إنهــا مصـــــــر

كرم جبر يكتب.. مستقبل الصحافة

كــــــــــــرم جبــــــــــــر
كــــــــــــرم جبــــــــــــر

لا أحب الحديث فى شيء يتعلق بعملى، لكن أقول بعض الأشياء:

أولا: مخطى من يتصور أن الصحافة الورقية إلى زوال، ولكنها تعانى أمراضاً مستعصية، جرى تشخيصها بدقة، والمهم أن يستمر العلاج.

فالصحافة تعانى فى أربعة ملفات ملحة، أولها الأصول غير المستغلة ورسمت الهيئة الوطنية للصحافة خططاً مدروسة لإعادة استغلالها، سواء فى مشروعات على حدة أو مشتركة بين المؤسسات، وثانيها الديون فى انتظار قرارات جريئة وحاسمة، والعمالة وتطويرها وتحديثها وغلق أبواب العشوائية، وأخيراً الرقمنة والتحديث، وكل هذه الملفات لها تشخيص واقتراحات للعلاج والمدى الزمنى لذلك.

ثانياً: تطوير وتحديث الصحافة يحتاج إلى تفعيل الاستثمار الثقافى للمواد الإعلامية والصحفية التى تمتلكها المؤسسات لتدر عائداً، واستكمال تنفيذ البوابات متعددة الوسائط، بحيث تتحول تدريجياً إلى خدمة مدفوعة، وتمتلك مؤسسات كثيرة هذه المميزات.

ناقشنا هذا المشروع عدة مرات، وجاءت كورونا لتعطله بعض الوقت، خصوصاً فى مؤسسة الأهرام، التى اضطرت ظروف الاختراق من هاكرز إلى تعطيل موقع الجريدة ونقله إلى البوابة، حتى يتم تأمينها، لأن الأهرام ليست جريدة فقط، بل منظومة هائلة من الثروة المعرفية والخدمية مثل فواتير الكهرباء والشهر العقارى وغيرها، وتحتاج إلى أقصى درجات التأمين والحماية، ولم يتم إغلاقها تماماً، وإنما تخضع لدراسات تأمينية حماية لثروات أكبر مؤسسة صحفية فى مصر.

ثالثاً: تعظيم أدوات المحاسبة والشفافية، والهيئة فتحت ملفات لم يقترب منها أحد من قبل، مثل تنظيم السفر للخارج وضبط بدلات السفر ووضع حد أقصى للأجور واللوائح المالية والإدارية، ورد الأموال التى تصرف دون وجه حق وغيرها من إجراءات حازمة كثيرة لا يتم الاعلان عنها حماية للمؤسسات.

القانون الجديد للهيئة الوطنية للصحافة يقضى على أى سلبيات، ولأول مرة يخضع رئيس مجلس الإدارة والأعضاء لمحاسبة حازمة من الجمعية العمومية، التى تشكل من كفاءات على مستوى عال فى المجالات الصحفية والمالية والاستثمارية والقانونية، ومن حقهم عزل رئيس مجلس الإدارة والمجلس فى حالة التعثر والإخلال فى تنفيذ الخطط والسياسات.

رابعاً: الدراسات الخاصة بالإصلاح المالى والإدارى والصحفى، تم عرضها فى اجتماع برئاسة دولة رئيس الوزراء فى حضور وزير المالية والدولة للإعلام ورؤساء المؤسسات، والبرنامج التفصيلى لحل المشاكل، وبدأت الهيئة فى تنفيذ التوصيات، وأهمها إجراءات انتخابات شهد الجميع بنزاهتها للجمعيات العمومية ومجالس الإدارة، وتكتمل الصورة بعد تشكيل المجالس والجمعيات، وبداية مارثون الإصلاح.

خامساً: مشاكل الصحافة القومية متراكمة منذ أن أممها الرئيس جمال عبدالناصر سنة 1960 حيث قررت الدولة أن تمتلك الصحافة فى مقابل الإنفاق عليها، والآن تتغير السياسات ومطلوب من المؤسسات أن تقف على قدميها وتعالج مشاكلها وتكتفى ذاتياً، وهو هدف نبيل، والوصول إليه لا يكون إلا بالتخطيط السليم والإدارة والتصميم، وعدم اتخاذ قرارات عشوائية تزيد الأمور تعقيداً.

الجرأة فى اتخاذ القرارات تتطلب السرعة والحزم واليقظة ودراسة الآثار الجانبية، لبحث تلافيها قبل حدوثها فليست المسألة نسف القديم، ولكن تطويره وتحديثه والحفاظ على حقوق المؤسسات والعاملين، فى ظل سياسات شفافة وجريئة وواضحة.

الصورة ليست سوداء، ولا تحتاج الهدم ليعلو على أنقاضها البعض، ولكنها تحتاج الحفاظ على مؤسسات قومية، وقفت فى ظهر الدولة فى مختلف معاركها وتحدياتها، منذ نشأتها حتى الآن، وتحتاج منتهى العقلانية والحكمة.