فى الصميم

أثيوبيا.. والرهان المستحيل!!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

لاتسعى مصر إلى الصدام ولا تفتعل المعارك الخارجية لتهرب من المشاكل الداخلية كما يفعل الآخرون. مصر تتعامل بصبر الواثقين وتبدى أكبر قدر من حسن النوايا، وتعطى الآخرين كل الفرص لتصحيح مواقفهم بعد أن يتأكدوا من الحقيقة الثابتة: أن مصر لايمكن ـ تحت أى ظرف ـ أن تسكت على تهديد لأمنها القومى  أو على مساس بحقوقها المشروعة أو مصالحها الوطنية. على مدى سنوات طالت أعطت مصر الفرصة كاملة لكى يراجع المسئولون فى أثيوبيا مواقفهم من قضية السد، ولكى يتصرفوا كشرفاء حقيقيين يجمعهم معنا نهر النيل، ولكى يدركوا الحقيقة الناصعة بأن المصالح واحدة وبأن الحل ـ لو خلصت النوايا ـ قريب المنال، وبأن احترام حقوق مصر والسودان لايمكن ان يتعارض مع تحقيق المصالح الأثيوبية، بل إن العكس هو الصحيح وحق اثيوبيا فى التنمية لايمكن ان يمس حق مصر فى الحياة.
ورغم ذلك كله فقد ظلت أثيوبيا على نفس النهج.. تراوغ من أجل كسب الوقت، وتتصور أنها قادرة على فرض الأمر الواقع على الجميع. وحتى الأمس كانت تواصل الاستفزار فتعلن اصرارها على بدء ملء خزان السد الاثيوبى فى الشهر القادم، وتقدم  ـ فى نفس الوقت ـ مقترحاتها الأخيرة التى تعيد التفاوض إلى نقطة البداية وتتجاهل نتائج سنوات من التفاوض انتهت الى مشروع الاتفاق فى ٢١ فبراير الماضى الذى شارك فى صياغته البنك الدولى والولايات المتحدة ووقعت عليه مصر، بينما تهربت أثيوبيا كالعادة!!
لقد رفضت مصر والسودان الورقة الأثيوبية التى تقول بوضوح إن حسن النية غائب، وأن القرار الأثيوبى هو المراوغة حتى  النفس الأخير. ومع ذلك فقد وافقت مصر على أن يستمر التفاوض المحددد بالسقف الزمنى الذى حددته، وتركت للاشقاء الاعزاء فى السودان أن يقدموا اليوم صياغة جديدة يمكن التوافق علىها لإنقاذ الموقف.
ويبقى ان تدرك اثيوبيا أنها تطلب المستحيل إذا تصورت أنها تستطيع تحويل نهر النيل إلى ترعة أثيوبية والانفراد بالقرار فى مياه النهر العظيم. واذا لم تفهم جيدا أن الشراكة مع مصر والسودان ليست فقط حكم الجغرافيا والتاريخ، ولكنها أيضا مصلحة الشعوب ومستقبل الدول الثلاث الذى يرتبط بالتعاون من أجل خير الجميع، وبعيداً عن الرهانات المستحيلة التى يتصور بها البعض فى أثيوبيا أن مصر يمكن ان تفرط فى حقها أو تساوم على حقها فى الحياة.