حكايات| مخلوقات مرعبة وفصل رؤوس.. جحيم في قبور مصر القديمة

صورة موضوعية
صورة موضوعية

لآلاف السنين ظل الموت هو الشغل الشاغل للفراعنة، فأعدوا له العدة وحملوا الزاد والزواد إلى تلك الرحلة، لكن ما يثير الدهشة هو تجسيد حياة ما بعد الموت وما يلاقيه الإنسان من أهوال إلى أن يصل إما للنعيم أو الجحيم.

 

وصوّر المصرى القديم، العالم الآخر بداية بمتون الأهرام التي ظهرت مع آواخر الأسرة الخامسة على جدران حجرة الدفن للملك أوناس بسقارة لأول مرة ثم متون التوابيت التي تداولت بين الأفراد في الدولة الوسطى بعدما كانت من قبل قصرًا على الملوك.

 

وتبارى في تصوير تلك الفكرة على جدران مقابر ملوك الدولة الحديثة في وادى الملوك؛ حيث ظهرت مناظر المعذبين مصورة ضمن تفاصيل البوابات والكهوف على جدران مقابر ملوك الدولة الحديثة مثل سيتي الأول ورمسيس السادس وتحتمس الثالث وتاوسرت وست نخت وحور محب.

 

خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أزاح الستار عن تفاصيل هذه الرسومات والنقاش من واقع دراسة للأثري الدكتور شريف شعبان والتي حملت عنوان «الجحيم في مصر القديمة».

 

وتمثّل المناظر المصورة للجحيم مخلوقات مرعبة تستقبل المذنبين بعد نهاية حياتهم على الأرض لتفك أربطة مومياواتهم وتحرمهم من الملابس النظيفة وتعري أجسادهم؛ حيث كان العري في مصر القديمة رمزًا للوهن وهو ما يتمناه المرء لأعدائه وفي مكان الحكم عليهم تنقلب الأمور الطبيعية فيسير المذنبون رأسًا على عقب وتربط أيديهم من خلف ظهورهم وربما حول خوازيق.

 

وجسد المصريون القدماء كذلك مشاهد التعذيب من فصل رؤوس المذنبين وأوصالهم عن أجسادهم وتخرج قلوبهم من صدورهم وتنفصل أرواحهم عنهم للأبد ولا تعود إليهم وحتى ظلالهم تختفي عنهم؛ بل يصل الأمر إلى حد حرمانهم من النسل وتمحى أسماؤهم وكل ما يذكر وجودهم، وكان المذنبون يوضعون في مراجل للنار توضع فيها أرواحهم وأجسادهم المقطعة حيث يحرقون ويتحولون إلى رماد.

 

الدكتور ريحان تحدث عما تطرقت لها الدراسة إلى وصف الكتب الدينية لتلك المرحلة من التعذيب التي تصف مراجل النار وهي تعمل بالفعل؛ حيث يُلقى بالرؤوس والقلوب والجثث والأرواح والظلال في الماء المغلي بينما ترفع ذراعان غامضان المرجل بكل ما فيه من الأعماق المظلمة في «مراكز السعير» إلى المناطق المرئية في العالم الآخر.

 

ولم يكتف المصري القديم بسرد مصير المذنبين والمعذبين في النصوص الدينية فحسب؛ بل تبارى في إبراز هذا المصير المظلم من الناحية الفنية وهو ما ظهر على جدران مقابر ملوك الدولة الحديثة بوادي الملوك.

وظهرت مناظر المعذبين بألوان مبهرة زاهية وبتفاصيل دقيقة تظهر حرص المصري على تصوير هذا المصير المشئوم لهؤلاء المعذبين، ونجح الفنان في استخدام اللون ودلالته للتعبير عن الجحيم باللونين الأحمر كدلالة على الدموية والأسود كدلالة على العدمية.

 

 

 

 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي