يوميات الأخبار

يوم رأيت الأسود تعبر القناة أفواجاً

علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب

جاءت الإجابة قاطعة من كلمة واحدة: عبرنا.
إنه الزحف العظيم، الكل فى واحد، ينصهرون فى جبهة واحدة، التحم الشعب بجيشه.

الأحد ١٠ رمضان:
للإنسان أكثر من تاريخ ميلاد!
أول التواريخ ذاك المدون فى الأوراق الرسمية، ولا اختيار لك فيه.
ثمة أيام أخرى تراها أهم بكثير، فيها تشعر وكأنك تولد من جديد، تنشأ نشأة أخرى، تُخلق خلقاً مختلفاً.
العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر ١٩٧٣ أحد تلك الأيام الفارقة لا فى حياتى أو حياة جيلى، وإنما فى تاريخ الأمة والوطن.
أتذكر تفاصيل التفاصيل فى هذا اليوم، وما تلاه من أيام مجيدة، لحظة كاشفة لجوهرنا، أعادت للأجساد أرواحها السليبة التى سُرقت قبل ٦ أعوام.
كان يوم سبت، لا يميزه عن غيره شيء، انتهى اليوم الدراسي، بين المدرسة والمنزل أقل من ٥ دقائق سيراً على الأقدام، نمشى ونحن نتجاذب اطراف الحديث، وفجأة انطلقت الأصوات من كل صوب، ربما تحاكى آلاف الاسود من مقاتلينا، وألفى مدفع تزأر بطول الجبهة، هتاف كالعاصفة:
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.
كل المحلات والمقاهى رفعت صوت المذياع، بانتظار بلاغ جديد، بعد البلاغ الأول.
سألنا أول من صادفنا: ماذا حدث؟!
جاءت الإجابة قاطعة من كلمة واحدة: عبرنا.
وصلت منزلى، تسمرت أمام المذياع لأجد تفسيرا لما يحدث، دقائق معدودات، وأعلن البلاغ الثانى عن قيام تشكيلاتنا الجوية بقصف قواعد العدو وأهدافه العسكرية فى الأراضى المحتلة، وتوالت البلاغات لتكشف الحقيقة الساطعة التى قرأتها القلوب والضمائر منذ لحظة إعلان البلاغ الأول: نسور مصر وابطالها الأسود من جميع الأسلحة يعبرون القناة أفواجاً.
إنه الزحف العظيم، الكل فى واحد، ينصهرون فى جبهة واحدة، التحم الشعب بجيشه.
ومن الراديو الى شاشة التلفاز حيث علم مصر يرفرف فوق سيناء الطاهرة مرة أخرى. إنها اللحظة التى انتظرناها على أحر من الجمر، لنصل ما انقطع من تاريخ البطولة والمجد، ولا نتوقف فقط مستشهدين بما صنعه الأجداد، الآن نصنع المستقبل لا بالعرق، وإنما بالدم الطاهر، والنار التى تحرق المعتدى، وتعيد الحق لأصحابه.
سقطت خرافة الجيش الذى لا يقهر، قطعنا يده الطولى، قلبنا ميزان القوى لصالحنا، أكدنا- بالفعل- أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وان ارادة الرجال بالقتال تفرض شروطها على العدو والصديق.
تكفينا عند الإفطار شربة ماء بارد، وقليل من الزاد، ومثله فى السحور، نكهة الفرحة والفخر تروى وتُشبع، لا حاجة للعصائر بأنواعها المعتادة، ولا لمائدة طعام عامرة، السعادة الغامرة وحدها تكفى إفطاراً شهياً.
لا أقول إنى استعيد تلك الأيام التى أعقبت العاشر من رمضان، فلم تغب عنى لحظة رغم مرور ما يقرب من نصف قرن من الزمان، لا أنسى ملامح يوم العبور، وما تلاه لاستكمال المهمة المقدسة.
تدهشنى دهشة العالم من زلزال المفاجأة، وتغمرنى خيلاء ازاء سقوط القناع الزائف من صلف العدو وغروره المدعي، وتعلو بى لعنان السماء مشاهد المعارك لا على ارض سيناء فحسب، وإنما على الجبهة السورية فى الجولان، وضربات المقاومة الفلسطينية للعدو من جنوب لبنان وفى داخل الاراضى المحتلة، ومشاركة وحدات من جيوش عربية من المحيط الى الخليج الى جانب مصر وسوريا، ثم دخول سلاح البترول لساحة الحرب، إنها حرب تحرير عربية لا ريب.
لا أروع من مشاهد الأسرى بالمئات، ثم انباء توغل جنودنا بعرض سيناء، ليفقد العدو توازنه تماما.
لم يكن الجندى وحده فى الميدان يكتب بطولاته بالنور والنار والدم، فثمة تناغم فى الجبهة الداخلية تجلياته عديدة، مراكز التبرع بالدم تعانى من زحام يبدأ مع أول خيط من النهار، المواطنون والهيئات تتدفق تبرعاتهم لصالح المجهود الحربى للاكتتاب فى سندات الجهاد، أخبار الجريمة اختفت من تبويب الصحف، ملاهى شارع الهرم اغلقت ابوابها، قاعات التدريب على أعمال الاسعاف والدفاع المدنى والانقاذ امتلأت بالمتطوعين، وكتائب الشباب لخدمة المعركة طوابير تنتظم، لها بداية وبلا نهاية.
.....و.... ومشاهد تظل محفورة فى الذاكرة تُكتب بحروف من نور، اطارها خيوط من ذهب، نسطر تاريخاً جديداً لميلاد الوطن، وكل مواطن على ارضه عاصر تلك الأيام المجيدة.
ما حييت لن أنسى ما سمعت ورأيت فى أجمل أيام العمر، يوم ولدت من جديد.
اللواء راضى عبدالمعطى.. أغيثونا
الإثنين ١٨ رمضان:
لو لم يتكرر ما سمعت، ما كنت لجأت لجهاز حماية المستهلك، وقلت: بحق الشهر الكريم نجنى يارب من ظلم شركة مياه القاهرة الكبري، لأن يقينى أن الدعاء على الظالم فقط قد يدفعه لمزيد من الظلم، ولا يعنيه عقاب الآخرة، بمنطق لكل حادث حديث!.
المشكلة عامة، واسعة النطاق، لا تخص عميلاً أو منطقة لكنها على حد زعم موظفى خدمة العملاء: التعليمات فإذا تعذرت القراءة، أو لم يستطع الكشاف المرور يتم ربط مبلغ ٨٣ جنيها على العميل دون أن يحق له التظلم أو الاعتراض!
الغريب أن موظفا سبق أن طلب تصوير العداد على المحمول لتوثيق القراءة فى نفس يوم التوجه للشركة، ورغم الالتزام بما طلبه، وكان الفارق لا يتجاوز الثلاثة امتار مكعبة، بين المثبت فى آخر قراءة فعلية، والموقف الحالى إلا أن الكمية تم ضربها فى عشرة، وتوالى تكرار المهزلة تنفيذا للتعليمات!!.
الأكثر غرابة افادة الموظف المكلف بخدمة العملاء- اقصد تعذيبهم - بأن القراءة المسجلة فى ابريل لن يستفيد منها المشترك إلا فى اغسطس، طبعا فزورة وربما نكتة سخيفة، وعندما تسأله: وهل يتم بعد ذلك التسوية فى ضوء الفارق الهائل بين الاستهلاك الفعلى والمبالغ المحصلة على مدى ٧ شهور فيؤكد: أن لا! ناسياً ان الاصل ان المستهلك يدفع من ماله مقابل خدمة فعلية، لا الاستسهال وفرض متوسط عام برقم موحد على الجميع!
حين قصصت لبعض المعارف والاصدقاء ما حدث، أكدوا انهم ضحايا مثلى تماما، وان ما سمعته بالضبط كان ما ألقاه موظف هنا، وآخر هناك، وكأن الكلام مسجل على «ريكوردر».
فيما سبق كان احتساب المتوسط حال عدم القراءة  لأى سبب يكون قياساً على قراءات فعلية سابقة، ولا يتجاوز اجمالى الفاتورة العشرين جنيها، فى أكثر الاحوال تعسفا، لكن مضاعفة الرقم بأكثر من أربعة اضعاف دون أى منطق، ولا يكون أمام العميل إلا الاذعان والدفع، أو الرفض وقطع المياه، عن سكنه، فإن الاختيار هنا يكون بين الأسوأ والاشد سوءا!.
أما اللجوء للشركة عبر الخط الساخن، المخصص لتلقى شكاوى العملاء، فإنه رابع المستحيلات ولم يعد أمام ضحايا تعسف واستغلال شركة مياه الشرب إلا للجوء للواء راضى عبدالمعطى رئيس جهاز حماية المستهلك، لعله يدفع عنهم هذا الظلم البين، والتعسف الشديد إزاء من يحترفون توزيع الظلم بالعدل، أو هكذا يتصورون ويتصرفون!
أغثنا يا سيادة اللواء.
الكمامة.. حديث الساعة
السبت ٢٣ رمضان:
عناوين الصحف، وشريط الأخبار، ورسائل sms تبشر بفرض غرامة مالية لعدم ارتداء الكمامة الطبية، وبالقانون.
لا أعتراض، ولا يمكن لعاقل أن يتحفظ أو يمتنع عما فيه أمانه وسلامته، ولكن.
إذا أردت ان تطاع أؤمر بالمستطاع، إن إلزام المواطن بإرتدء الكمامة يعني- بالضرورة- أن يتوافر أمران، الأول توافرها فى الاسواق بسعر معقول، والثانى القدرة المالية لكل من عليه ارتداؤها.
منذ اشتدت الجائحة، تواصل معى معارف واصدقاء بطلب وحيد: ألا يمكن أن تساعدنى فى توفير كمامات وبأى ثمن؟!.
ادهشنى الطلب، لكن دهشتنى زالت سريعا عندما عانيت بنفسى من عدم توافرها، فإن توافرت- وهذا نادر الحدوث- فتكون بإسعار مغالى فيها كثيراً.
مع صدور القانون الذى يعاقب على عدم ارتداء الكمامة، وبدء تفعيل خطة التعايش مع كورونا، فإن الكمامة سوف تصبح سلعة استراتيچية- دون أدنى مبالغة - من ثم فإنه لابديل عن زيادة المعروض لخفض السعر، وخنق السوق السوداء للكمامات، فضلاً عن تشديد الرقابة على المطروح فى الاسواق حفاظاً على صحة الناس، ممن لا ضمير لهم أولئك الذين يصنعون الكمامات فى «بير السلم» والادهى المغالاة فى اسعارها وكأنها اصلية لا مضروبة!
الاصل ان القانون يسن لخدمة المجتمع لا العكس، من ثم فإننى اتصور إصدار تكليفات حكومية مُلزمة للمصانع المؤهلة لانتاج واسع النطاق للكمامات، بتخصيص خطوط انتاج تضخ الكميات اللازمة لتغطية احتياجاتنا الفعلية، ثم توزيعها بضوابط، والرقابة على بيعها بشكل صارم.
أتصور- ايضا- ان تقوم بعض المؤسسات القادرة بتوزيع كمامات مجانا - أو بسعر رمزى - على العاملين فيها، بل والمتعاملين معها، ولعل المجتمع المدنى يكون صاحب دور ايجابى بدعم مبادرات هذه المؤسسات لاسيما التى تتعامل مع الجمهور يومياً.
قبل توقيع العقوبة، لابد أن يكون متاحاً لمن يجب عليه ارتداء الكمامة الوصول اليها، ثم القدرة على شرائها، ثم كيف يكون الحساب عادلاً قبل أن يكون رادعاً دون ضمانات كافىة خاصة ما يتعلق بالمواطن محدود الدخل، وقبل أن يصبح التطبيق معضلة فى ظل عدم توافر الكمامات بالاعداد المطلوبة، وبالسعر المعقول، وحتى لا نضع العربة أمام الحصان.
ومضات
> مأساة أن تصبح الأمانى مجرد أشياء للذكرى.
> قرار بلا مناقشة، مشروع لفشل محتمل، وأحياناً مؤكد.
> أبشع مؤامرة تلك التى تستهدف تبديد الأحلام.
> لذة البوح لا تتأتى إلا بحديث الروح للروح.
> ثمة حناجر تطلق أصواتاً أمضى من الخناجر!
> من يتدثر بالمحبة.. يتزمل وداً وحناناً
> الوحدة القاتلة قد تتجلى حين تزورك الوحشة فى قلب الزحام.
> فى العلاقة بالماء، البشر ثلاثة: رمل، طمي، وأسفنج.