د. محمد خضر عبدالكريم مدرس الفقه بجامعة الأزهر

الدين أمانة عجزت عنها السموات والأرض.. والحديث فيه غير مسموح لكل من هب ودب

د. محمد خضر عبدالكريم مدرس الفقه بجامعة الأزهر
د. محمد خضر عبدالكريم مدرس الفقه بجامعة الأزهر

ينتظر المسلمون شهر رمضان كل عام، يتقربون فيه إلى الله ـ عز وجل ـ ويحتسبون فيه الأجر والثواب عند الله، فالنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعد فيه الصائمين القائمين بعظيم الأجر وجزيل الثواب بقوله: «من صام رمضان إيمانا واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»، ـ وأيضًا ـ «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه،لكن ما يمر به العالم اليوم من نازلة ألمت بهم من فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، وبسببه تعطلت الكثير من الأمور التى كان يفعلها المسلمون فى هذا الشهر الكريم، كان لنا هذا الحوار مع الدكتور: محمد خضر عبدالكريم، مدرس الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالشرقية:


 ما النصيحة التى يجب تقديمها للشباب فى رمضان للاستثمار بوقته خاصة فى وقت الحظر؟

- نعلم جميعًا أن شهر رمضان شهر العبادة والتوبة والرجوع إلى الله، والشباب هم نواة المجتمع الصالح، مصداقاً لقول السيدة حفصة بنت سيرين: «يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم، واغتنموا وقتكم وأنتم شباب، فإنى ما رأيت العمل إلا فى الشباب». فالواجب على الشاب أن يستثمر وقته فى رمضان بأن يصلى الصلاة فى وقتها، وفى قراءة القرآن، وتدبر آياته، والذكر والاستغفار والإكثار من الدعاء بأن يرفع الله البلاء والوباء عن الإسلام والمسلمين، وأن يردنا إلى دينه ردًا جميلا، وأن يعدنا إلى بيوته ومساجده عودًا حميدًا، وإذا كانت المساجد أغلقت بسبب هذه النازلة، فليجعل الإنسان من بيته قبلة، فالله تبارك وتعالى قال فى كتابه الكريم ( واجعلوا بيوتكم قبلة )، والنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: وجعلت لى الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا»، والإنسان يروح عن نفسه فى رمضان بصلاة التراويح، فصلاة التراويح يؤديها الإنسان فى بيته، ويؤم فيها أهل بيته، فهى صلاة تطوع، والنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يواظب عليها، لقوله فى لفظ مسلم: «ولكنى خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها « والواجب على الجميع ذلك فى هذا الشهر الكريم الذى هو موسم الطاعات، أن يجعل كل إنسان فى هذا الشهر الكريم فرصة للربح والفوز بالطاعات والثواب من عند الله، ولتدارك ما فاته.

 ما رأيك فيمن لا يلتزم بالجلوس فى بيته فى هذه الظروف؟

- لا يجوز الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى؛ لأن النبى ــ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن الخروج من الأرض التى وقع بها الوباء، أو الدخول فيها؛ لما فى ذلك من التعرض للبلاء، وحتى يمكن حصر المرض فى دائرة محددة، ومنعا لانتشار الوباء وهو ما يعبر عنه بالحجر الصحي، بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لصحابته الكرام ـ رضى الله عنهم: (إذا سمعتم به فى أرض فلا تقدموا عليها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه).

 نسمع كثيراً نبرات الحزن والشجن من المسلمين على عدم إقامة الجمع والجماعات فى المساجد؛ لأنها مغلقة، ونحن داخلون على شهر رمضان، فما رأيك فى ذلك؟

- يجب الالتزام والسماع لأولى الأمر القائمين على الأحكام الشرعية، وعدم الخروج لصلاة الجمعة أو الجماعة فى المساجد؛ بعدما قرر الأطباء تفشى هذا الوباء وانتشاره فى الاختلاط، وهذا أمر معمول به فى الشريعة الإسلامية، بما روى فى الصحيحين: «أن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قال لِمُؤَذِّنِهِ فِى يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلاَ تَقُلْ حَيّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: صَلُّوا فِى بُيُوتِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، قَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّى كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ، فَتَمْشُونَ فِى الطِّينِ وَالدَّحَضِ». وهذا يتفق مع قول النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( لا ضرر ولا ضرار )، والقاعدة الفقهية: ( ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح )، ومخالفة ولى الأمر فى ذلك يتناقض مع النصوص الشرعية، ويتعارض مع القواعد الفقهية، وكل من يخالف ذلك آثم ومعتد على شريعة الله.

 هناك الكثير من الأقلام التى تتهم الأزهر بما ليس فيه، وأن مناهجه تخرج متطرفين، فماذا ترد عليهم؟

- فى البداية أقول: إذا كان المسجد الحرام قبلة المسلمين فى العالم أجمع فى الصلاة، فإن الجامع الأزهر وعلماءه الكرام من منزهى العقيدة الإسلامية قبلة المسلمين فى العالم أجمع فى العلم رغم أنف كل مكابر، فهؤلاء لم يعرفوا شيئًا عن الأزهر حتى يتكلموا عنه، فكان الواجب عليهم أولًا أن يعرفوا ما هو الأزهر، ويعرفوا العلوم الشرعية والعربية والثقافية التى تدرس فى الأزهر، ومن يحافظ الآن على الإسلام غير الأزهر، والله تبارك وتعالى يقول: « لن يضروكم إلا أذى ) فهولاء وأمثالهم نقول لهم « كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا «.

 يمثل التعامل بالتراث إشكالية فى وقتنا الحالى خاصة مع وجود من يتخذون من بعض الأحاديث التى يساء فهمها ذريعة التشكيك فى السنة، كيف يمكن التغلب على هذه الإشكالية؟

- أجمع أهل العلم على وجوب العمل بالسنة، فهى المصدر الثانى من التشريع الإسلامي، وقد دل على ذلك الكثير من الآيات القرآنية. قال الله ـ تعالى ـ (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). وحدثنا النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذه الفئة الضالة بقوله: « ما بال أصحاب الحشايا يكذبوننى عسى أحدكم يتكيء على فراشه يأكل مما أفاء الله عليه، فيؤتى يحدّث عنى الأحاديث يقول: لا أرب لى فيها، عندنا كتاب الله، ما نهاكم عنه فانتهوا، وما أمركم به فاتبعوه».، وكأنى برسول الله وقد أطلعه الله على ما سيكون فى المستقبل، كما أن السنة فى الحقيقة مأخوذة من القرآن الكريم بقوله تعالى (إن هو إلا وحى يوحى) وهى مفسرة لما أجمله القرآن، ومقيدة لمطلقه، وشارحة لكيفية تطبيق بعض أحكامه، فالتغلب على هذه المشكلة يكون بكثرة الثقافة الإسلامية، وعدم إطلاق العنان لكل من هب ودب ليتكلم فى أمر الدين، وعدم السماع إلا للمختصين من أساتذتنا المحدثين فى الأزهر الشريف، وأن يكون هناك عقاب رادع لكل من تسول له نفسه فى أن يتحدث عن سنة رسول الله بغير علم.

 أزمة كورونا جعلت من الأمور المهمة استثمار إمكانيات وسائل التواصل الاجتماعي، أو الالكترونى فى العمل الدعوي، كيف يمكن للأزهر استغلال ذلك، وهل تطبقه فى عملك؟

- أزهرنا الشريف لم يغفل هذا الأمر، فلديه العديد من الصفحات الالكترونية ما تقوم بذلك، من خلال مواقع دار الإفتاء المصرية، ومرصد الفتوى، وموقع لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، ويقوم العديد من أساتذتنا بالرد على الأسئلة التى تأتى لهم، لاسيما فى هذه الأزمة التى ألمت بالإنسانية كلها، فيطالع الإنسان وسيلة التواصل فى اغلب وقته، وهو فى حاجة ماسة لمعرفة الصواب من الخطأ من أهل الاختصاص، وأما على نطاق عملى أطبق ذلك قدر المستطاع فيما يخصني.

يتحدث الكثير فى أمور الدين ويعتبرون ذلك متاحًا، وبما نرد عليهم؟

- الصواب ألا يتكلم فى الدين إلا من أهل لذلك، والدين ليس مهمة سهلة حتى يتكلم فيه كل من هب ودب، لأننا مسئولون عن ذلك أمام الله ـ عز وجل ـ عن هذه الأمانة التى عجزت السماوات والأرض والجبال على حملها، وحملها الإنسان، ومن يحتكر الدين لأهواء ومنافع شخصية ليس أهل دين، فالسيطرة على ذلك: بأن يوسد الأمر إلى أهله، وألا تؤخذ الأمور إلا من أهلها.