حديث الأسبوع

السؤال الحقيقى بقى بدون جواب

 عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

 عبدالله البقالى

الوصفة العلاجية التى عرضتها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة لمواجهة خطر نقص الغذاء فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب تداعيات انتشار فيروس كوفيد 19، تبدو وكأنها وصفة صادرة عن طبيب تخصص عام، لأنها اقتصرت على توصيات عامة يمكن أن تصدر عن أية جهة، بما فى ذلك الأشخاص المتابعون من بعيد لمًا يحدث.
فمنظمة الأغذية والزراعة توصى فى تقرير حديث صدر قبل أيام من اليوم، واختارت له عنوان ( كوفيد 19 وآثاره على الأمن الغذائى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كيف تكون الاستجابة ؟ ) بضرورة الاعتماد على ما سمتها ستة مجالات عمل يجب على الحكومات التركيز عليها لوضع خطط الأمن الغذائى وتنفيذها، وحددتها فيما يلى :
1- ضمان استمرارية سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية.
2- ضمان التنسيق والتشاور المؤسسى مع جميع الجهات الفاعلة فى سلسلة القيمة الغذائية، مع تنفيذ التدابير الصحية لوقف انتشار كوفيد 19.
3- حماية الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم والفئات الضعيفة بما فى ذلك المزارعون.
4- دعم صغار المنتجين والشباب الريفيين وتشجيع الابتكار.
5- تعزيز النظم الغذائية الصحية أثناء الجائحة وبعدها.
6- دعم العمل الجامعى الإقليمى لحماية المتضررين من الأزمات فى المنطقة.
طبيعى القول بأنه لا نحتاج إلى جهد كبير لمحاصرة كل هذه التوصيات برزمة كبيرة من الأسئلة المتعلقة بفعاليتها ومصداقيتها وبقوتها على مواجهة التحديات الكبيرة التى تواجهها المنطقة قبل الجائحة، والتى زادتها هذه الأخيرة حدة وقوة،ذلك أن الإشكاليات الحقيقية التى تطرحها الظروف الصعبة التى تجتازها المنطقة لا تقتصر، إن لم تكن لا ترتبط أساسا، بما ذهبت إليه وصفة منظمة الأغذية والزراعة، من عموميات وتوصيات فضفاضة تصلح فقط لصياغة التقاريرالتى يكون مصيرها الرفوف، بل إن الإشكاليات الفعلية المرتبطة بهذا الشأن تهم بالأساس مناهج وسبل العمل لتحقيق هذه الأهداف والغايات.ولذلك ليس مهما القول مثلا بحماية الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم والاهتمام بالفئات الضعيفة والهشة، ولا بدعم صغار المنتجين والشباب القرويين، ولا بتعزيز النظم الغذائية الصحية، ولا بحماية المتضررين من الأزمات فى المنطقة، لأن كل هذه التوصيات مجرد تعابير عامة يمكن لأى طالب جامعى أوأقل منه، أن يستفيض فى سرد أمثلة كثيرة لها، بل الأكثر أهمية من ذلك وغيره هو أن يتضمن تقرير أهم منظمة عالمية مكلفة بقضايا الغذاء والزراعة وصفة علاجية فاعلة ودقيقة للأمراض المزمنة المتعلقة بأوضاع الغذاء فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أى أن ترسم هذه المنظمة خارطة طريق واضحة المعالم تضمن تجسيد تنفيذ حقيقى لهذه التوصيات، أى أنها مطالبة بالجواب الصريح والواضح عن كيفية إخراج هذه التوصيات الجذابة من التنظير إلى أرض الواقع المعيش.
ولعل منظمة الأغذية والزراعة تعلم قبل غيرها أن أعداد الذين يعانون من المجاعة فى هذه المنطقة يقارب 55 مليون فردا من مجموع سكان يصل إلى حوالى 660 مليون نسمة، وهذا يعنى أن حوالى 8 بالمائة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعانون من المجاعة، وإذا كانت النزاعات الحادة والمسلحة فى بعض بلدان المنطقة تفسر انتشار هذه الظاهرة، إلا أن الأهم فى هذا الصدد يكمن فى أن 14 مليون شخص جائع فى هذه المنطقة، يوجد خارج الدول التى تعيش النزاعات. وتضاف إلى أعداد الجائعين فى هذه المنطقة حشود أخرى من الأفراد الذين يواجهون خطر نقص التغذية والتى تقدرأوساط رسمية أعدادهم بأكثر من 31 مليون شخص.
إن هذه المعطيات والحقائق تكشف عن وجود اختلالات عميقة جدا فى منظومة الأمن الغذائى فى هذه المنطقة، دون أن تكون جائحة كوفيد 19 مسئولة عن ذلك، بل إن هذه الاختلالات تعود بالأساس إلى أسباب ترتبط بنظم الحكم، وبطبيعة علاقات التعاون القائمة بين حكومات الدول العربية، وإلى سلاسل الإنتاج والإمداد المعمول بها، وأساسا إلى طبيعة الاختيارات الاقتصادية المعتمدة من قبل هذه الدول، والتى تجعل القرار الاقتصادى السيادى الوطنى مرتبطا أشد وأقوى الارتباط بالقرار الخارجي، اختيارات تفرض الإبقاء على الميزان التجارى فى الدول العربية فى حالة ميل كبير لفائدة القوى الاقتصادية الخارجية.
السؤال المحورى الذى كان يجب على تقرير هذه المنظمة الدولية أن يساعدنا على صياغة جواب مقنع عليه، يتمثل فى أن جميع دول المنطقة سارعت إلى مواجهة السرعة المذهلة لانتشار وباء كورونا باتخاذ تدابير استباقية واحترازية مهمة فى الجزء الغالب منها، حيث نجحت إلى حد بعيد فى محاصرة انتشار هذا الوباء، والتقليل جهد الإمكان من الخسائر البشرية، وتفطنت كثير من هذه التدابير إلى التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار هذا الوباء، واتخذت فى هذا الصدد إجراءات مساندة هامة من قبيل خلق صناديق دعم، وإسناد المقاولات، لأن هذه الحكومات بقدر ما كانت مطالبة باتخاذ تدابير لمواجهة انتشار الوباء، كانت مجبرة أيضا على اتخاذ إجراءات موازية تقلل وتضعف الغضب الشعبى الذى كان سيترتب عن الأضرار الكبيرة التى طالت الفئات الهشة، التى فقدت وظائفها، وانقطعت أرزاقها التى كانت تحصلها من عملها فى كثير من القطاعات غير المهيكلة، ومما يمكن أن نسميها بمصادر رزق المحصل من الهامش ومن العشوائيات، والسؤال المحورى الذى يتطلب جوابا عاجلا، وكنا نأمل من منظمة دولية فى حجم ( الفاو ) أن تسعفنا فى صياغة جواب له، هو: هل لجميع حكومات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا القدرة على الإبقاء عن هذه التدابير الاجتماعية لفترات طويلة جدا مما يساعد على تجاوز هذه المرحلة الكثيرة الاضطراب والمخاطر ؟ أم أن مخزون التحمل لن يتجاوز أشهرًا قليلة، إن لم تقتصر المدة على مجرد أسابيع، ومن ثمة فإن الحديث عن المصير المجهول سيصير مشروعا ؟
فما هو مؤكد لحد الآن، أن تداعيات انتشار وباء كورونا ليست محددة فى المدى الزمني، وبذلك فإن المخاطر الحقيقية قد تكون لا تزال فى مرحلة الحمل والتبلور، وهو ما لا يمكن لحد الآن من الرؤية الواضحة للزمن القادم.