يلهمها الوجوديون وترى النقد المغربي محابيًا..

حوار| الشاعرة المغربية نوال شريف: تقمصتني أفعى وكنت بحاجة إلى أن أغادر جلدي

الشاعرة المغربية نوال شريف: تقمصتني أفعى وكنت بحاجة إلى أن أغادر جلدي
الشاعرة المغربية نوال شريف: تقمصتني أفعى وكنت بحاجة إلى أن أغادر جلدي

عبد الوهاب الشيخ

تأثرت بثقافتين شكلتا وجدانها الفني والأدبي، المصبوغ بهالة صوفية طيبة، فبحث عن الإجابات منذ طفولتها، وجسدت نفسها في الحشرات والحيات لتصل إلى حقيقتها، لتخرج لنا بجوابها قائلة "سيئة أنا".

واستطاعت الشاعرة المغربية نوال شريف، أن ترى الحركة النقدية في المغرب العربي بشكل مختلف، وتأثرت بوجوديون.

وحول الشعر والفن والمشهد الثقافي في عالمنا العربي عامة والمغرب خاصة دار معها هذا الحوار :

ــــ لماذا اخترت الشعر كشكل فني تعبرين من خلاله أو لماذا اختارك؟

لم أختر الشعر أبدا، كنت طفلة ربما طفلة بشكل مضاعف من الدهشة والسؤال. يمكن أن أقول إنني اخترت السؤال لكنه تحول إلى كلمات تشبه الشعر. إنها مسألة تحول لم افهمها إلى حد الآن .

ــــ القصيدة لديك لا تعتمد على الفخامة اللغوية أو المشهدية قدر استبطان الذات واستكناه العالم بكلمات بسيطة في نوع من الحدس الصوفي ربما .. إلامَ يرجع ذلك من وجهة نظرك ؟

هل ترى أنه احيانا نحتاج إلى لغة عظيمة لنرسل دعوة إلى السماء؟ نحتاج فقط أن نرسل إحساسنا القوي حينها ورغبتنا في الوصول .

أؤمن بالإحساس الذي يتغذى من الغوص في باطن الأشياء .

ــــ ماذا بعد ديوانك الأول "سيئة أنا" ؟ وهل سبب العنوان الذي قد يبدو صادمًا  للقارئ العربي مشكلة في تلقي نصوصه ؟

سيئة أنا مجموعتي الشعرية الأولى، والأول دائما متميز في حياتنا كالنجاح الأول كالحب الأول كالمولود الأول دائما ما يكون مقرونًا بوجع ما بتحدي ما برغبة ما . سيئة أنا جاء هكذا حاملا معه وجع وجودي فطري ، ربما تضخم داخلي لأسباب حتى تكونت أشباح من الأفكار التي ترهقني كل ليلة وتسرق مني راحتي ونومي .. فكنت أكتبها حتى أتعرف على ملامحها ، كما يقول المثل: أول خطوة لتهزم عدوك هو أن تتعرف عليه. كما كان بالنسبة لي أيضا تحدٍّ لنفسي من الخوف، هل تظن أنه سهل أن تخرج عملاً إلى العالم فأنت تظهر جزءًا حساسًا من وجودك للآخر، والرغبة التي كنت أملك حينها هي التخلص من الكتابات التي كانت تحمل ملامحي في كل يوم من الأيام التي مضت.. هل تعلم هناك حيوانات وحشرات كثيرة تتقمصني وفي تلك المرحلة تقمصتني أفعى وكنت بحاجة إلى أن أغادر جلدي.

بالنسبة للقارىء والعنوان أنا لم أفكر في أن يفهم ما أكتب أو لا لأني بكل صدق كما قلت سلفًا لم أخرج نصوصي ليقرأها أحد وإنما لأشعر أن روحي خالية من الأسرار . بالنسبة للسوء الإنسان مادام حيا فهو مقرون بأن تلفق له تهمة السوء في مناحيه المختلفة.

بعد سيئة أنا أصدرت مسرحية "دوار الفلامينكو" ودراسة كانت بدعم من قطاع الثقافة حول قصائد الفن التراثي "اعبيدات الرما " تحت إشراف بعض الدكاترة المهتمين بالمجال إلى جانب المديرة الإقليمية للثقافة .

ــــ المغرب باب من أبواب التصوف الكبرى ومنشأ العديد من الأقطاب المعروفين كالشاذلي والبدوي وغيرهما ... ما علاقتك بالتصوف قراءة وسلوكًا؟

صحيح، لكني أفكر أن يكون التصوف فكرة فردية أكثر منه جماعية، أن يتكون التصوف ويكبر بشكل فطري داخلنا وأن يكون حرًا خارج الزوايا والتقديس لأسماء معينة .

أن يكون تصوفا حيا يمشي عاريًا لكن لا يظهر عريه.

كيف ترين النقد في المغرب وما مدى متابعته للحركة الأدبية عامة والشعرية على الخصوص ؟!

لا أعرف هل أنا (متشائمة) أم الواقع هكذا، أرى أن هناك كتاب مغاربة يكتبون بنظرة جديدة أفكارا متميزة جدا وأعمالا لم تأخد حقها بسبب واقع النقد حاليا، أصبح الناقد محابيًا وأحيانًا يصير عشيقًا أعمى لبعض الأسماء لأسباب عدة لا يسعني ذكرها .

فالناقد يتطلب أن يكون قارئًا أكثر من الكاتب، لكننا نعرف جميعا واقع القراءة هنا، مع ذلك هناك نقاد أعتبرهم حقيقين لكنهم معدودون على الأصابع.

ــــ أرى أن السينما والفن التشكيلي يشغلان حيزا كبيرًا من اهتمامك .. ماهي علاقتك بالفنون الأخرى ؟

نعم، في الحقيقة أنا عاشقة للفن بشكل عام وإذا كانت هناك إمكانية في أن أولد أكثر من مرة فأنا أتمنى أن أن اكون فنانة في كل ولادة ولا يهمني اذا كنت سأعاني كما يعاني أغلب الفنانين ولكن سأكون سعيدة لأني أستطيع أن أصنع أشياء وأبتكر أشياء ،هذا الشعور يجعلني أشعر بتجلي الطبيعة وتجلي الطبيعة هو تجلي للألوهة.

عندما كنت تلميذة في الإعدادي كنت أرسم وكان أستاذي في مادة الرسم الأستاذ "الهتهوت" الذي أتمنى أن يكون بصحة جيدة وهناء دائمًا، كان في كل حصة يحضر لي الصباغة وأوراق الرسم كان يقول لي أومن انك ستكونين فنانة كبيرة ولن أخفيك سرًّا أني كنت أشعر بالعظمة حينها إلا أني خيبت أمله بعدما التحقت بالمدرسة الثانوية حيث وجدت نفسي منغمسة في دروس الفلسفة التي وجدت فيها حينها مجالاً رحبًا لطرح أسئلتي ، وأذكر أنه شعر حينها بخيبة أمل عندما زرته وأنا في السنة الأولى بكالوريا لأخبره أني فزت بجائزة شعر وطنية للشباب لكني أتفهم شعوره حينها ، وبسبب خيبة الأمل هذه اشتغلت على عمل أي عملي الأول الذي كان عبارة عن بحث يحمل عنوان "الجسد في الفن التشكيلي ثورة أم عقدة" وكان هذا العمل إهداءً لمعلمي الذي خيبت ظنه.

بالنسبة للسينما فهي امتداد حي للأفكار والصور والحالات النفسية، نحن جميعا نعيش السينما ونتصورها لكن بركة الانجاز السينمائي الحقيقي لم تعطَ للجميع.

وهل كان لعملك في مجال الإعلام الثقافي تأثير على نصوصك ومشروعاتك الكتابية بوجه عام ؟

أما بشأن تأثير عملي في الإعلام الثقافي فقد بدأت الاشتغال في مجال التنشيط الإعلامي كمتدربة منذ 16 سنة، وكان هذا وقتا كافيا نسبيا لأعيش مواقف عديدة ومختلفة وأن أصادف أكثر من شخصية وأكثر من نفسية وهذا ربما جعلني أكثر قدرة على التواصل مع الآخرين وفهمهم بكلمات قليلة جدا .

أيمكن أن أقول إني فزت بشخصيات مكنتني من كتابتها في تصوراتي المسرحية سواء في "أدوار الفلامينكو" أو في أفكار مستقبلية.

كما أنه قريبا ستعرض بعض الأعمال السينمائية القصيرة التي كتبت لها سيناريوهات مستوحاة من شخصيات حقيقية صادفتها مع إضافات من خيالي الذي ينزلق كزئبق من بين يد الواقع .

ــــ من هم الكتاب الملهِمون بالنسبة لك؟

هذا سؤال صعب، أجده صعبًا دائما لكن يمكن أن أقول أن الكتاب الوجودين هم أكثر من يلهمونني، وقد يبدو غريبا أن أقول لك أنه أحيانا قد يلهمني مترجم أكثر من كاتب، مثل "سورين كيركجارد"، وفي المسرح "صمويل بيكيت" هو الأقرب إلى روحي والروائية "فرانسواز ساغان"

ويذكر أن نوال شريف شاعرة المغربية ومعدة ومقدمة لقاء "حديث الخميس "الفكري الأدبي، ومؤلفة فرقة "منيرفيا" المسرحية، شاركت في إصدار ديوان جماعي "اخي رن" عن منشورات بيت المبدع سنة 2015

كما صدر لها دراسة "الجسد في الفن التشكيلي ثورة ام عقدة "سنة 2017 وديوان شعري عام 2018 تحت عنوان "سيئة انا"، ومسرحية دوار الفلامينكو سنة 2019 ، ودراسة في مجال التراث "خط الرما المطرز" حول الفن التراثي "اعبيدات الرما" 2019.