يوميات الأخبار

سرير رعاية.. أم رعاية مسلسل؟

محمد الشماع
محمد الشماع

لم يعد أمامنا إلا أن نسمح بعودة الجهاز الإنتاجى للعمل لنحمى المجتمع من كوارث اقتصادية سوف تقع حتما إذا استمر الحظر!!

تلعب الجمعيات الأهلية والخيرية دوراً مهماً وخطيراً فى العمل العام وإقامة المؤسسات والمشروعات الكبرى فى المجال الصحى والتعليمى وتوفير الخدمات الاجتماعية والإنسانية والعمل التطوعى وتقديم المساعدات لغير القادرين، لكن بعض الجمعيات خرجت عن اهدافها وتخصصت فى توزيع الكراتين بعد أن جمعت أموالا ضخمة فقررت أن تضيف أنشطة جديدة لمجال عملها منها رعاية المسلسلات الاذاعية الخاصة وتقدم لها الدعم المادى وتدخل مجال الرعاية منافسة للبنوك والشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى بدلا من بناء المستشفيات ودعم وتوفير الأجهزة والمعدات الطبية!
بدأت هذه الظاهرة فى شهر رمضان من العام الماضى برعاية لمسلسل «دلعينى يالمونة» وهو مسلسل يتضمن إيحاءات مسفة طوال حلقات المسلسل الذى يدعى انه كوميدي. وعندما كتبت هنا فى نفس المكان توقفت الرعاية فى نفس يوم النشر. لكن الغريب أن الظاهرة عادت مرة أخرى ويبدو أن التبرعات كانت اكثر هذا العام فقامت إحدى الجمعيات الكبرى برعاية مسلسل «فرح عديلة» وكان المسلسل مشابها الى حد كبير فى مواصفات المسلسل السابق!. وعندما كتبت متسائلا عن دور وهدف الجمعية رعاية الفقراء والمساكين أم رعاية المسلسلات التى تعلن إنها كوميدية؟. توقفت إذاعة رعاية الجمعية للمسلسل فى نفس اليوم من شهر رمضان الماضي!
مما جعلنى اتساءل هل رعاية مسلسل كوميدى هابط أهم وأجدى أم رعاية مريض يبحث عن سرير رعاية مركزة.. ونحن فى اشد الحاجة الى توفير اسرة الرعاية، وتلك الجمعيات تملك من اموال التبرعات ما تستطيع أن تساعد الدولة ومواطنيها بتوفير هذه الخدمة ورعاية المريض بدلا من المسلسل!
رعب جمع التبرعات!
لكن الشىء الأكثر غرابة اننى وجدت رعاية فنية من جمعيات ومستشفيات لمسلسلات إذاعية هابطة تدعى أنها كوميدية- صدعت اذاننا ورفعت الضغط للكثيرين بسبب الرعاية والإعلانات المكررة والمكثفة التى تطاردنا بضرورة وحتمية التبرع لهذه الجمعيات والمستشفيات التى تطلب التبرع ولو بجنيه واحد وكأنهم يتحدون الجميع.. أين دور وزارة التضامن الاجتماعى التى من المفروض أنها تشرف على نشاط هذه الجمعيات وتراقب الميزانيات المالية ومجالات انفاق ما تجمعه من ملايين الجنيهات وربما عملات اخرى من المتبرعين والمرتبات التى يحصل عليها البعض من غير المتطوعين، وتصحيح أى خطأ قد يحدث بهدف تعظيم دور هذه الجمعيات الذى  نحن فى أمس الحاجة إليه فى هذه الظروف الصعبة التى تواجهنا  جميعا كدولة.
تطورت وتنوعت أساليب جمع وجلب التبرعات من المواطنين بصورة كبيرة ومثيرة ومكثفة بشكل غيرمسبوق، وبطرق أبعد ماتكون عن أخلاقيات ومهنية الإعلان والتسويق وتصدم المشاهدين وتصيبهم بالدهشة والاكتئاب وتفاجئهم بحرائق وكوارث وانهيارات واطفال يستغيثون من النيران التى تحرقهم واختناقات وإصابات وتشوهات ووفيات وصور لايحتملها أشد القلوب قسوة، ولانعرف الجهة صاحبة الإعلان التى تطلب التبرع لبناء مستشفى لعلاج الحروق، ولا من هى الجهة التى تشرف على بناء المستشفى إن كانت حكومية أو جمعية مجتمع مدنى أو جمعية خيرية أو مجموعة رجال اعمال أو مستثمرين وتطلب التبرع ويتكرر الإعلان مرات ومرات وتطارد المشاهدين الذين يغمضون عيونهم أو يهربون من أمام الشاشات أو يسرعون بتغيير القناة ليهربوا من هذا العذاب النفسى الموجع والأليم فيصدمون بالاعلان فى قناة أخرى!
ممثل اعلانات أم متبرع!
يهرب المشاهدون من الحرائق، فيفاجأون باعلان آخر أشد غرابة وغير قابل للتصديق  وعار تماما من الشفافية، فإذا برجل متقدم فى السن يرتدى ثياب متواضعة يتوكأ على عصا وسط مساحة من الأرض لاتزيد على مساحة حديقة منزل صغير، ناطقا باللهجة الريفية مؤكدا أنه يمتلك عشرة قراريط من الأرض الزراعية، هى كل ما يملك وقرر أن «يوقف» إيراد قيراط من هذه المساحة التى يمتلكها تبرعا لبناء وتشغيل المستشفي!
من يشاهد ويسمع الرجل الذى قام بتمثيل دور المزارع المتبرع يتأكد أنه يستحق المساعدة وأن نجمع له التبرعات خاصة أن كل ما يملكه لايصل إلى نصف فدان وان عائد أو إيجار الفدان لايزيد على أربعة آلاف أو ثلاثة آلاف جنيه  سنويا(!) وهذا يعنى ببساطة أن دخل هذا الرجل الذى يعول به اسرته التى لن تقل عن ثلاثة أو اربعة افراد لايزيد على ألفى جنيه  سنويا!
فكيف بالله عليكم يعيش هذا المزارع هو ومن معه ثم يتبرع ويوقف إيراد قيراط لبناء مستشفى!!
 أين المصداقية والعقلانية ولماذا اختفى مبدأ احترام عقلية المشاهدين؟! لكن يستمر الإعلان فى التأكيد على ضرورة قيام المزارعين بوقف وتخصيص إيراد مساحات من أراضيهم الزراعية تبرعاً لبناء المستشفى الذى لانعرف عنه شيئا سوى رقم حساب التبرع فى البنوك.
تبرعات نقوط الأفراح
هذا الإعلان ذكرنى بطريقة جمع النقوط فى أفراح الزواج فى أحيائنا الشعبية قديما، كذلك حفلات اعياد الميلاد والختان وأعياد الزواج التى يقوم فيها صاحب الليلة بدفع أحد اصدقائه أو أقاربه  لكى يبدأ بالنقوط لمجاملة أهل العريس فيرد عليه أهل العروس بالنقوط ويتبارى المعازيم فى التنافس فى عملية النقوط طوال الليل ويقوم والدا العريس والعروس أو صاحب عيد الميلاد بجمع النقطة لتسديد ديونهم وتغطية مصاريف الليلة!
ثواب بضمان تبرع
الشىء الغريب أن بعض الجمعيات أو الجهات التى تطلب التبرع تحدد للشخص مصدر التبرع، فهى تطلب منه التبرع من زكاة أملاكه أو تطالبه بصدقة جارية عن أمواله أو هبة من املاكه أو وقف جزء من كل هذا لكى تتمكن من إقامة مشروعها فى مقابل تقديم ضمان غيرمكتوب للمتبرع بالثواب فى الدنيا والآخرة (!) والملاحظ أن بعض الشخصيات التى كانت تدعو للتبرع لمشروعات قائمة من خلال اعلانات متعددة لفترة طويلة، تم الاستعانة بهم كأصحاب  خبرة للإعلان عن مشروعات تطلب التبرع لمشروعات جديدة فى كيانات حديثة وكأن هذه الشخصيات اصبحت متخصصة فى عملية التسويق لمثل هذه الكيانات وجمع التبرعات لها!
تحيا مصر.. للجميع
فى مصر جمعيات مجتمعية وصناديق اتخذت الشكل القومى وتقوم بأعمال غاية فى الأهمية وتقدم المساعدات للمواطنين غير القادرين وتقيم لهم مشروعات تحقق مصدراً للرزق والعيش الكريم وتنقذ وتنفذ مشروعات قومية تعود بالخير على الملايين من ابناء الشعب المصرى فى مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة وتواجه الحالات الطارئة بمنتهى الشفافية والمصداقية فى مقدمتها صندوق تحيا مصر وصندوق الزكاة برعاية الأزهر وجمعية مستشفى الدمرداش والمعهد القومى للأورام ومركز مجدى يعقوب لعلاج القلب للأطفال وغيرها من الجمعيات الصادقة، لماذا لا تشرف الحكومة على أموال هذه الجمعيات التى هى اموال عامة ولماذا لا تحصل على نسبة من التبرعات تساهم بها فى مواجهة الكوارث وتحمل الأعباء المادية المتزايدة لتوفير حياة كريمة لكل محتاج أو غير قادر من ابناء مصر.
كنوز الأخبار الصحفية
التطوير والتحديث والتجديد لكل ما تقدمه جريدة «الأخبار» من خدمة صحفية متكاملة لقرائها وما تنشره من مادة صحفية وثقافية وقضايا وطنية ومقالات مختلفة ومتعددة لكل الآراء والأفكار يومياً ومن كنوز العمل الصحفى لمؤسسة أخبار اليوم واصداراتها المتعددة والمتنوعة والتى يقدمها فى شكل رائع وأسلوب راق الصديق الصحفى  المتميز عاطف النمر ويربط الماضى بالحاضر وينتقى ويختار درراً من المقالات والموضوعات والقضايا والحكايات والأحداث التى عاشتها مصر ثقافيا وصحافيا وسياسيا وفنياً ويقدمها لنا بشكل ممتع بأقلام كبار الكتاب والأدباء والصحفيين والمفكرين والفنانين والسياسيين الذين أثروا حياتنا وساهموا فى تشكيل وصياغة الفكر والعقل المصرى والعربى وتعتبر دروساً للملايين من القراء والشباب من الدارسين للعمل الصحفى والذين يبداون حياتهم العملية فى بلاط صاحبة الجلالة ومجال الإعلام وتقديم المعرفة بتاريخ وحضارة أمة، وهى خدمة صحفية وإعلامية متميزة  لاتتوافر فى العديد من وسائل الاعلام ويبذل فيهاالصديق النمر جهدا يستحق الشكر والتقدير، لجهوده فى التنقيب فى تلك الكنوز من إصدارات أخبار اليوم والصحف والمجلات والكتب المتميزة على اختلافها وتنوعها.
العزل الكامل مستحيل
لم يعد امامنا فى مواجهة فيروس الكورونا الا أن نسمح بعودة الجهاز الإنتاجى للعمل وفق شروط وآليات محددة، وبذلك نحمى المجتمع من كوارث اقتصادية سوف تقع حتما اذا استمر المجتمع هنا للعزل ذلك لأن قطاعات غير منظورة تعتمد على نشاط الجهاز الادارى للدولة. ذلك ما اطالب به الحكومة تحديداً ان يختصر التنفيذ الادارى الذى يسبب تزاحم المواطنين على المصالح الحكومية من اجل الحصول على توقيع مسئول لا لزوم له ولاداعى له، على الحكومة مثلا أن تفرض على جميع المصالح الحكومية ضرورة اختصار الاجراءات البيروقراطية المعقدة، وان تنظر فى تطبيق الخدمات الاليكترونية تخفيفاً على المواطن، ولامانع إطلاقا من تبنى اقتراح توصيل هذه الخدمات للمواطنين فى بعض الاجراءات الحكومية، فالأوراق والنماذج والاستمارات التى يقف المواطن ذليلاً مهاناً فى طوابير طويلة من أجل إنجازها من مصلحة معينة، لماذا لا نجعل انجازها على النت؟ ولنفكر معاً فى إنشاء هيئة مركزية فى كل محافظة أو شركة تتلقى الطلبات من المواطنين على النت وتقوم بإنجازها وترسل اليهم مندوبا يتقاضى تكلفة الخدمة ورسومها دون إزهاق روح المواطن ودون احداث زحمة ليس لها داع.
مثلا خدمات تراخيص السيارات لماذا لا تتم بهذا الأسلوب ويضاف على كل تكلفة الخدمة رسوم توصيل الرخص الى المنازل، وذلك أقل تكلفة وأقل اهداراً للوقت وفى نفس الوقت سوف نوفر فرص عمل لتوظيف الشباب لإنجاز خدمات المواطنين دون زحام ودون إرهاق وتعطيل للمصالح ولتجتهد كل جهة حكومية فى اختصار الاجراءات ولنقترح ان تكون هناك شركات خاصة لإنجاز تعاملات المواطنين تكون وسيطا بين المواطنين والجهاز الادارى للدولة. ذلك سبيلنا لإعادة إدارة الاقتصاد وتطوير الجهاز الإدارى للدولة لكى نخرج منتصرين فى مواجهة هذه الكورونا التى لانعرف إلى متى تشكل تهديدا للمجتمع.

 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي