في ذكرى استشهاده| من هو «سليمان الحلبي» قاتل الجنرال «كليبر»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

ومع انطلاق حملتنا المطالبة بإزالة تمثال شامبليون المهين للحضارة المصرية بباريس ، تحل اليوم الذكرى الـ 220 لمقتل القائد الثاني للحملة الفرنسية على مصر (جان باتيست كليبر).

يذكر الباحث الآثارى الدكتور حسين دقيل المتخصص فى الآثار اليونانية والرومانية، ففي مثل هذا اليوم الـ 14 يونيو عام 1800، قتل قائد الحملة الفرنسية على مصر (كليبر) وذلك بعد توليه القيادة عقب عودة نابليون بونابارت الي باريس سرا عن طريق البحر ليلة الإثنين الـ 16 من أغسطس عام 1799.

وأضاف الدكتور حسين، أن الفرنسيون عاث في أرض مصر فسادا؛ ودخلت خيولهم الجامع الأزهر، ودنسوا ساحته الشريفة، ونالت منه قذائف مدافعهم العنيفة، واعتقلوا ستة من أبرز علمائه، واقتادوهم إلى القلعة وحكموا عليهم بالإعدام؛ ففصلوا رؤوسهم عن أجسادهم، ومن سوء مكرهم لم يُعلموا عن مكان جثامينهم، فلم تُعرف أماكن دفنهم حتى الآن!

أثارت هذه الحادثة طلاب الأزهر الشريف وطالبوا بالثأر لعلمائهم؛ وكان منهم الشاب السوري (سليمان الحلبي) وكان في الـ 24 من عمره، فتمكن من قتل (كليبر)!

يحكي الجبرتي - وغيره - تفاصيل حادثة القتل، فيقول:- 

بدأ الجنرال كليبر اليوم الأخير في حياته (14 يونيو 1800) باستعراض بعض القوات في جزيرة الروضة، كان سليمان الحلبي بين حشود المتفرجين، مخبئا سكينا في طيات جلبابه.

وبعد نهاية العرض، تعقّب سليمان الجنرال إلى القاهرة، حيث ذهب كليبر أولا إلى منزل (الجنرال داماس) لتناول الغداء، ثم غادر المأدبة بعد الظهر لارتباطه بموعد مع المهندس المعماري (بروتان) الذي كان يخطط لبعض التوسعات في (قصر الألفي بك)، كان الجو دافئا، فقرر الرجلان أن يتمشيا في الحديقة، كان كليبر يرتدي قميصا وسروالا، ولم يكن هناك أي حرس على مقربة.

ثم ظهر في الممشى سليمان مرتديا ملابس العمال. تقدم سليمان نحو الجنرال؛ فنهره كليبر وأمره بالابتعاد ظنا منه أنه شحاذ، بينما اتجه (بروتان) إلى داخل المنزل لاستدعاء حارس يقف على الباب، لكن سليمان لم يتوقف رغم زجر كليبر له، بل مد يده اليسرى نحو الجنرال كما لو كان يريد أن يمسك يد الجنرال ليقربها إلى شفتيه كعادة المتظلمين في آنذاك. 

 

وعندما مد كليبر يده، بادر سليمان بطعنه في صدره بيده اليمنى التي كان يخفيها في طيات ثيابه، وفي هذه اللحظة ظهر بروتان ورأى سليمان وهو يسحب سكينه من صدر كليبر (الذي بدأ يترنح) ليغرسها في بطنه، ثم في ذراعه الأيسر، ثم خده الأيمن؛ ألقى بروتان نفسه على الأرض عندما شاهد هذا المنظر، بينما سقط كليبر على الأرض متحشرجا، وهنا نهض بروتان وجرى نحو سليمان موجها له ضربة بعصاه على رأسه.

جن جنون سليمان وأخذ يكيل الطعنات لبروتان (ست طعنات) حتى كاد يفقد الوعي، ثم هرب، وحسب شهادة بروتان فقد مرت ست دقائق قبل أن يصل أي شخص إلى مسرح الحادث.. ولم يلبث كليبر أن لفظ أنفاسه الأخيرة.

دقت الطبول في ميدان الأزبكية منبئة بوجود خطر، وفي دقائق معدودة كانت الطبول تدق في مختلف أنحاء القاهرة داعية الجنود إلى مواقعهم، وانتشر خبر مقتل كليبر بسرعة رهيبة، ولزم العامة بيوتهم تحسبا لتوابع ذلك الحدث الجلل.

وأوضح الدكتور حسين، أما الجنود الفرنسيون فقد ظنوا في البداية أن اغتيال كليبر هو شرارة لثورة جديدة مثل التي خرجوا لتوهم من ويلاتها، فجن جنونهم وأخذوا يهرولون في الشوارع، وحسب شهادة أحدهم: "أخذنا نقتل بسيوفنا وخناجرنا كل رجل وكل طفل وجدناه في طريقنا، ولكن الأمور هدأت ثانية عندما تبين الجنود أنها ليست ثورة بل واقعة اغتيال لقائدهم العام!!

لم يكن سليمان قد أبتعد كثيراً عن موقع الحادث، فوجده الجنود متقرفصا بجوار أطلال سور الحديقة، وفي رأسه آثار الكدمة التي أحدثتها ضربة بروتان، وكانت ثيابه مخضبة بالدم، وكان يبتهل إلى الله بالدعاء، ووجدت السكين بالقرب منه ودماء الضحيتين ما تزال عليها وقد اختلطت بالتراب.

وتمت محاكمة سليمان الحلبي صوريا وحكم عليه بحكم بشع ويكشف عن مدى انعدام الإنسانية لدى الفرنسيين المحتلين، حيث حكموا عليه بإحراق يده اليمنى «التي ارتكب بها الحادثة» ثم قطعها، ثم تم وضع سليمان حيًا على خازوق من الصلب.

وقابل سليمان الحلبي، الموت ببسالة إذ وضع يده بجرأة في النار الملتهبة، ولم ينبس ببنت شفة حينما كانت تحترق، كما كان باسلا طيلة الساعات الأربع والنصف الذي قضى من بعدها نحبه وهو «مخوزق»، رحم الله البطل (سليمان الحلبي).