يوميات الأخبار

أيام من يونيو.. تأملات وذكريات

علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب

فى مشوار الحياة كان يقينى دائماً ان الحلم يسعد، وتحقيقه يمنح الحياة وهجاً.. الحلم يستحق ان نعدو خلفه حتى نملكه، نحاذيه، ثم نسبقه.

٢ يونيو.. ألوان من الشر
يرصد المرء ممارسات فى زمن الكورونا تصب - على تفاوت ضررها - فى بحار الشر.
بشر لا ينتمون للانسانية الحقة، لا يتعظون من مشاهد يظللها الموت على كل جانب، لا يعنيهم سوى المتاجرة فى أى شىء، وبأى شئ، لا يرضيهم سوى جنى أكبر قدر من الأرباح، ولو على حساب مريض أو ضعيف أو محتاج!
يغالون فى مقابل العلاج بمستشفياتهم الخاصة.
يخفون انواعاً من الأدوية تساوى للمريض حياة، أو يغشون لوازم مواجهة الڤيروس المستشرى بلا تمييز، يستثمرون فى الأزمة بكل ما أوتوا من قوة بفواتير باهظة، وأسعار مغالى فيها، ومواد «مضروبة»، وأطعمة فاسدة، دون أن يهتز لهم جفن.
هل يختلف هؤلاء - كثيراً - عن الذين يجلبون الهيروين بالملايين، ويتاجرون فى الأسلحة النارية، ويعتدون على حرم النيل، ويشيدون المبانى على الارض  الزراعية، ويتجاوزون بارتفاعات عقاراتهم و... و....
ألوان من ممارسات لا يلتزم اصحابها بأى قيم أو أخلاق، ولا يعيرون للقانون أى احترام.
الكل فى الشر سواء!
صفحات الجرائد، ومواقع النت، والبرامج الاخبارية على التلفاز زاخرة بكل ما ينتمى إلى عالم الفساد، ليبلغ ذروة غير مسبوقة تتوازى مع مواصلة ارتفاع منحى الاصابة والوفاة بسبب الكورونا!
ڤيروس الشر والفساد ينافس كورونا بلا هوادة، ولا حل إلا بتفعيل القانون، والضرب بلا رحمة على كل يد آثمة، فلا ردع لهؤلاء إلا بمواجهة غاية فى الشدة، لكل من تصور أن أفعاله خارج دائرة الحساب، متوهماً انه أمن العقاب!
٥ يونيو.. حقيقة النكسة
لا أظن أسوأ منها فى سجل الذاكرة، نكسة ٦٧ التى سلبت طفولة جيلى، فإذا به يقفز من البراءة إلى الكآبة، ومن مادون العاشرة إلى مشارف الكهولة بين عشية وضحاها!
ورغم مضى أكثر من نصف قرن على الحدث الجلل، مازالت كوابيسه تزور من عاصره، لاسيما أن كثيراً من الاسئلة التى عمرها من عمر النكسة مازالت بلا إجابة!
وربما كان السؤال الاخطر الذى تتناسل من عنده - وحوله- تساؤلات بلا حصر: ما حقيقة ما حدث بالضبط؟
بعد كل هذه السنوات مازالت أمور عديدة محجوبة، لأن الوثائق التى تميط اللثام عن الحقيقة، راقدة فى ظلمات بحر لجى بلا قاع!
هل يكفى أن حرباً للاستنزاف كبدت العدو خسائر فادحة قد اندلعت بعد أيام من النكسة؟ وهل يشفى غليلنا ان نصراً مؤزراً تحقق فى أكتوبر ٧٣؟
افرج الغرب الذى ساند اسرائيل عن وثائقه، وكشفت الدولة المعتدية عما بحوزتها من اسرار، بينما مازال ما حدث عندنا لغزاً وطلاسم، لا تسعف الوثائق من يسعى لحلها!
الامم الحية تتعلم من اخطائها، وتستلهم من تاريخها العبر والدروس لكن بشرط أن تعرف أولاً حقيقة ما حدث، وتمارس تحليلاً نقدياً يستند إلى معلومات دقيقة، لا تقدمها سوى وثائق تكشف عن حقائق، دونها نظل ندور حول انفسنا كالاعمى فى غرفة مظلمة.
لا يكفى شهادة چنرال، أو مذكرات سياسى، ولا عشرات ينتمون إلى هذه المؤسسة أو تلك، الافراج عن الوثائق الاصلية بداية ظهور الحقيقة، دون تحامل على مسئول أو محاولة للدفاع عن آخر، فالحقيقة وحدها كفيلة بتحديد أبعاد ما حدث عام ٦٧، ومسئولية كل الاطراف، وهذا حقنا ولو طال الزمن.
٩ يونيو.. الدكتور ينسى!
بعد مقدمة سريعة من مذيع البرنامج، اشار فيها إلى نموذج مشرف من الشباب المجتهد، استطاع ان ينتج أول روبوت يخدم مرضى كورونا، وبدلاً من ان يستضيف البرنامج الشاب المخترع، إذ به يقدم رئيس الجامعة التى ينتمى الشاب لاحدى كلياتها!
لا بأس إذا كان المسئول الكبير سوف يتناول الامر على نحو أفضل.
المفاجأة أن «الدكتور» لا يتذكر اسم الطالب الذى انجز الروبوت، ثم يجتهد سيادته، ويقدح زناد ذاكرته، ثم وبصعوبة ينطق اسمه الأول: محمد.
كم مليون محمد فى مصر؟ ثم راح «الدكتور» يتحدث عن الانجاز من وجهة نظره، بعد أن ذكر أن الطالب المخترع ينتمى لكلية التجارة.
على أى حال، تبين لى ان اسم الشاب المخترع محمد عبد الرحمن فى مرحلة البكالوريوس، وقد تصورت للوهلة الأولى انه طالب بكلية الهندسة أو العلوم.
ولعل ذلك يفتح باب النقاش واسعاً حول أكثر من مسألة: هل هناك من يتبنى صاحب هذه القدرة المتميزة بعيداً عن الروتين والبيروقراطية؟
ثم اذا كان نظام التنسيق الحالى مازال الاكثر تحقيقاً للعدالة، فإن من بين الحاصلين على الثانوية العامة أصحاب مواهب، ومن يملكون قدرات استثنائية، ومن الافيد للوطن أن يدرسوا فى الجامعة ما يصقل  ما وهبهم الله، وما سهروا ذاتياً على تنميته، وهذه المعادلة لا يجب أن تظل معضلة بلا حل لأن هؤلاء لا يخسرون وحدهم، وانما مجتمعهم قبلهم، يدفع ثمناً باهظاً لعدم الاستثمار فى اصحاب القدرات والمواهب المتميزة.
ربما استفزنى حالة النسيان التى ظهر عليها «الدكتور»، ورب ضارة نافعة، المهم ألا يضيع المتميز والموهوب بين نظام التنسيق العتيق، ودروب الروتين المقيت!
١١ يونيو.. غابة للفقراء
«لو كان الفقر رجلاً لقتلته».. لا تغيب تلك المقولة المنسوبة للامام على بن أبى طالب كرم الله وجهه عن ذاكراتى، لأنى أمقت الفقر كأحد اخطر الاسباب التى تكرس معاناة الانسان على اصعدة عديدة.
فى الادب قرأت كثيراً عن تحالف الفقر مع الجمال أو الدمامة، وفى الحالتين يكون الناتج نماذج شائهة، تضرب فى الأرض فساداً، أو ينحرف الضحايا بصورة بشعة، ولا يبتعد الجهل كثيراً عن ذلك.
الأمر أخطر عندما يتحالف الفقر مع المرض، وفى حالة كورونا بات الفقر المدقع يهدد بدفع 400 مليون انسان فى العالم لاحضانه الشائكة، لتكون الحصيلة 1.1 مليار انسان يعانون من اسوأ درجات الفقر، التى ربما تقود للموت، أو الحياة فى ظروف يكون قضاء الانسان نحبه أرحم منها!
هل انضمام هذه المئات من الملايين لصفوف من سبقوهم قدر لا فرار منه، أم ان الامر يترجم غياب أبسط درجات الرحمة، وبالمقابل تفشى القسوة الشديدة والانانية المفرطة بين البشر؟!
فى المحن يتكشف اسوأ وأفضل ما فى الانسان، ويظهر معدنه الحقيقى، لكن  الارجح أن الأسوأ ينتصر، والافضل يخبو، واتساع دائرة الفقر المدقع دليل لا يعنى سوى القبول -للأسف - بالنتيجة السلبية لما آل إليه حال الانسانية!
تفشى الفقر بأبشع صوره فى زمن الأزمة، يدق ناقوس خطر يهدد البشرية بأن تتحول مع توالى الازمات - لاقدر الله - إلى غابة بالمعنى الحرفى للكلمة!
ومن ثم لن يجد الفقير ملاذاً إلا رحمة ربه، ما دام الانسان مصراً على الا يرحم اخيه الانسان، بل يجعله فريسة بين الأغنى - الاقوى، وانياب الفقر التى تنشب فى جلده الذى يكسو عظاماً بلا لحم!
14 يونيو.. وللحلم بقية
عُدت يا يوم مولدى، أيها المحير الذى لا يستقر على حال، من عام إلى عام، فالمرء كل يوم له شأن، فما بال مرور سنة تتقلب فيها الامور والاحوال؟!
جئت هذا العام العاصف، فى زمن الكورونا عيد ميلاد بنكهة الكورونا، التى كانت فى سنوات عمرى الأولى، وطرفاً من أيام الشباب شكولاته من ألذ ما استطعمت فى حياتى، فإذا بها اليوم ڤيروس شديد الفتك!
فى هذا اليوم لا ألقى نظرة على ما مضى فحسب، بقصد حصد دروس مستفادة، وإنما اتطلع إلى غد  أظنه - بإذن الله - افضل وارحب، لأن للحلم فى حياتى دائماً بقية، ربما لا أحصلها إن لم يسعفنى التوفيق أو العمر، وقد يكون هناك من جيل قادم من يقدر، إن كان يشاركنى أحلام هى للوطن وللانسانية جمعاء.
أحلام ترتبط بقيم عليا: بالجمال، الحق، الخير....،....
أحلام حملها ثم أورثها أجداد وآباء، واقترب الوقت ليؤتمن عليها أبناء وأحفاد.
قناعتى أن الأحلام لا تموت، قد تخبو، أو تذبل، بفعل تباين الاضواء والظلال، لكنها تعود باسقة مضيئة، إذا وجدت من يرعاها ويرويها ويتعهدها.
فى مشوار الحياة كان يقينى دائماً ان الحلم يسعد، وتحقيقه يمنح الحياة وهجاً.
الحلم يستحق أن نعدو خلفه حتى نملكه، نحاذيه، ثم نسبقه.
فى يوم مولدى - الذى عادة ما يذكرنى به من أحبهم ويحبوننى - تداعبنى أطياف من الذكريات، من حصاد السنين بحلوها ومرها، ومنها ما يجمع فى سبيكة مدهشة بين  الاثنين!
تمر ذكرى وراء أخرى كشريط بعض مشاهده سريع، وأخرى تجنح للهدوء، وفى المجمل تشكل أيام مجموعها يمثل عمراً اجمل ما فيه الاحلام ما تحقق، وما لم استطع انجازه، فيظل لبعض الاحلام بقية!
ومضات
> عندما يُبتلى الحلم بالثقوب، يغرق صاحبه.
> الكريم لا يُغدق على الأحبة، بقدر ما يتجه لمن يستحق.
> المكان وحده لا يضمن مكانة، مهما ارتفع.
> لحظة الاختبار محك يحسم صواب الاختبار.
> الذين يراهنون على ضوء آخر النفق، لماذا دخلتموه بارادتكم من الاساس؟!
> يزعم البعض اعادة ترتيب أوراقه، وفى الحقيقة يتعمد   خلطها!
> ثمة حياة أقرب للموات، وموت يهب صاحبه حياة اضافية.
> قبل ان تتهم الزمن بالغدر، ارحم الآخرين من تآمرك.
> اعتذار القوى بطعم المكسب، وأسف الضعيف بنكهة        الخسارة.
> العبور من الرغبة للامكانية، يتحقق على جسر الارادة.