البدرى فرغلي: شاركت فى المقاومة الشعبية وعمرى ١٨ عامًا

جانب من الحوار
جانب من الحوار

هو صاحب شعبية كبيرة، وتاريخ وطني مشرف بدأه بالمشاركة فى المقاومة الشعبية وعمره ١٨ عاما ، هو أيضا صاحب خبرة سياسية  طويلة كنائب بورسعيدى لأربع دورات متتالية حظى خلالها باحترام البرلمان..حتى حمل لقب زعيم المعارضة الشعبية..كصاحب أقوى الاستجوابات وأكثرها عددا.

وحين ترك البرلمان خاض معركة اخرى طويلة للمطالبة بحقوق أصحاب المعاشات، من خلال رئاسته لاتحاد أصحاب المعاشات،  حتى انتصر  لهم الرئيس السيسى وأنصفهم.

هو المناضل البورسعيدى والنائب السابق البدرى فرغلى، الذى أعطى درسا فى المطالبة بالحق بالأسلوب السلمى القانونى ، وبمنتهى الوعى، وبحرصه على دراسة القضية بكل ابعادها والاستمرار فيها بالاساليب المشروعة، ليؤكد فى النهاية انه لا يضيع حق وراءه مطالب. 

.......

ولدت فى بورسعيد ١٩٤٧، من اسرة تحت خط الفقر، والدى كان عاملا بالشحن والتفريغ فى الميناء،ولدى ستة أخوة، وبعد حصولى على الابتدائية تركت الدراسة وعملت بالشحن والتفريغ مع أبى لأساعده فى نفقات البيت،ولم اعرف طوال طفولتى وشبابى معنى الترفيه، لكنى كنت اهوى القراءة،وكنت أؤجر الكتب من الكتبة،لأقرأها ثم أعيدها، لأنى لا أملك ثمنها، وقد قرأت كتب التاريخ،وكل ما كتب عن الثورة الفرنسية لاعجابى بها.

.........

هذه الحياه القاسية هى التى خلقت داخلى روح التمرد والنضال بحثا عن الحقوق،كنت اكره الفقر، واشعر اننا نستطيع قتل الفقر بالحقوق والواجبات وهو ما جعل زملائى يلتفون حولى،ويستأمنونى على مشكلاتهم،كما أننى كنت العامل الوحيد الذى يقرأ ويكتب، وهو ما جعلهم يشجعونى على ترشيح نفسي لنقابة عمال الشحن، وكنت دائما صادقا معهم وأمينا على مشكلاتهم وهو ما جعلنى نائبا للنقيب ثم نقيبا على مدى ٣٠ عاما.

......... 

عشت روح الحرب ببورسعيد بدءا من العدوان الثلاثى،حينما كان عمرى ٩ سنوات وكنت أتدرب لكنى لا احمل السلاح، وفى سن ١٨ عاما كنت عضوا قياديا بالمقاومة الشعبية،ولم اترك السلاح الا بعد انتصارنا فى أكتوبر، وخلال الاستنزاف كنت حكمدار جماعة داخل فصيلة،ومجموعتى تضم عشرة أفراد، وشاركت فى اعمال عسكرية كثيرة،منها المشاركة فى يوم الدفاع الجوى من خلال فريق السد النارى الذى يتصدى للطيران المنخفض،كما شاركت كثيرا فى التصدى لعمليات الإبرار الجوى للطائرات الاسرائيلية.

.........

فى أحد الأيام كان الظلام كثيفا، لكننا شعرنا بأصوات خافتة، ورأينا طائرة منخفضة،فوضعنا آذاننا فوق الأرض، وتأكدنا من الأصوات، وأن هناك محاولة ابرار جوى،فطلبت من مجموعتى رغم الظلام أن نستعد لاطلاق النار دفعة واحدة بشكل متواصل،وبالفعل فتحنا النار مرة واحدة،حتى هربت الطائرة، ومع ضوء النهار اكتشفنا إننا أصبنا عددا من الجنود ونجحنا فى افشال عملية الإبرار الجوى. 

......

زملائى بالشحن كانوا أيضا وراء دفعى للترشيح فى البرلمان،وهم الذين تولوا عمل الدعاية لى والانفاق عليها بقروشهم القليلة فى مواجهة المنافسين المليونيرات،فكانوا يصنعون لوحات الدعاية من الصاج بعد رشه بالبوية.

........

حينما نجحت اول مرة فى انتخابات البرلمان ١٩٩٠، أخذنى احد أصدقائى لشراء حذاء جديد، لسوء حالة حذائى،وخلال عودتى، قابلنى أحد معارفى وفوجئت به ينظر لحذائى ويسألنى، انت اشتريت حذاء جديد؟، منذ هذه اللحظة أدركت أن الناس تضع المسئول أو النائب تحت عيونها وتراقب كل تصرفاته، وقررت من وقتها ألا أنفصل عن الناس، وأن أعيش مثلهم ووسطهم، فلم أغير ملابسى،ولم أترك دراجتى البسيطة التى كانت وسيلة مواصلاتى الوحيدة قبل فقدان بصرى،وكنت أذهب بها كل لقاءاتى حتى مع المحافظ والمسئولين.ولهذا السبب أحبنى أهلى فى بورسعيد 

........... 

لا يمكن أن أنسى يوم شم النسيم عام ٢٠١١، لأنه اليوم الذى فقدت فيه بصرى تماما بسبب وجبة فسيخ فاسدة، ورغم أن الدولة أرسلتنى للعلاج فى الخارج، الا أن العلاج فشل،وضاع نظرى نهائيا، ورغم حزنى الا أننى قررت أن أواصل حياتى كما اعتدت، وبدأت المطالبة بحقوق أصحاب المعاشات من خلال رحلة طويلة خضتها وأنا فاقد البصر، لكنى كنت أرى بعيون أصدقائى والناس الذين استأمنونى على حقوقهم.

..........

تزوجت قبل أن أكمل ١٨ عاما وأنجبت ستة أبناء علمتهم وزوجتهم،وأعيش الآن مثل كل أصحاب المعاشات، بالكاد يكفينى معاشى حتى آخر الشهر،وان كان حالى افضل لأننى زوجت اولادى ولم تعد عندى نفقات كثيرة،وحينما كان أبنائى صغارا كنت أربيهم على مبدأ حاسم: "لا تنظر لفوق، انظر دايما أمامك، حتى تحافظ على نزاهتك"، وحينما كنت أشعر  أن بعضهم لديه تطلعات،كنت أقمعها فورا.  

.......

أتيحت لى فرص كثيرة لجنى المال،لكنى فضلت الحفاظ على اسمى وحب الناس،لأن البحث عن رأس المال والانتماء له، يتعارض تماما مع فكرة النضال من أجل حقوق الغير. وأنا ناضلت ٤٠ عاما من خلال العمل النقابى ثم البرلمانى،ومنذ حوالى عشر سنوات تفرغت لرئاسة اتحاد أصحاب المعاشات والمطالبة بحقوق هذه الفئة،وهى مهمة شاقة،تحتاج للتفرغ،فلم أعيد ترشيح نفسى فى البرلمان،خاصة أن سنى وصحتى لا يسمحان لى الآن بأكثر مما أفعل، فلست رجلا لكل العصور.

........

أصدقائى لا حصر لهم، لكن أقربهم إلى نفسي وقلبى هو إبراهيم الديب ( ٨٦ عاما) ، رفيق الحرب والسلاح، جمعتنا المقاومة الشعبية فى الستينات،وخضنا معا كل الحروب والأزمات،وهو يشاركنى كل مواقفى حتى الآن.  

.........

بعد انحياز الرئيس السيسى لأصحاب المعاشات، وقراره بضم العلاوات الخمس،وتوجيه الحكومة بسحب استشكالها على الحكم،أتمنى الآن تنفيذ الحكم لصالح جميع أصحاب المعاشات كما جاء فى منطوق الحكم،وأشعر الآن أننى أديت دورى بعد نضال طويل فى المحاكم، ومن قبله نضال فى العمل النقابى وفى البرلمان،لم أنفصل فيه عن الناس أبدا،ولم أبغ إلا رضا الله والحقاظ على حقوق كل من استأمنونى عليها ، ولا أتمنى الآن سوى أن ألقى ربى وهو راضى عنى.