فى الصميم

العشرة فى المائة هى القضـية..

جلال عارف
جلال عارف

الحديث عن أن ٩٠٪ من القضايا موضع الخلاف حول سد النهضة قد تم حلها.. هو حديث تنقصه الدقة، وقد يكون الهدف منه تشجيع الأطراف على مواصلة التفاوض، لكنه - من جانب آخر - قد يشيع مناخا من التفاؤل غير المبرر والذى لا يستند الى الحقائق.
من ناحية أخرى فإن الحديث هنا ينصرف الى النواحى الفنية، بينما الجانب القانونى هو الأخطر. والحديث عن الـ ٩٠٪ يتجاهل أن الخلاف الحقيقى منذ البداية يتركز بالأساس فى الـ١٠٪ التى مازالت تنتظر الحل  وتستلزم توافر الارادة السياسية وحُسن النوايا عند كل الأطراف.
الـ١٠٪ الباقية تتضمن الحقيقة الأساسية التى ينبغى أن نصل من خلالها إلى التوافق المطلوب.. وهى أن حق التنمية لطرف من الأطراف لا ينبغى أن يمس حقوق باقى الأطراف فى الحياة، ولا أن يتعارض مع القوانين الدولية والحقوق التاريخية أو يسبب الضرر الجسيم للشركاء فى النيل على مر التاريخ.
والـ١٠٪ الباقية تشمل أن نتأكد من سلامة السد، ومن تشغيله بالطريقة التى لا تضر دولتى المصب، وأن تكون هناك ضمانات كافية وآلية للتحقق من أن السد سيظل مخصصاً لانتاج الكهرباء كما هو متفق عليه، وأنه لن يتحول - تحت أى ظرف - الى خزان يمنع المياه عن دولتى المصب!!
والـ١٠٪ الباقية تشمل أن يتم الالتزام باتفاقيات ١٩٠٢ و١٩٩٢ من حيث ضمان الحقوق المشروعة فى مياه النيل، وتؤكد على الالتزام بعدم إقامة أى سدود جديدة إلا بالتوافق بين الدول الثلاث لضمان مصالح كل الأطراف.
ثم يبقى الأهم.. أن الـ١٠٪ الباقية هى التى تتضمن أن يكون الاتفاق ملزما قانونياً لكل أطرافه،وأن يكون هناك آلية مستقلة تفصل فى أى نزاعات مستقبلية. وأن يكون هناك إدراك بأن ما تعرضه أثيوبيا من ترك الخلافات للتفاوض بين الدول الثلاث فقط، وأن يكون أى اتفاق ينتج عن المفاوضات الحالية، هو مجرد توصيات وارشادات يمكنها أن تقوم بتعديلها أو إلغائها من جانب واحد.. فهو الوصفة المثالية لفشل لا نرجوه لعملية التفاوض، ولتصعيد جديد فى أزمة كان من الممكن ألا تكون لو توافرت  النوايا الحسنة والإرادة السياسية منذ البداية!!
الـ١٠٪ الباقية هى جوهر المشكلة وأساس الخلاف. ورغم كل شئ تستمر مصر فى التفاوض بكل حسن النية والرغبة فى  التوصل للحل العادل والملزم. فلنأمل أن نرى ذلك مع التفاوض تحت المظلة الأفريقية والرعاية الدولية. مصر تملك الحق ولن تتهاون - تحت أى ظرف - فى الدفاع عن حقها.