخلو منها أى دولة. حقيقة لابد من التأكيد عليها كى لا نجلد ذواتنا، لكن فى الوقت ذاته لا ينبغى أن نتجاهل الجرائم الغريبة بدعوى أنها حالات فردية، لأنها تُعبّر عن تغيّرات مُجتمعية تضرب جذورنا، ولا يمكن فصل الجريمة السابقة عن جرائم لا يُعاقب عليها القانون، مثل جحود أبناء رفضوا استلام جثة أمهم أو والدهم بعد الوفاة بالفيروس اللعين، وهى حكاية تكررت بصور عديدة فى الفترة الأخيرة.
وسط تحديات داخلية وخارجية عديدة نتعامل معها بجدية، لا ينبغى أن ننشغل عن مشكلاتنا الاجتماعية، لكى لا نفاجأ ذات يوم بأن انشغالنا ببناء المستقبل، جعلنا ننسى أمراض الحاضر.. وعلى رأسها الغدر والجحود.