أخر الأخبار

شىء من الأمل

حماية الفقراء إنقاذ للاقتصاد

عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب

احتاج الأمر نحو ثلاثة أشهر من هجوم فيروس كورونا على العالم وثلاثة أسابيع من إعلان منظمة الصحة العالمية أن هذا الفيروس متناهى الصغر أصبح جائحة عالمية، ليعلن صندوق النقد الدولى أن الاقتصاد العالمى دخل مرحلة الركود.. وأن الأمر يحتاج لعلاج سريع حتى لا يتحول هذا الركود إلى كساد عظيم.. وربما يكون السبب فى ذلك اتجاه كل الدول التى اجتاحها الفيروس إلى اتخاذ إجراءات إغلاق اقتصادى جزئى، وذلك بعد تصاعد إصابات الفيروس فى نحو مائتى دولة.. وربما أيضا سبب ذلك تقدم نحو ثمانين دولة بطلبات لصندوق النقد الدولى للحصول على قروض عاجلة لمساعدتها فى توفير احتياجات ضرورية لمقاومة فيروس كورونا.. وربما كذلك أيضا اتفاق قادة مجموعة العشرين فى قمتهم الإلكترونية على سرعة ضخ خمسة تريليونات دولار لتجاوز التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، أى ما يساوى نسبة ٦ فى المائة من الناتج العالمى.

غير أن ما لم يعلنه صندوق النقد الدولى حتى الآن أن هذه الأزمة الجديدة التى أصابت الاقتصاد العالمى تختلف فى طبيعتها عن الأزمة التى داهمته فى عام ٢٠٠٨.. فإن الأزمة الجديدة ليست مثل أزمة ٢٠٠٨ أزمة مالية أصابت فى البدء القطاع المصرفى الأمريكى وكادت أن تؤدى إلى إفلاس العديد من البنوك والمصارف الأمريكية الكبيرة والشهيرة، لولا تدخل إدارة ترامب بدعمها، ولكنها ألحقت الكثير من الضرر وقتها بالاقتصاد العالمى وأدت إلى تراجع نموه، وهو ما انتقلت عدواه بالطبع إلى الكثير من اقتصاديات العالم، وكان اقتصادنا واحدا منها حينما تراجع معدل النمو فيه من ٧٫٥ إلى ٥٫٥ فى المائة وظل حتى عام ٢٠١٠ غير قادر على استعادة معدله السابق.. أما الأزمة الحالية التى يتعرض لها الاقتصاد العالمى فهى ناجمة على إجراءات إغلاق ووقف جزئى للنشاط الاقتصادى اتخذتها الحكومات فى الدول التى اجتاحها الفيروس، وذلك بعد عزل مدن ومقاطعات وولايات، ووقف حركة الطيران والسفر والسباحة، وفرض حظر تجول وإلزام الناس بالبقاء فى منازلهم، وإغلاق النوادى والمقاهى والمطاعم وأماكن التنزه والترفيه.. وكلها إجراءات أدت إلى الأضرار بحركة الإنتاج والتجارة والتوريد.

ولذلك فإن ما كان كافيا لتجاوز أزمة ٢٠٠٨ قد لا يكفى لتجاوز الأزمة الجديدة للاقتصاد العالمى، والتى لا يتوقع أن تنحسر فورا وتلقائيا بعد السيطرة على هذه الجائحة العالمية.. نعم هناك ما هو مشترك بين مواجهة الأزمتين، ويتمثل فى ضرورة انتهاج سياسة توسعية وليست انكماشية.. بقيام الدول والحكومات ببسط أيديها بإنفاق أكبر.. فهذا ليس وقت التقطير وإنما وقت الإنفاق الأكبر لحفز قطاعات الإنتاج، مستفيدين من خفض سعر الفائدة.. لكن الأمر يقتضى إعادة ترتيب لأولويات هذا الإنفاق.. فإن الإنفاق الضرورى الآن هو إنفاق صحى واجتماعى..

أى إنفاق على ما يحتاجه القطاع أو النظام الصحى من مستلزمات ضرورية لتقويته ودعمه ليقدر على مواجهة تلك الجائحة وعلاج من يصيبهم الفيروس.. وإنفاق على تلك الفئات الاجتماعية التى تضررت من إجراءات الإغلاق الاقتصادى الجزئى، سواء فقدت أعمالها أو تم تخفيض أجورها، لأن ذلك ضرورةَ للمحافظة على مستوى من الاستهلاك يحافظ بدوره على مستوى الإنتاج، فضلا عن أنه ضرورة اجتماعية للحفاظ على تماسك المجتمعات.

كما يجب مراجعة أولويات الإنفاق الاستثمارى ليسبق القطاع العقارى والبناء قطاع الصناعة لإنتاج مستلزمات القطاع الصحى وتوفير قدر من الاكتفاء الذاتى من السلع الأساسية، الغذائية ومستلزمات الإنتاج التى تستورد من الخارج وأيضاً القطاع الزراعى.