مصر المستقبل

نُكُوص الكبار

رشا الشايب
رشا الشايب

بقلم/ رشا الشايب

النكوص وفقًا لمدرسة التحليل النفسى هو حيلة دفاعية نفسية لا شعورية، يقوم فيها الفرد باستدعاء أساليب طفولية أو بدائية من السلوك أو التفكير أو الانفعال حين تعترضه أزمة نفسية، فإذا به يستبدل بالطرق المنطقية لحلها أساليب ساذجة يبدو فيها تهلهل التفكير وغلبة الانفعال.
والرجوع والتقهقر إلى مرحلة أولية أو بدائية تَمَكَّن الفرد من تخطيها سابقًا أمر قد يحدث للأسوياء وليس للمضطربين نفسيًا فقط، فيرتد النمو ويسير فى حركة نكوصية إلى الوراء.
من أشهر الأمثلة على ذلك الأطفال الذين قد يعودون إلى الرضاعة رغم أنهم فُطموا منها منذ زمن أو التبول اللاإرادى رغم قدرتهم على التحكم فى ذلك أملاً فى لفت الانتباه.
ولا يقتصر النكوص على الأطفال بل قد يصيب الكبار وبضراوة خاصة المتقدمين فى العمر، وهؤلاء محور حديثى هنا، فيلجأون إلى النكوص بكلا نوعيه العَرَضى المُؤقت أو المرضى الدائم، وتتمثل أشكاله فى التمارض المستمر والغيرة والعناد غير المُبرر أو إظهار عجزهم عن أن يأكلوا أو يلبسوا أو يغتسلوا بأنفسهم رغم عدم وجود سبب عضوى يعوق ذلك، أو الإسراف فى سرد أحداث حدثت بالماضي (الحنين للماضي) خاصة لو كانت طفولتهم يغشاها الأمن والأمان.
والسبب الذى جعلهم يفعلون ذلك (النكوص) ويستدعون سلوكيات بدائية غير منطقية هو أنهم شعروا بأن مشاعر المحبة الموجهة لهم من ذويهم لم تعد متدفقة كما السابق، وافتقدوا شعور الأمان فيمن حولهم نظرًا لنقصان شديد فى جرعات الاهتمام المُقدمة لهم، فدَبَّ الشك فى قلوبهم وتغلغلَ فى نفوسهم فاعتقدوا فى أنفسهم أن مَن حولهم لم يعودوا بحاجة إليهم وأنهم قد أصبحوا بلا فائدة حقيقية بعد أن بلغوا من العمر أرذله، والأشد إيلامًا أن قد يغتالهم معنويًا هذا الشعور القاتل وهو أنهم كانوا بالماضى محطَّ الأنظار وموضع الاهتمام ومركز العناية من ذويهم.
وهذا الشعور القاتل ينساب كالسم فى الدم ويفتك بصاحبه ويسبب له اختلالًا نفسيًا شديدًا فيُشكك فى محبة وإخلاص أقرب المقربين له.
وأكررها النكوص حيلة دفاعية لا إرادية ولاشعورية فلا تتهموهم بالمبالغة أو الادّعاء الكاذب فهم لا يقصدون، كل ما يريدونه هو استدعاء شعور الأمان فلا تبخلوا عليهم به.