وعينا الغائب

لا يختلف اثنان على أن مشكلة مصر الأولى الوباء وأخطاره

يوسف القعيد
يوسف القعيد

لا يختلف اثنان على أن مشكلة مصر الأولى الوباء وأخطاره. سواء للأفراد أو الجماعات أو المصريين أو النشاط الاقتصادى. عندما دهمنا فى يناير قال لنا العلماء إن عدوه الحرارة. وما إن ترتفع حرارة الجو حتى تصبح خط الدفاع الأول. وربما أوصلتنا لهزيمته.
ولكن ها هى الحرارة توشك أن تتعدى الأربعين. وكلما تجاوزت الثلاثين طمأنت نفسى. وقلت إن جاءت الحرارة خرج الوباء مطروداً. وأصبح مجرد ذكرى أيام مضت ولن تعود. لم تترك لنا سوى آلامها ومن رحلوا بسببها ومن أصابهم الوباء وشفيوا ومن لم يكتب لهم الشفاء.
أعداد المصابين والشهداء فى حالة صعود. كأنه سباق. لا تعرف سوى الارتفاع والصعود. مما جعل ألغاز الوباء تضاف لها متاهات الأرقام التى تتصاعد يوماً بعد يوم. ويبدو ألا حل لها. فلا هى تثبت بالمدى الذى وصلت إليه. ولا هى تتراجع وتقل.
لا أستطيع أن أنصح القارئ بما عجزت عن القيام به. لا أقول له إنسى الوباء. لا أنصحه بنسيان خطر الموت. وقبل الموت الإصابة التى تعنى نقل المصاب لمكان العزل. وهذه الأماكن أصبحت عزيزة المنال. العثور على سرير أمر يوشك أن يصبح من مستحيلات هذا الزمان. والنصيحة التى يسمعها المصابون: إعزل نفسك فى بيتك، فذلك قد يكون أكثر أماناً.
أعود للمربع رقم واحد الذى أحاول الهروب منه. ألا وهو الوعى. ولأشرح لنفسى أولا. فليس كل من يدركون الوعى نجوا من الوباء. سواء حسب المستوى الاقتصادى للناس أو مستوى الإدراك والثقافة. الكل معرض للخطر. ولكن من يدركون الأمور هم أقل الناس إصابة بالوباء. طبعاً أعترف أن عدداً كبيراً من الأطباء الذين نسميهم بالجيش الأبيض وهو تعبير صائب ودقيق جداً أصيبوا. والبعض منهم استشهدوا. لذلك فإن أهم ما يطرحه علينا الوباء أنه لا قاعدة له.
أعود وأقول لنفسى: ستظل معركة الوعى والإدراك معركتنا جميعاً. وأيضاً تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية. واعتبار أن مصالح مصر العليا أهم من مصالح الأفراد مهما كانوا. أكتب هذا رغم أن كتب التاريخ تقول لنا أنه فى أزمنة الأوبئة والفياضانات والحروب والأمراض والحرائق. فإن كل فرد قد يصحو من نومه وهو يقول لنفسه: أنا ومن بعدى الطوفان. ولا يدرك أن  هذه يمكن أن تأخذه حتى الطوفان.
ربما تقول لى ومعك الحق أنت تتكلم عن الوعى وكأنك لا تحيا معنا. ولا تعرف مشاكلنا. وتسألنى وأسأل نفسى: هل يدرك الأميون الأخطار التى يتحدث عنها الأطباء؟ هل يبتعدون عن أماكن الزحام؟ هل لا يرتادون الأسواق الشعبية؟ هل يقضون فى منازلهم أكبر وقت من حياتهم؟ أم أن الهروب للشارع أهم 100 مرة من البقاء فى البيت؟.
ثم السؤال الأهم والأخطر هل يرتدون الكمامات؟ أكثر ما يهز فؤادى تجاه الوعى هو ما أسمعه من الكلام الطائر من الناس. أن ما يجرى لنا مشيئة الله. والمكتوب على الجبين لا بد أن تراه العين. وأقول لهم إن الله سبحانه وتعالى هو الذى أوصانا بالحذر والحيطة والحرص على الحياة. الذى هو أعظم ما وهبه الله لعباده.