حديث الأسبوع

من جائحة كورونا إلى جائحة الجوع

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

ألقى انتشار وباء كورونا على امتداد جغرافية العالم برزمة كبيرة من الإشكاليات المستعصية، التى وضعت مصير المجتمع البشرى فى مفترق طرق، فى وضعية غموض والتباس، على المستوى الاقتصادي، حيث تعرض النظام الاقتصادى العالمى إلى هزة عنيفة جدا تكاد تكون غير مسبوقة، تتجاوز فى قوتها، فى نظر العديد من الخبراء، الهزة التى ترتبت عن الأزمة المالية العالمية التى عاشها العالم سنة 1929، وعلى المستوى الاجتماعى حيث خرجت من رحم الجائحة أجيال جديدة من الإشكاليات المستعصية، وعلى المستوى السياسى حيث خضعت أنظمة الحكم فى العالم إلى امتحانات عسيرة سيكون لها ما بعدها.
ومن الطبيعى القول فى هذه الظروف الصعبة والدقيقة باستحالة إنجاز تقييم شامل ودقيق، لأن المعركة مع العدو لم تنته، بل هى فى ذروتها، ومن الغباء الاختلاء بالنفس الآن لتقييم حصيلة المواجهة العنيفة ومعرفة التكلفة الإجمالية لهذه المواجهة، وكل ما نملك له جوابا الآن هو أن المعركة ستطول مدة أكثر من المتوقع، وما حصل لحد الآن هو مجرد شوط واحد من أشواط حرب ستفرض معارك أخرى فى أشواط متعددة.وأن الشوط الحاسم فيها لم يبدأ بعد، والأكيد أن المعركة الكبرى ستبدأ بعد أن نكسب رهان المعركة الصغري، أى بعد الانتهاء من المواجهة المباشرة مع الوباء والتفرغ بالكامل إلى مرحلة ما بعد محاصرة الانتشار، أى مرحلة إعادة بناء وترميم ما دمره الشوط الأول من الحرب على المستويات الاقتصادية والاجتماعية.
المؤشرات الأولى لهذه المرحلة الصعبة من تدبير مرحلة ما بعد المعركة الصغرى بدأت فى التجلي، من خلال استفحال أزمة اقتصادية عالمية جديدة، دمرت كثيرا من البنى الاقتصادية التقليدية، التى سادت فى نظام اقتصادى عالمي، كانت الغلبة فيه على الدوام للقوى على حساب الضعيف، وأخطر ما يشغل اهتمام وبال الرأى العام العالمى هو أن يزداد القوى قوة وفى زمن ما بعد كورونا، فى حين يتعمق ضعف الضعيف.
هذه المؤشرات كثيرة ويصعب حصرها، لعل أبرزها على الإطلاق التخوف من استفحال ظاهرة المجاعة فى العالم بسبب التحديات الكبرى والإكراهات الصعبة التى سيواجهها النظام الغذائى العالمي، بسبب المواجهة التى قد تفرزها تداعيات انتشار الوباء على بنى سلاسل الإنتاج والتسويق والنقل فى العالم، ولعل هذا ما دفع مدير برنامج الأغذية العالمي، قبل أيام قليلة،إلى تحذير مجلس الأمن الدولى مما سماه ب( كارثة إنسانية عالمية)،مع ترجيح أن يتضاعف عدد الأشخاص المعرضين إلى المجاعة بسبب انتشار وباء كوفيد 19 المستجد. ولم يفوت الفرصة وهو يتحدث إلى أعضاء مجلس الأمن الدولى بواسطة التواصل عن بعد،من أن يرسم صورة قاتمة للغاية لما ينتظر المجتمع البشرى العالمى فى زمن ما بعد القضاء على الوباء، لذلك حرص على أن يحث أعلى سلطة فى الأمم المتحدة على الإسراع فى اتخاذ إجراءات لمواجهة ذلك. ولم يتوان فى الحديث عما سماه بجائحة الجوع بعد أن تخفت جائحة كورونا. ونبه الرجل الأول فى برنامج الغذاء العالمى بالقول: « نحن لا نواجه جائحة صحية عالمية فحسب، بل نواجه أيضًا كارثة إنسانية عالمية، فالملايين من المدنيين الذين يعيشون فى دول تشهد نزاعات، بما فى ذلك العديد من النساء والأطفال، معرضون إلى خطر المجاعة، إن شبح المجاعة احتمال حقيقى وخطير للغاية «.
و لعل المسئول الأممى ينطلق فى تحذيره من التقرير الذى نشره برنامج الأغذية العالمى قبل أيام، والذى نبه إلى أن ( عدد من يعانون من الجوع الشديد يمكن أن يتضاعف بسبب الجائحة، ليصل إلى أكثر من 250 مليون شخص بحلول نهاية 2020).
و لم يكن مدير برنامج الأغذية العالمى وحيدًا فيما حذر منه، بل سانده فى هذا الأمر البالغ الأهمية والخطورة بيان ثلاثى أصدره مدير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ومدير منظمة الصحة العالمية ومدير منظمة التجارة العالمية خلال الأيام القليلة الماضية، أكدوا من خلاله على أن « الغموض حول توافر الغذاء يمكن أن يتسبب فى موجة قيود على التصدير، والتى قد تتسبب بدورها فى نقص بالسوق العالمية «.
وأضاف مديرو أهم المنظمات الأممية المهتمة بالصحة والأغذية فى العالم بالتأكيد على أنه « عندما تكون المسألة مسألة حماية الصحة ورفاهية المواطنين، ينبغى على الدول ضمان ألا يتسبب مجمل التدابير التجارية فى اضطرابات فى سلاسل الإمدادات الغذائية.» وختموا بيانهم بالقول: « علينا ضمان ألا يؤدى تصدينا لوباء كوفيد 19،بطريقة لا إرادية، إلى نقص غير مبرر فى المنتجات الأساسية ويفاقم الجوع وسوء التغذية.»
هذا الهاجس شغل علماء الاقتصاد والخبراء فى العلاقات الدولية، الذين أشاروا إلى أن الأشخاص الذين كانوا بحاجة فى الأصل إلى المساعدة سيحتاجون إليها بعد وباء كورونا لفترة أطول، وسيزيد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.