حكايات| استراتيجية الأرض المحروقة‎.. كيف تعاملت الحضارات القديمة مع الأوبئة؟

كيف تعاملت الحضارات القديمة مع الأوبئة؟
كيف تعاملت الحضارات القديمة مع الأوبئة؟

بالتأكيد لم يكن كورونا أول وباء يضرب البشرية، بل سبقه 10 أوبئة في أوقات أقل حذرا وتكنولوجيا مما نعيشه اليوم، فكيف كانت البشرية بمختلف حضارتها تتعامل مع تلك الأزمة الصحية، وهل كانت الحياة تتوقف أمام تلك الكارثة ؟.

تجيب على هذا السؤال دراسة أثرية للدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص في الآثار اليونانية والرومانية وتؤكد أن تخطيط المباني، وعملية الدفن، والبقايا الجنائزية، والهياكل العظمية البشرية المكتشفة عبر العصور تؤكد أن المجتمعات تعايشت مع الأوبئة واستمرت الحياة.

تباعد اجتماعي

الدكتور حسين دقيل يشير إلى أن اللقى الأثرية وشواهد التاريخ تثبت أن عدة مجتمعات منذ القدم استخدمت استراتيجيات معينة لمحاصرة الوباء تتمثل في حرق المستوطنات القديمة والهجرة إلى مواقع جيدة، كما أن التباعد الاجتماعي ليست بالوسيلة المستحدثة بل مستخدم منذ قديم الأزل.

خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء، من جهته يوضح عدة أمثلة على ذلك، ويضرب المثل بقبائل زيمبابوي القديمة، وبالأخص شعب الشونا، فخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، عزلوا مصابي الأمراض المعدية؛ مثل الجذام، في أماكن سكنية مؤقتة، ويشير ذلك إلى أن القليل من الناس كانوا بإمكانهم التعامل مع المرضى. 

حرق المستوطنات

الأدلة الأثرية تشير أيضا إلى أن المجتمعات الأفريقية القديمة ابتكرت استراتيجيات لمواجهة الأوبئة، وشملت حرق المستوطنات قبل نقل المساكن إلى مواقع جديدة.

أنظمة المعارف الأصلية الأفريقية سردت أيضا أن حرق المستوطنات أو الغابات كان الطريقة الأكثر شيوعا لمحاصرة الأمراض وكان تخطيط المستوطنات مهمًا أيضًا، في مناطق مثل زيمبابوي وأجزاء من موزمبيق، على سبيل المثال، إذ تم تفريق المستوطنات لإيواء عائلة أو عائلتين في مكان واحد. وسمح هذا الأمر للناس بالبقاء على مسافة بينهم وبين بعضهم البعض.

ويروي الدكتور ريحان من خلال الدراسة أن المجتمعات الأفريقية القديمة كانت موقنة بأن تفشي المرض لا يمكن التنبؤ به، ولكنه كان من الممكن وقوعه فاستعدوا لذلك من خلال بناء مستوطناتهم جديدة بطريقة متفرقة وتم تعزيز هذه السلوكيات أيضًا من خلال الأنظمة الغذائية المتنوعة التي اشتملت على الفواكه وأشياء أخرى أعطيت كغذاء من أجل تقوية وتعزيز جهاز المناعة وقد تمسّك البشر أنفسهم بطرق سهلت العيش مع الأمراض وإدارتها في نفس الوقت مثل النظافة الجيدة والصرف الصحي. وهكذا لم تتوقف الحياة بسبب الأوبئة وإنما اتخذ السكان قرارات وخيارات للعيش معها.