ماكرون يعزز العلاقات مع لندن من خلال إحياء الإرث الديجولي

ماكرون
ماكرون

في أول زيارة خارجية له منذ تفشي وباء (كورونا) المستجد في أوروبا، يتوجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى العاصمة البريطانية (لندن)K اليوم الخميس، لإحياء الذكرى الـ80 لما يعرف بـ "نداء المقاومة" الذي أطلقه الرئيس الفرنسي السابق شارل ديجول، من (لندن) للعسكريين والمواطنين الفرنسيين للصمود أمام الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية.


ويلتقي الرئيس الفرنسي - خلال الزيارة - ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز، في قصر «كلارنس هاوس» بلندن بعد أن يحضر صباحا الاحتفال التقليدي في النصب التذكاري مون فاليريان في المنطقة الباريسية.


ومن المقرر أن يمنح الرئيس ماكرون وسام "جوقة الشرف" إلى (لندن) تكريماً للشجاعة الهائلة التي أظهرتها الدولة بأسرها والشعب خلال الحرب العالمية الثانية عندما وفرت قاعدة لانطلاق الزعيم الفرنسي المنفي حينذاك شارل ديجول.


وسيعفى ماكرون من إجراءات الحجر الصحي الإلزامي، التي تفرضها بريطانيا على الزائرين لمدة 14 يوما في ضوء تفشي وباء (كورونا) مع التأكيد على الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي.


ويعد "وسام جوقة الشرف" أو ما يعرف بالفرنسية بــ "ليجيون دونور"، أرفع وسام وطني في فرنسا، وتعود فكرته إلى نابليون بونابرت الذي أنشأه عام 1802 كنوع من المكافأة للإشادة بالمدنيين والجنود خلال الفترة التي عاشت فيها فرنسا وبريطانيا سلسلة من الصراعات، وتم منحه من قبل لبعض المدن تكريما لهم لكونهم قواعد للمقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث مُنح هذا الوسام إلى الجزائر عام 2004 وإلى الكونغو برازافيل عام 2006.


وكان الرئيس ماكرون قد أطلق مبادرة لجعل عام 2020 عاما للاحتفال بالجنرال شارل ديجول، كوسيلة لإحياء التاريخ وتسليط الضوء على دور ديجول في تأسيس فرنسا الحديثة وجعله حاضرا في عقول الفرنسيين ونفوسهم، وأعلن ماكرون أنه سيتم إحياء 4 احتفالات أساسية خلال العام الجاري، والتي ستوافق ذكرى أربعة أحداث مهمة في مسار الجنرال ديغول أولها في 17 مايو 1940 وهي ذكرى معركة "مونتي كورني"، وفي 18 يونيو 1940 الذكرى الثمانين لنداء المقاومة، و9 نوفمبر 1970 الذي يوافق الذكرى الخمسين لوفاة ديجول، وأخيرا 22 نوفمبر 1890 التي ستصادف الذكرى الـ130 لميلاده.


وعلى الرغم من الظروف الطارئة التي أحدثتها جائحة (كورونا) حرص ماكرون في 17 مايو الماضي على التوجه إلى قرية (أيسن) التي شهدت معركة "مونتي كورني" عام 1940 لإحياء ذكرى "رفض الانسحاب" و"روح المقاومة" التي جسدها الرئيس الراحل ديجول.. وأشاد ماكرون في كلمته بروح المقاومة الفرنسية وشجاعة الجنرال ديغول، الذي كان عقيدا مغمورا آنذاك، ومع ذلك نجح في قيادة معارك منعت تقدم الجيوش الألمانية.


وحرص ماكرون من وراء ذلك على بعث رسالة لحث الطبقة السياسية والمواطنين على استمرار المقاومة والتشبث بروح الوحدة الوطنية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد سواء في ضوء تفشي وباء "كورونا"، أو في ظل الانشقاقات التي يشهدها الحزب الحاكم "الجمهورية إلى الأمام" داخل البرلمان.


ووفقا للمراقبين، فإن حرص ماكرون على التمسك بالاحتفال بعام ديجول على الرغم من القيود التي فرضها تفشي (كورونا) تعكس رغبة الرئيس الفرنسي في التأكيد على أن الجائحة لم تنل من عزائم الفرنسيين وأن الأمور ستجري كما هو مخطط لها، وإن اختلفت الظروف وتقلصت المراسم حيث حرص ماكرون على التذكير بما كان شارل ديجول، الأب الروحي للجمهورية الخامسة، يؤكده من كون فرنسا قوية عندما تمسك بزمام مصيرها وتقف متحدة وتبحث عن قواسمها المشتركة في ظل الاختلاف، وهي محاولة من ماكرون لاستلهام التاريخ في مواجهة التحديات الصعبة وغير المسبوقة التي تواجهه خلال المرحلة الراهنة.


ويتفق المراقبون على أن ماكرون منذ وصوله إلى سدة الرئاسة في فرنسا عام 2017 يحرص دائما على الإشارة بانتظام إلى إرث شارل ديجول ويقتبس العديد من مقولاته الشهيرة في المناسبات الرسمية والاحتفال بالفعاليات التي يحييها، وذلك في محاولة لمقارنة ولايته بالزعيم الفرنسي الراحل.


كما يرى المراقبون أن منح لندن وسام "جوقة الشرف" في هذا التوقيت من شأنه أن يبعث برسالة جيدة إلى بريطانيا بعد خروجها رسميا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير الماضي، حيث يرى هؤلاء أنها تعكس استمرار العلاقات الفرنسية البريطانية على نحو قوي، وتثبت أن بريطانيا لا تزال جزءاً من أوروبا وأن العلاقات بين بريطانيا وفرنسا، وبين بريطانيا وأوروبا ستظل قوية حتى بعد وقوع (بريكست).