يوميات الأخبار

الخطأ الذى أضحك السادات!

محمد الشماع
محمد الشماع

علينا أن نتوقف عن إقامة سرادقات العزاء ونكتفى بالبرقيات والتليفونات دون داع لتبادل الأحضان والقبلات التى لاتعود بالرحمة على المتوفى وإنما تجلب المرض للأحياء.

العمل الصحفى فى شهر رمضان له مذاق خاص وذكريات جميلة ورائعة لاتنسى فى دارنا العظيمة «أخبار اليوم» حيث الإفطار يجمعنا والسحور يقربنا من بعضنا البعض أسرة وأحدة أثناء العمل الذى لايتوقف، وربما لهذه الأسباب كان أساتذتنا الكبار الذين رحلوا يطلقون على المؤسسة العريقة «دار أخبار اليوم» يعنى أسرة أخبار اليوم وهى بذلك تفوق كبرى المؤسسات الصحفية لدورها الكبير والمؤثر فى الثقافة والإعلام والعمل الوطنى.
كان الإفطار والسحور على نفقة المؤسسة لكل من يتواجد بالعمل ساعة الإفطار والسحور وكان صاحب القرار قديس الصحافة أستاذنا موسى صبرى ومازال العمل به مستمرا حتى الآن. لذلك أتوق إلى تناول السحور فى صالة التحرير مع الزملاء والفنيين والعمال الذين يتواجدون بالدار وقت السحور لإنجاز العمل، لنستعيد المواقف والحكايات والضحكات أثناء السحور حيث كان تحديد المبلغ المالى من قبل الاستاذ جلال دويدار وكان يتولى عملية تحديد عناصر المواد الغذائية للسحور الصديق محمد درويش مدير تحرير الأخبار وكان شديد الحرص لحساب التكلفة فى حدود الميزانية ومراعاة للظروف، وكان بذلك الحرص يحقق كل الاهداف يوفر لنا سحوراً رائعاً وما يتبقى من الميزانية المحدودة يتم ادخاره للأسبوع التالى لكى يضيف صنفا غذائياً جديدا مع الاطباق الاساسية طبق الفول الضخم الذى كان يحدد عناصره ومصدره الكاتب الكبير وأستاذ الاخراج الصحفى خفيف الظل الصديق عبدالقادر محمد على إضافة إلى الجبنة البيضاء والزبادى الذى كنا نشتريه من البائع الذى يمر بشارع الصحافة منطلقا من بولاق فى أوانٍ فخارية اختفت فى منتصف الثمانينيات واصبحنا نشترى الزبادى المعلب، وطبعا لازم الخيار والطماطم والخبز من الفرن البلدى من بولاق ايضا، ومع تراكم مدخرات العم درويش تظهر الفاكهة بطيخ أو عنب وكان الصديق خالد جبر شفاه الله وعافاه يحدد اماكن الشراء وكثيرا ما كان يداعب العم درويش متسائلا من أين اتيت بالتمويل الإضافى فيذكر له أنه من فائض موازنة الأسبوع الماضى، ويقوم بعض الزملاء الذين فرغوا من اداء أعمالهم بإعداد السحور وبمجرد انتهاء اعداد الطبعة الثانية يجتمع كل الزملاء من كل الاقسام حول مائدة السحور تخيم على صالة التحرير حالة من السعادة والبهجة، يتخللها اطمئنان كل منا على الآخر من أنه تأكد من تنفيذ كل ما كان مكلفا به وأن الصفحات تم ارسالها إلى مطبعة اكتوبر!
بعد انتهاء شهر رمضان كان  يفاجئنا العم درويش بوجود مبلغ مالى من فائض الميزانية ويطلب من طاقم السهرة تحديد أوجه الانفاق. مما دعا احد الزملاء خفيف الظل لأن يداعب  العم درويش بعد ان رآه يرتدى طاقم ملابس جديدا فداعبه قائلا: سوف نبلغ عنك الكسب غير المشروع لأنك اثريت من اشرافك على عملية السحور طوال شهر رمضان.. وحققت ثروة مالية من المبلغ الذى كان يتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين جنيها يوميا لإطعام أكثرمن عشرين من ابناء الدار!
مر أمامى شريط طويل من الذكريات الجميلة تخللتها الابتسامات من الفرحة بالنجاح والدموع من الفشل احيانا فى بلاط صاحبة الجلالة. اثناء صعودنا درجات السلم المهنى فى المبنى التاريخى لدار أخبار اليوم، من الطابق الارضى الذى كانت تشغله ماكينة الطباعة العملاقة التى ظهرت فى العديد من الأفلام السينمائية «الابيض والأسود» واستطاعت أن تظهر فى الافلام الملونة فى نهاية السبعينيات قبل توقفها عن الدوران ونقل طباعة الصحف إلى المبنى الصحفى الحالى فى فيلم «كفانى ياقلب» لأستاذنا العظيم موسى صبرى وهى قصة حقيقية، بطولة حسن يوسف وصفية العمرى. وكان معظم الفيلم تجرى احداثه داخل الأقسام التحريرية المختلفة بالدار.
كان إلى جوار المطبعة صالة «التوضيب» وهى ماكينات الجمع الآلى والزنكات وأعداد الصفحات ووضع الصور والعناوين والمانشيتات بالصفحات المختلفة وهى فى مستوى صالة التحرير التاريخية ويربط بين الإثنتين طرقة ليست طويلة وضيقة.. تذكرت والدتى رحمها الله وإسكنها فسيح جناته وكيف كانت تشك فى اننى اتدرب فى أخبار اليوم فى تلك الفترة وأنا مازلت طالبا بالسنة الأولى بإعلام القاهرة، وذلك لأننى كنت أعود إلى المنزل وقميصى به شحوم وأحبار من المطبعة الصحفية، حيث ان نظام الجمع والطباعة بتلك الفترة يتم بطريقة اليونيتب والانترتيب حيث يتم جمع المادة الصحفية من سبيكة من خام الرصاص والانتيمون المصهور يتم سبكها على شكل سطور ترص فوق بعضها البعض وتترك دقائق حتي تبرد درجة حرارتها ثم تنقل محمولة على ألواح مستطيلة من الصلب إلى شاسيه الصفحة المصنوع من الصلب، وكثيرا ما كان يتم جمع سطر او عدة اسطر تكون ناقصة من موضوع أو خطأ يتم تصحيحه فيتم جمعها ثم نحملها على أكفنا وهى ساخنة وشديدة الحرارة لكى نضعها على الصفحة.
حتى لا يتم طردنا!
وكثيرا ما كانت اصابعى تتعرض للحرق البسيط من تلك الأسطر لأننا كنا نتلقفها من عامل الجمع فوراً حتى لا تتأخر عملية طبع الجريدة، وكنا نتلقى تلك السطور بأيدينا وهى ساخنة جدا ونظل نقذفها لأعلى ثم نتلقاها ونعيدها مرات أخرى حتى تصل للصفحة والموضوع الذى يتم عمل التصحيح به وسط صيحات عم حسن النحاس رئيس التوضيب رحمه الله مطالبا بالإسراع بالتنفيذ حتى لا تتأخر عملية الطبع وحتى لا يطردنا انا وزملائى من صالة التوضيب بحجة اننا نعوق العمل. تلك الصالة التى تعلمنا فيها ومنها الكثير من الخبرات وقضينا أجمل الأيام. وعندما تكتمل الصفحة ويتم رص الاخبار والموضوعات والعناوين، يتم إحكام الشاسيه «الصلب» ثم نقوم بإحضار صفحة «جرنال دشت» مبللة بالماء ونضعها أعلى الصفحة التى يتم تشحيمها بالحبر بواسطة مشحمة اسطوانية الشكل ملساء لضمان وصول الحبر لجميع الحروف والكلمات ثم نضع اسطوانة حديدية مستطيلة فوق الصفحة ونمر بها من بداية الصفحة لنهاياتها ونحن نضغط عليها بقوة ثم نرفع الصفحة بعد أن يتم طبع المادة على الصفحة الدشت وبذلك نكون قد حصلنا على بروفة، لكى يقوم بمراجعتها نائب رئيس التحرير السهران وقسم التصحيح لتصحيح الأخطاء إن وجدت.
لم تصدق والدتى أن مصدر الشحم هو حبر المطبعة الصحفية وظلت لمدة زمنية فى حالة قلق من أننى أخفى عليها سراً، وسألت بعض أصدقائى عن مدى صحة كلامى فأكدوا لها صحته بعد مداعبتى مؤكدين لها ان الجريدة ليست بها أحبار.. وأمام صدمتها غيروا اقوالهم مؤكدين ما اقوله!
خطأ جزاؤه الفصل!
نظام الطباعة بهذه الطريقة كان يحتاج إلى مراجعة دقيقة تؤثر علي قوة الإبصار بعد فترة مع تكرار الأخطاء المطبعية وكان من بين اشهر هذه الاخطاء فى تلك الفترة التى كنت شاهدا عليها وقعت فى أحد تصريحات الرئيس أنور السادات ونشرت بالصفحة الاولى بالجريدة عندما انتقل سطر من أحد الموضوعات بنفس الصفحة بطريق الخطأ إلى تصريح الرئيس السادات فظهرت بداية الموضوع كالآتي:
اكد الرئيس أنور السادات العاشق الولهان أن عملية السلام فى الشرق الأوسط. وباقى الموضوع ليس به أية اخطاء على الاطلاق وتمت مراجعة الصفحة الاولى بالتصحيح والمراجعة وتم التوقيع بالموافقة على البروفة النهائية متضمنة الخطأ!
وفور صدور الجريدة قامت الدنيا ولم تقعد وتحركت الأجهزة المعنية وصدرت قرارات وتم فصل المسئول عن تصحيح الصفحة وأصدر الاستاذ موسى صبرى قرارات بتوقيع جزاءات على بعض الزملاء بعد اجراء التحقيقات وكانت المفاجأة أنه عندما علم الرئيس السادات ووقعت عيناه على الموضوع بالجريدة انفجر ضاحكا مما نشر وتفهم الموقف تماماً لأن الرئيس عمل بالصحافة سنوات ليست قليلة وكان رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية، ويعلم أن عملية الجمع والتوضيب كانت صعبة جدا وتحتاج قوة ابصار وخبرة ودقة فى قراءة سطور الرصاص المتشابهة والمشبعة بالأحبار وأن ماحدث كان خطأ نتيجة انتقال السطر الذى تضمن هذا الوصف عن غير قصد من موضوع مختلف تماما!
أنا أنور السادات!!
ومن الحكايات النادرة التى حكاها لنا الكاتب الكبير أنيس منصور عن الرئيس السادات اثناء مشكلة التليفونات فى فترة السبعينيات فى مصر حيث كانت فى اسوأ حالاتها نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التى مرت بها مصر بعد انتصارات حرب اكتوبر، كان من الطبيعى اذا طلب المشترك رقماً فيرد عليه رقم آخر اذا رد، أو انه عندما يرفع المشترك سماعة التليفون كان يسمع حوارات بين عدد من المشتركين، المهم أنه اثناء جلوس الرئيس السادات ومعه الأستاذ انيس منصور فى استراحة القناطر الخيرية رن جرس التليفون الارضى ورفع الرئيس السادات السماعة قائلا بصوته المميز:
أنا أنور السادات.. وتلاها بضحكة استمرت دقائق، مما دفع الاستاذ أنيس لأن يستفسر عما حدث.. فقال له الرئيس السادات وهو مازال يضحك: أنا قلت لمن طلبنى.. أنا أنور السادات عندما سألنى عن اسمى.. فإذا بالطالب يرد بقوة وعصبية انت حاتهزر.. ولّا إيه! ووضع سماعة التليفون.. بالطبع لم يتخيل طالب المكالمة أن الذى رد عليه هو الرئيس أنور السادات بطل الحرب والسلام.
الخدمات الحكومية دليفرى
أصبح من الضرورة ان تعود عجلة الاقتصاد إلى العمل فلا تستطيع أعتى الدول الرأسمالية ان تنفذ حظراً كاملا لفترة طويلة بسبب ازمة كورونا لذلك لا مفر امامنا من أن نتخلص من كل السلوكيات الضارة وأن نستعيد نشاطنا الاقتصادى فى حدوده الضرورية، فمثلا علينا ان نتخلص من الأفراح وصالات الأفراح وليالى الديسكو التى تعد بؤراً لانتشار العدوى، علينا أن نتوقف عن اقامة سرادقات العزاء وأن نكتفى بالبرقيات والتليفونات دون داع لهذا التجمع وتبادل الاحضان والقبلات التى لاتعود بالرحمة على المتوفى وإنما تجلب المرض للأحياء، علينا ان نتخلص من الزحام الذى يخنق الروح وينشر المرض.
عديلة برعاية الأورمان!
مع تدفق المسلسلات التليفزيونية والاذاعية طوال شهر رمضان وسيل الإعلانات من كل صوب وحدب لدفع القادرين للتبرع لأعمال الخير. العجب العجاب ان تسمع ان احدى الجمعيات الخيرية الكبرى هى جمعية الاورمان تقوم برعاية مسلسل اذاعى فكاهى «فرح عديلة» لا اعرف هدف المسلسل الذى لم يخرج عن محاولة «لزغزغة» المستمعين ودون فائدة مع كثرة تقطيع المسلسل لإذاعة الإعلانات ورعاية الجمعية للمسلسل لنخرج فى النهاية بسماع مسلسل اعلانات يتخلله شبه مسلسل اذاعى ساذج تقوم برعايته الجمعية من تبرعات أهل الخير من المواطنين لمساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين!