حكاية «حجر رشيد» من قلعة «قايتباى» إلى المتحف البريطانى

المتحف البريطانى
المتحف البريطانى

 أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء أن حكاية حجر رشيد بدأت من قلعة رشيد الأثر رقم 44 الذى يقع على الشاطئ الغربى لفرع رشيد شمال المدينة بحوالى 6 كم أنشأها السلطان المملوكى الأشرف أبوالنصر قايتباى أحد المماليك الجراكسة عام 886هـ/ 1482م عقب إنتهائه من بناء قلعته الشهيرة بالإسكندرية وكان الغرض من بناء القلعة هو صد الغارات الصليبية التى كانت تهاجم سواحل الدولة المملوكية فى مصر والشام وكذلك حماية الدولة المملوكية من أطماع الدولة العثمانية الناشئة فى الأناضول والتى تمكنت بالفعل من الإستيلاء على الدولة المملوكية 923هـ - 1517م. 

 

ويوضح الدكتور ريحان أن القلعة بنيت من الحجر الجيرى والطوب الرشيدى مكونة من سور خارجى مستطيل الشكل يدّعمه أربعة أبراج ركنية على شكل ثلاثة أرباع الدائرة، وتحصر هذه الأبراج فيما بينها من الداخل دخلات معقودة بعقود مدببة، وبصدر كل دخلة فتحة مزغل كانت مخصصة فى البداية لرمى السهام وهذا بالنسبة للمستوى الدفاعى الأول للأسوار.

 

ويعلوه المستوى الثانى وهو عبارة عن ممر داخلى يشتمل على فتحات لرمى السهام "مزاغل" وأما المستوى الدفاعى الثالث والأخير من الأسوار فهو ممشى السور الذى يشتمل على دروع تطل على الخارج، أما الأبراج الركنية فكانت تشتمل على مستويين دفاعيين الأول أرضى ويفتح به مجموعة من المزاغل والمستوى الثانى وهو يعلو القبة الضحلة التى تغطى المستوى الأول ويشتمل أيضًا على مجموعة من المزاغل.

 

ويتابع الدكتور ريحان بأن مدخل القلعة مدخل تذكارى بارز معقود بعقد مدبب وتحتوى كوشتى العقد على رنكين بإسم السلطان قايتباى نصها "عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباى عز نصره" فى ثلاثة سطور، أما فتحة المدخل فترتد عن عقد المدخل قليلًا وهى فتحة مستطيلة الشكل معقودة بعقد مستقيم والمساحة المحصورة بين فتحة المدخل والدخلة المعقودة تشتمل على مجموعة من السقاطات، وعضادتى المدخل من الحجارة التى تضم نقوشًا فرعونية.

 

ويحوى التصميم الداخلى للقلعة عنصرين هما البرج الرئيسى وهو مساحة مستطيلة تنقسم إلى جزئين من خلال صف من الأعمدة الجراتينية والتى تحمل عقود، والمساحة كلها مغطاة بأقبية متقاطعة، ونوافذ البرج تأخذ شكل المزاغل وأرضية هذه النوافذ منحدرة للداخل ويشتمل البرج الرئيسى على فتحة باب فى الركن الشمالى الشرقى يؤدى إلى مجموعة من الملحقات وحجرات لتخزين المؤن والسلاح.

 

وعن دخول الحملة الفرنسية إلى القلعة يشير الدكتور ريحان إلى أن نابليون أرسل فرقة من حملته على مصر عام  1798 إلى قلعة قايتباى نجحت فى دخولها وإستمرت بها حتى عام 1800 وأطلق الفرنسيون عليها إسم جديد هو  "حصن سان جوليان" ولقد أحدثت الحملة الفرنسية الكثير من المتغيرات على القلعة طمست الكثير من معالمها القديمة فقد سدت الحملة الفرنسية منافذ المزاغل الثلاثة فى كل من البرجين الشمالى الغربى والجنوبى الغربى ثم أقامت فى كل برج مزغلين صغيرين لاستخدام البنادق، فى كل مزغل ست فتحات للبنادق يعلوها فى السقف فتحتين للتهوية باستخدام الطوب الأحمر، وأغلقت الممرات الموجودة فى المزاغل بحيث أصبحت صماء وأضيف حمام للقائد بوشار فى البرج الكبير الذى كان مخصصًا لإقامة الجنود ودعمت الأبراج فى الدور الأرضى بالطوب الأحمر. 

ويشير الدكتور ريحان إلى قصة اكتشاف حجر رشيد فى أغسطس عام 1799 ،حيث كان القائد الفرنسى بوشار مكلفًا بالعمل فى ترميم قلعة قايتباى وقد عثر على حجر مبنى فى جدار قديم كان لابد من هدمه لوضع أساس " قلعة سان جوليان " وسرعان ما علم قنصل الإسكندرية المستر هاريس بذلك إلا أن الجنرال مينو قد أمر بإحضار الحجر إلى منزله بالإسكندرية بعد أن نظفوه واعتنوا به ونقلوه إلى القاهرة وألقى عليه نابليون نظرة إعجاب وسرعان ما أذيع خبره فى العالم ثم نقل إلى لندن فى فبراير 1802 وبدأ علماء العالم يفسروا نقوشه ومن ثم عرف باسم " حجر رشيد " ومحفوظ الآن بالمتحف البريطانى بلندن.

 

ويصف د. ريحان حجر رشيد بأن طوله  115سم وعرضه 73سم وقمته العليا وزواياه من الشمال واليمين مفقودة منها بعض الأجزاء، ويرجح بعض العلماء أنه كان مستديرًا فى أعلاه على نحو ما هو معروف عن " حجر كانوب " فى عصر البطالمة، وهو حجر من البازلت الأسود مكتوب بثلاثة لغات من أعلى إلى أسفل الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية ويرجع تاريخه إلى عام 196 ق.م فى أيام الملك بطليموس الخامس الذى حكم مصر ما بين 203 إلى 181 ق. م.

 

 

ويتلخص موضوع الكتابة عليه هو أنه بعد وفاة بطليموس الثالث 221 ق.م بدأت دولة البطالمة تتحدث بما ارتكبه بطليموس الرابع من الفظائع، ولما توفى عام 204 ق.م قامت فتن داخلية أدت إلى إبادة الكثير من رجال الحاشية حتى تدخل الرومان وثبتوا دعائم بطليموس الخامس وقضى على الفتنة 198 ق.م وأعادوا إلى الكهنة إمتيازاتهم التى فقدوها فى عهد أبيه وأجزل لهم العطايا وأصدر عفوًا عن جميع ما قاموا ضده من المصريين وردو إليهم ممتلكاتهم فأقيم احتفال كبير فى ممفيس لشكر ومبايعة الملك بالطاعة ونقش محضر بذلك على الحجر بحضور رؤساء الكهنة والكتّاب وكان من الضرورى وضعه فى المعابد من الدرجة الأولى حتى الثالثة  بجوار تمثال الملك.

 

 

ويتابع الدكتور ريحان بأن السطور الأولى من النص تتصدر قائمة بألقاب الملك بطليموس الخامس (إبيفانيس) وصفاته التى تعلن عن ورعه تجاه الآلهة وحبه للمصريين ولبلده، وهو مؤرخ فى اليوم الثامن عشر من شهر أمشير المصرى من العام التاسع لحكم الملك وعدد الكهنة المجتمعون فى منف للإحتفال بأول ذكرى تتويج للملك والأفضال التى أنعم بها على مصر ومنها منح المال والغلال للمعابد والتنازل عن نصف الضرائب المستحقة للحكومة والتنازل عن جميع الديون المستحقة للحكومة  من الشعب والإفراج عن المسجونين منذ فترة طويلة وإلغاء تسخير التجارة وتخفيض الرسوم المدفوعة من المتقدمين للكهنة وتخفيض مستحقات المعابد للحكومة وإحياء الخدمات بالمعابد والصفح عن التائبين من الذين ضلوا السبيل ويسمح لهم بالعودة إلى مصر.

 

ومن أفضال الملك بطليموس أيضا إرسال الفرق العسكرية بالبحر والبر ضد أعداء مصر وحصار وقهر مدينة(ليكوبوليس) المتمردة وإعفاء الكهنة من الديون المستحقة عليهم للملك وتخفيض الضرائب المستحقة على الكتان الملكى وأراضى الغلال وترميم وإصلاح معابد العجل (أبيس) والعجل (منفيس) وإعادة بناء المقاصير المهدمة والمبانى المقدسة وإيقاف الخيرات عليها .

 

ونظير عمل هذه الأشياء منحته الآلهة الصحة والنصر والقوة، ولقد زاد كهنة جميع المعابد فى مصر كثيرًا مماهو موجود من أمجاد الملك بطليموس محبوب بتاح (الملك أبيفانيس) وبوجهة النظر هذه تقرر أن يضعوا تماثيل لبطليموس بصفته حامى مصر وأن يضعوا واحدًا منها فى كل معبد ليعبده الكهنة والناس وأن يضعوا تماثيل لبطليموس توضع فى مقاصير ذهبية بجوار مقاصير الآلهة وتحمل فى المواكب معها وأن تميز مقصورة بطليموس بوضع عشرة تيجان ذهبية عليها وأن يحتفل بمولد وتتويج بطليموس فى اليوم السابع عشر والثلاثين من شهر مسرى واعتبارهما أعيادًا إلى الأبد وأن يكون أول خمسة أيام من شهر توت أعيادًا أبدية تقدم فيها القرابين فى المعابد ويرتدى الناس أكاليل الزهور وأن يضاف لقب مديد إلى ألقاب الكهنة وهو (كهنة الإله الطيب بطليموس إبيفانيس) على لوحة من الحجر الصلد بالأحرف المقدسة واليونانية .

 

ويشير الدكتور ريحان إلى حجج واهية عن أسباب رفض بريطانيا لعودة حجر رشيد أشارت إليها الصحف البريطانية ومنها أن المتحف البريطانى يلعب دورًا هامًا كمستودع للانجازات الثقافية للجنس البشرى كما إن إعادة الحجر إلى مصر سيفتح الباب أمام فيضان من المطالبات المماثلة التى من شأنها أن تفرغ قاعات العرض فى المتحف، هذا إلى جانب المخاوف من أن تتعرض القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن لخطر تلف فى المتاحف المصرية حال عودتها.

 

ويرد الدكتور ريحان على ذلك بأنها حجج واهية فهل الإنجازات الثقافية لأى شعب تقاس باستغلال حضارة الآخرين والاستفادة منها دون وجه حق ودون حقوق ملكية فكرية لأصحاب هذه الحضارة لحين عودة الحقوق لأصحابها وكيف يسمحوا لأنفسهم بمصادرة حقوق الشعوب فى المطالبة بآثارها التى نهبت وتقف الاتفاقيات الدولية حائلًا دون عودتها مثل اتفاقية الويبو الإتفاقية الدولية لحماية الملكية الفكرية التى تتجاهل الآثار تمامًا فى تعريفها للملكية الفكرية وكذلك اتفاقية اليونسكو لعام 1970 والتى تحرم الدول من استرداد آثارها التى نهبت قبل عام 1970 تاريخ الاتفاقية كما أن حجتها بأن مصر لا تحافظ على آثارها فإن أبلغ رد عليهم الإنجازات الرهيبة التى تتحقق اليوم فى مجال الآثار من اكتشافات وافتتاحات وأعمال جرد شاملة لمخازن الآثار تنتهى تمامًا شهر يوليو الجارى وأعمال التطوير فى كل متاحف مصر وإنشاء متاحف ستعد من أكبر وأهم متاحف العالم مثل المتحف المصرى الكبير ومتحف الحضارة ومتحف شرم الشيخ وغيرها هو أكبر رد على أن مصر حريصة على آثارها وأهلها مع وزارة الآثار هم حراس هذه الحضارة والأمناء عليها .