حكايات| عدوها التراب والرطوبة.. بصمات الأصابع أسرار إلهية كشفتها جريمة قتل

بصمات الأصابع أسرار إلهية كشفتها جريمة قتل
بصمات الأصابع أسرار إلهية كشفتها جريمة قتل

خطوط دائرية تحمل بينها أسرار لا تتشابه أبدًا بين شخص وآخر، لكنها بمرور الزمن قدمت إحدى صور الإعجاز الإلهي والعلمي لكونها أزاحت الستار عن هوية مليارات البشر عبر التاريخ.

 

ببساطة توجد البصمات على جلد أصابع أيدي كل إنسـان، وتظهر على شكل خطوط بارزة تحاذيها خطوط أخرى منخفضة، وتتخذ أشكالا مختلفة وتعاريج متعددة، وتختلف بصمة الرجل عن بصمة المرأة فقطر الخطوط عند الرجل أكبر بينما في المرأة تكون بها تقاطعات.

 

وقبل أكثر من 1400 عام، وقبل أن يدرك العلم المتطور حقيقة البصمات، ذكرها القرآن الكريم في قول الله تعالى: «أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه» سورة القيامة - الآيتان 3 و4، وقد فسر ابن منظور في لسان العرب «البنان» بأنها بصمة الإصبع وقال: «هي أطراف الأصـابع مـن اليدين والرجلين».

 

ورغم ذلك يعود اكتشاف البصمة في العصر الحديث إلى جريمة غامضة في وقت لم تكن معروفة فيه، ففي يونيو من عام 1892، هزت جريمة أرجاء الأرجنتين حيث عثر على طفلين مقتولين داخل شقة أمهما، وتم استدعاء الشرطة في إحدى القرى بعد ما عثرت فرانشيسكا روهاس الأم ذات الـ 27 عامًا على طفليها في مشهد يدمى له القلب، لكن بسبب تلك الواقعة حدث تطو مرذهل في علم الأدلة الجنائية.

 

في ذلك الوقت، اتهمت فرانشيسكا صديق لها اسمه بيدرو فلاسكوز، بالمسئولية عن قتل نجليها مستدلة أنه هددها بقتلهما إذا لم تتزوج منه، ولم تكن هي إلا دقائق معدودات حتى تم إلقاء القبض على الرجل، لكن الغريب في الأمر أنه أنكر رغم أنه كان يعرف ما سيحدث معه ففي تلك الحقبة من الزمن كانت الوسيلة الوحيدة لنزع الاعتراف هي «التعذيب».

 

استخدمت الشرطة كل الطرق مع فلاسكوز من سحل وضرب والإيهام بالغرق، لكنه ظل مصرا على الإنكار برغم ما لاقاه من هول التعذيب الشديد.. وأضحى كل المحققين مذهولين بخاصة المحقق إدواردو ألفاريز المسؤول عن القضية، لأنه لم يسبق لأي متهم أن أنكر بعد كل ذلك التعذيب وكان يمكن للبريء أن يعترف ليتخلص من هول الموقف.

 

وما كان من المحقق ألفاريز؛ إلا أن فكر لبرهة واحدة فجانبه الصواب وحالفه التوفيق عندما قرر أن يزور مسرح الجريمة من جديد عله يجد دليلا ما، وبعد أن استغرق وقتا ليس باليسير في التفتيش، وقبل أن يهم بالرحيل، لاحظ وجود بقعة دم تحمل بصمة أصابع على إطار باب البيت، عندئذ قرر أن يعرف لمن تلك البصمة.

 

في ذلك الوقت لم يكن متوفرا أي تقنية لمعرفة البصمات في نهاية القرن الـ 19 ، ولكنه قرر المبادرة وقام بخلع الجزء الذي يحتوي على بصمة الدم من الباب لمقارنتها ببصمات فلاسكوز، ليكتشف أن المتهم بريء!!

 

استعان بخوان فوسيتتش، وأخذ نسخة من بصمات «فلاسكوز» العشرة ولكن كان التركيز على بصمة واحدة لمقارنتها مع البصمة اللي على الباب، و ابتكر «فوسيتتش» طريقة لتسهيل ترتيب بصمات الأصابع وهي طريقة مازالت تـُستخدم حتى اليوم هي طريقة أنماط البصمات، فالبصمات واحدة من ثلاثة أنماط؛ حلقات ومنحنيات ودوامات.

 

وقامت الشرطة باحضار فرانشيسكا روهاس، وفتحت تحقيقا معها فأصرت على أقوالها الأولى واتهمت «فلاسكوز»، لكن جال في ذهن المحققين الشك فاكتشفوا بعد مضاهاة بصماتها أنها هي القاتلة، فاعترفت أنها أقدمت على فعلتها، بأن «فلاسكوز» لم يكن صديقها الوحيد بل كان لديها صديق آخر وكانت تحبه بجنون ومستعدة لتنفيذ أي شيء ليبقى معها، ولما طلبت منه أن يتزوجها قال إن مشكلته الوحيدة معها هو وجود طفليها فقررت أن تتخلص منهما لتتزوجه.. فحكم على فرانشيسكا روهاس بالسجن مدى الحياة.

 

هل تتشابه بصمات الأصابع بين بعض البشر؟.. توصلت الدراسات الحديثة إلى أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق عند شخصين، حتى إذا أزيل جلد الأصابع لسبب ما فإن الصفات نفسها تظهر في الجلد الجديد، وقدر العالم البريطاني فرنسيس جالتون أنه لم تكن هناك فرصة واحدة لوجود بصمة مطابقة للأخرى بين 64 مليار نسمة، وهذا الرقم أضعاف سكان الأرض حاليا بحوالي عشر مرات.

 

ويذكر العلماء المتخصصون في علم البصمات، أن لبصمة الأصبع نحو 100 من الصفات والخصائص التي تحدد أشكالها ومواضيعها ولا يشترك شخصان في هذه الخصائص، وقد جمع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي أكثر من 175 مليون بصمة فلم يجد بينها اثنتان متشابهتان.

 

 

متى تتكون بصمة الإصبع؟

توصل معهد الدراسات والأبحاث والأدلة الجنائية في شيكاغو، إلى أن البنان يتم تكوينه وتسويته في الجنين في الشهر الرابع ويظل هذا التكوين ثابتا ومميزا له طوال حياته ويمكن أن تتقارب بصمتان في الشكل لكن لا يمكن أن تتطابقا تماما، فقد يشترك الأبناء مع الآباء في صفات جسدية ظاهرية أو في صفات أخرى داخلية وقد يكون الشبه قويا لدرجة يصعب معها أن نفرق بين أخوين توأمين.

 

ورغم أن البصمات تتكون في الجنين بالشهر الرابع، إلا أنها لا يطرأ عليها أي تغيير بعد الولادة، وتبقى مدى الحياة حتى بعد الوفاة إلى أن تتحلل الجثة، ولقد شوهدت بصمات أصابع واضحة في مومياء مصرية قديمة وفي أجسام قردة محنطة.

 

تترك البصمة؛ أثرًا لها عند التلامس بالأشياء نتيجة لما تفرزه الغدد العرقية الموجودة تحت جلد الأصابع والكفين من العرق، والذى تزيد كميته نتيجة الانفعال النفسي وهو أكثر ما يكون لدى مرتكب الجريمة، فبمجرد وضعه لإصبعه على سطح ما فإنه يترك أثر تلك التشكيلة الهندسية.

وتؤكد الموسوعة البريطانية، أن البصمات لا تتغير مع النمو وتقدم السن، كما توصل باحثون في جامعة ويلز إلى اكتشاف بصمات أصابع على أسطح معدنية تعرضت لدرجات حرارة تصل إلى 600 درجة مئوية، ونجح هذا الأسلوب مع معادن مثل الحديد والفولاذ والألومينيوم والزنك والنحاس بل حتى أنه فعال في التعامل مع الثنايا والتعرجات التي تتخلف عن عبوات طلقات الرصاص.

 

ليس هذا فحسب؛ بل إن الدراسات الحديثة أظهرت أن بصمات أصابع القدمين تختلف أيضا من فرد إلى آخر شأنها شأن بصمات أصابع اليدين، وتستعين مستشفيات الولادة بهذه الظاهرة المعجزة للتأكد من كل جنين وأمه.

 

يعتبر العدو الأول لـ«البصمات» هو التراب والرطوبة، فاكتشاف البصمات مسألة تعتمد على استخدام بعض التقنيات الفنية، مثل تسليط بعض أنواع الأشعة على الجدران والأسطح فتُظهرُ آثار البصمات التى يجب التعامل معها على وجه السرعة، ورفعها وفق الطرق العلمية السليمة.

ولعل البصمات على الأسطح الملساء لا تشكل تحدياً في التعامل معها من قبل الخبراء، لكن المشكلة هي في معالجة البصمات على الألواح غير الملساء، أو الكرتونات الخشنة أو الأجسام المغمورة بالماء، ففى هذه الحالات يتطلب استخدام ما يُعرف بـ«التطوير الكيميائي للبصمة» باستخدام بعض المواد الكيميائية التى تساعد فى إبراز البصمات ورفعها وهذه مهمة باحثين اختصاصيين، وغالباً يتم هذا العمل داخل المختبرات.