رمضان زمان.. «نوستالجيا» خالصة شكلت وجدان المصريين

صورة موضوعية
صورة موضوعية

«رمضان جانا - بوجي وطمطم – بكار - عمو فؤاد – نيللي وشريهان- خواطر الشعراوي - ابتهالات النقشبندي – الإفطار على صوت الشيخ محمد رفعت – والمسحراتى».. نوستالجيا رمضانية خالصة، لها وقع خاص في عقل ووجدان المصريين، فهى روحانيات وطقوس ممتزجة بالأصوات والألوان المبهجة، والروائح العطرة الممزوجة بالتواشيح والابتهالات، والتي لا تزال عالقة في الأذهان مهما غيبتها السنون والأعوام.

عادات ارتبطت بشهر رمضان، مزجها الشعب المصري وتوارثتها الأجيال، حيث امتدت لسنوات لا حصر لها، تبادلها أهل مصر وشبوا عليها منذ مئات السنين، بداية من ثبوت رؤية الهلال، حتى أخر ليلة في رمضان.

 

 

«فانوس رمضان»

 

تحول من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلاً، إلى وظيفة ترفيهية، إبان الدولة الفاطمية، حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع، والأزقة حاملين الفوانيس، ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون، كما صاحب هؤلاء الأطفال – بفوانيسهم – المسحراتي ليلاً لتسحير الناس، حتى أصبح الفانوس مرتبطاً بشهر رمضان وألعاب الأطفال وأغانيهم الشهيرة في هذا الشهر، وأصبح من المظاهر الشّعبيّة الأصيلة، وتطور صناعة الفانوس عبر الأزمان، حتى ظهر الفانوس الكهربائي الذي يعتمد في إضاءته على البطارية واللمبة بدلا من الشمعة، انتقلت فكرة الفانوس المصري إلى أغلب الدول العربية وأصبح جزءا من تقاليد شهر رمضان.
 

 

«مدفع الإفطار»

 

لحظة مغيب الشمس ينطلق صوت المدفع، لإعلان موعد الإفطار وانتهاء الصوم، كان أول مكان استقبل مدفع رمضان قلعة صلاح الدين، ومن ثم أمر الخديوي عباس والي مصر عام 1853 بوضع مدفع آخر يطلق من سراي عباس بالعباسية، ثم أمر الخديوي إسماعيل بمدفع آخر ينطلق من جبل المقطم حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة وفى الإسكندرية تم وضع مدفع بقلعة قايتباي، وآخر مرة أطلق فيها المدفع كان عام 1992 لأن هيئة الآثار المصرية طلبت من وزارة الداخلية وقف إطلاقه من القلعة خوفًا على المنطقة التي تعد متحفا مفتوحا للآثار الإسلامية، وتحول مدفع القلعة الحقيقي إلى قطعة أثرية جميلة غير مستخدمة، وما نسمعه في الراديو أو نراه في التليفزيون مجرد مؤثر صوتي ظل يتكرر لأكثر من عقدين كاملين.
 

 

«تراث شعبي»

 

«رمضان جانا.. وفرحنا به.. بعد غيابه وبقاله زمان.. غنوا معانا شهر بطوله..غنوا وقولوا أهلا رمضان».. تراث مميز من الأغاني الشعبية في مصر، غناها الفنان الراحل محمد عبدالمطلب، وبرغم انصرام الأعوام وتطور الأغنيات، تظل هذه الأغنيات التراثية، وغيرها من التواشيح لا ينازعها منازع في وجدان وذاكرة الشعوب، وكأن الصيام لا تكتمل روعته وصفاؤه إلا بها.

كما أطرب على مسامعنا الراحل عبدالعزيز محمود بأغنية: «مرحب شهر الصوم مرحب.. لياليك عادت بأمان..بعد انتظارنا وشوقنا جيت يا رمضان.. مرحب بقدومك يا رمضان..إن شا لله نصومك يا رمضان»، وأغنية «سبحة رمضان لولى ومرجان» لفريق الثلاثي المرح وفاء وصفاء وثناء، ومن أغاني هذا الفريق أيضًا «أهو جه يا ولاد» و«وحوي يا وحوي» وأغنية المطربة شريفة فاضل «تم البدر بدري» التى تدمع العيون في وداع شهر رمضان حين تسمعها.

 

 

«تواشيح النقشبندي وآذان رفعت»

كروان الإنشاد الديني، كما وصفه الدكتور مصطفى محمود بأنه مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد، له العديد من الابتهالات والتواشيح الرائعة وعلى رأسها «مولاي إني ببابك قد بسطت يدي» التي يرتجف القلب خشوعاً حين يستمع إليها، ليبقى هذا الابتهال الديني الأكثر شهرة وأهمية من بين أعمال الشيخ النقشبندي المميزة.

ويُعدّ صوت الشيخ محمد رفعت من البصمات المميزة لشهر رمضان، وظلّ لعقود محفوراً في الأذهان، ولم يتقبل كثيرون غير صوت الشيخ رفعت لتلاوة القرآن قبل أذان المغرب في شهر رمضان.

وظلّ كثير من الإذاعات والقنوات التلفزيونية المصرية والعربية، يذيعون تلاوة القرآن بصوت الشيخ محمد رفعت قبيل أذان المغرب في شهر رمضان من كل عام.

في شهر مايو عام 1882 ولد محمد رفعت محمود رفعت في القاهرة، وفقد بصره في السنة الثانية من عمره، ولكن هذا لم يمنعه من حفظ القرآن.

كان من القراء المفضلين للملك فاروق، بعدما ذاع صيته منذ أن عُيّن قارئاً بمسجد فاضل باشا في حي السيدة زينب بالقاهرة وهو في سن الخامسة عشرة.

وفي العام 1934 افتتحت الإذاعة المصرية بصوت الشيخ محمد رفعت بتلاوة سورة "الفتح"، وظلّ صوتاً مميزاً للإذاعة، وبات الجمهور ينتظر سماع القرآن بصوته.

 

 

«بوجي وطمطم وبكار»

كان للأطفال نصيب الأسد من الشهر الكريم، حيث ركزت الأعمال الدرامية على مسلسلات تهتم بالأطفال كقصص الأنبياء بالصلصال، وتلاها بوجي وطمطم، الذي ظهر في رمضان 1983، واستقبل بحفاوة من الجماهير جعلته يستمر لـ 18 موسمًا متتالياً، وشارك فيه نخبة من الممثلين، فكان الفنان الراحل يونس شلبي هو صاحب صوت «بوجي» وكانت الفنانة هالة فاخر هى «طمطم»، ثم «بكار» الذي أخرجته الراحلة منى أبوالنصر وعرض عام 1998، واستمر حتى وفاتها عام 2003، واستكمله من بعدها ابنها حتى توقف عرضه في 2007.

 

 

«فوازير رمضان»

 

ولد فن الفوازير في الإذاعة أولاً على يد الإعلاميَّة سامية صادق في عام 1958، وقدمته الإعلاميَّة آمال فهمي في العام التالي، ثم انتقلت الفكرة إلى التلفزيون، حيث تسابقت الفنانات والفنانون، للتألق في تقديم مجموعة من الفوازير الرمضانية، ممزوجة بين الاستعراض والدراما والغناء، حيث بدأت فوازير رمضان عام 1961 في الازدهار وطرح المزيد من الأفكار والاستعراضات على يد ثلاثي أضواء المسرح «سمير غانم- جورج سيدهم - الضيف أحمد»، وقدم فهمي عبدالحميد وسمير غانم فوازير «فطوطة» بشخصية محببة لجيل بأكمله.

 

 

وتوالت الأعوام حتى احتكرت «نيللي وشريهان» في الثمانينات والتسعينات ساحة الفوازير، ولم يكتفوا بالاحتكار فقط بل سيطروا على قلوب ووجدان المصريين لدرجة رفضهم اى فوازير قدمها أشخاص آخرون غيرهم، رغم أنها كانت قليلة التكلفة مقارنة بالفوازير المستحدثة والمبالغ في إنتاجها، ومرت الأعوام وقدم يحيى العلمي، رئيس قطاع الإنتاج «نادين» بالتعاون مع الفنان وائل نور فى نهاية التسعينات وحقق صدى جيدا، حتى اختفت الفوازير من خريطة رمضان، وعلى الرغم من كثرة الأسماء التي قدمت الفوازير في الأعوام الماضية، إلاَّ أنَّ أحدًا لم ينجح في أن يرتبط اسمه بها.

 

 

«المسحراتي»

 

ارتبط بشكل مباشر بالشهر الكريم، وذلك عندما يدق على الطبلة ليوقظ المسلمين لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر وبدء ساعات الصيام، حيث بدأت مهنة المسحراتي أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي أصدر أمراً بأن ينام الناس مبكرين بعد صلاة التراويح، وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور، وأول من نادى بالتسحير «عنبسة ابن اسحاق» سنة 228 هجرية وكان يسير على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط حتى مسجد عمروبن العاص تطوعاً «وكان ينادي عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة»، وتغيرت الأعوام، حتى أصبح المسحراتي يطوف الحارات والشوارع، ويطرق على طبلته ليُوقظ الناس، مناديًا كل شخص باسمه، فيستيقظ من كان نائمًا، وينزل الأطفال بفرحةٍ يحملون فوانيسهم ويطوفون الشوارع القريبة وراءه مُردِّدين ما يقول بسعادة بالغة اصحى يا نايم، وحِّد الدايم، رمضان كريم، إلا أن العوامل التكنولوجية وانتشار ظاهرة سهر المصريين حتى الصباح، أدت إلى تقليل أهمية المسحراتي، فاختفى من شوارع كثيرة، وبقى ظهوره مجرد عادة فلكلورية ليس إلا.