إنها مصر

النبش فى قبور الزعماء!

كرم جبر
كرم جبر

ما الفائدة التى تتحقق فى زمن كورونا، عندما نقول إن الرئيس جمال عبد الناصر أفلس مصر وألحق بها الهزيمة وكاد أن يدمرها، لقد مات سنة 1970، وقال التاريخ كلمته آلاف المرات، فماذا يريدون الآن؟
عبد الناصر زعيم مصرى ورمز للكرامة والكبرياء وموقظ الشعور الوطنى، وعلمَّ أجيالاً متتالية معنى أن «ترفع رأسها» بعد انقشاع عهد العبودية والظلم والفساد.
عبد الناصر له أخطاء، ولكنه بشر يخطئ ويصيب، ولا يصح أبداً أن نحكم عليه، ونحن جالسون فى غرفة مكيفة، دون أن ندرك الظروف التاريخية والواقعية التى أحاطت بمصر وزعيمها.
لم يكن ناصر يريد حروباً ولا صراعاً مع إسرائيل، وهو الذى نبه قادة الجيش عدة مرات بموعد حرب يونيو، وحذرهم من الاسترخاء والبلهنية، وطلب منهم اليقظة والحذر وتوقع العدوان.
وحدثت الهزيمة، ولكنه فى شهور قليلة أعاد الروح إلى القوات المسلحة، ووقف الشعب وراءه صفاً واحداً فى انتظار يوم تحرير الأرض، وكانت حرب الاستنزاف رداً بالنيران على من هللوا وكبروا للنكسة وتمنوا عدم إزالة آثارها.
الشعب هو الذى خرج بالملايين يومى 9 و10 يونيو ليقول لعبد الناصر «ابق فأنت حبيب الشعب» ونحن وراءك ولا تستسلم، وكان الزعيم قوياً وصامداً، وأعاد بناء القوات المسلحة فى زمن قياسى، وكان ينزف دماً وهو يرى أقدام الإسرائيليين تطأ أرض سيناء المقدسة.
عبد الناصر أراد أن يبنى مصر اقتصادياً ونفذ خططاً اقتصادية خمسية، أعادت العدالة الاجتماعية، وفتحت أبواب المدارس والجامعات لملايين من الطلاب أبناء العمال والفلاحين، ليكونوا شركاء فى خيرات بلدهم، وأصبحت المناصب الكبرى من نصيبهم.
كان طبيعياً أن يحتشد أهل السوء والمضارين لتشويه صورة عبد الناصر وسمعته، ووظفوا أقلامهم ومقالاتهم والأفلام السينمائية، لخلق الكراهية فى نفوس الأجيال الشابة التى أحبت عبد الناصر.
شاهدنا أفلاماً مثل «البرىء» و«احنا بتوع الأتوبيس» و«طائر الليل الحزين» وكلها تخلق جبالاً من الكراهية ضد نظام عبد الناصر، على مقولات التعذيب والسجون والمعتقلات.
لا نبرئ أحداً ولا نتهم أحداً، ومثل هذه القضايا الشائكة يجب أن تخضع للجان تحقيق عادلة، لتقول الحقائق أمام الناس والتاريخ، وحتى لا تتكرر مرة ثانية، ويكون الرأى العام على علم تام وليس نهباً لتصفية الحسابات.
شربنا كأساً مرة اسمه تصفية الحسابات فى سنة حكم الجماعة الإرهابية، عندما تسلحوا بكل أنواع الأكاذيب والافتراءات، ونصبوا شباك الاتهامات لتطال الأبرياء قبل المتهمين، وعمدوا إلى تشويه كل شىء.
يمكن أن أفهم أن عبد الناصر هو العدو التاريخى للإخوان، ولكن ما سر عداء رجل أعمال، كنت أتمنى أن يكون منصفاً، خصوصاً وأن عبد الناصر أعلى شأن الهوية الوطنية المصرية، وذابت فى بوتقتها كل مظاهر التطرف والعنصرية والتفرقة.
اذكروا محاسن زعمائكم، لأن النبش فى قبورهم لن يأتى من ورائه إلا روائح سيئة.