حكايات| «الأطفال هايصين والماميز لايصين».. تجارب سنة أولى تعليم عن بعد

حكايات| «الأطفال هايصين والماميز لايصين».. تجارب سنة أولى تعليم عن بعد
حكايات| «الأطفال هايصين والماميز لايصين».. تجارب سنة أولى تعليم عن بعد

لم يكن يتخيل أكثر المتشائمين أن يتحول حال أطفالنا بين ليلة وضحاها، من منطلقين بساحات وفصول المدارس، إلى حبيسي غرف المنازل، خوفا عليهم من وحش كورونا الذي انطلق في كل أرجاء العالم، مهددا البشرية كلها، ليصبح المفر الوحيد لإكمال الدروس هو التعليم عن بعد، الذي لم يترسخ كثقافة في مصر إلى يومنا هذا.

  منذ 20 يومًا أو يزيد، تغيرت بوصلة التعليم في مصر والعديد من الدول العربية، في محاولة من الحكومات للحد من انتشار فيروس كورونا في بلادهم، وحفاظًا على صحة الطلاب والمدرسين، لتتحول بعدها المنازل إلى مدارس مصغرة بنظام تعليمي جديد فرضته الظروف الاستثنائية.

بين عشية وضحاها، الأمهات والمدرسات وجدن أنفسهن أمام مهام تعليمية جديدة، تبدلت أدواتها من الوقوف أمام الطلاب لشرح الدروس إلى تقديمها مسجلة عبر فيديوهات ورسائل صوتية من خلف شاشات الهواتف، وتحولت "جروبات الماميز" إلى ما يشبه الفصول التي تجمع لأول مرة الأمهات جنبًا إلى جنب مع الطلاب والمدرسين.  

«رب ضارة نافعة».. 3 كلمات لخص بها وزير التعليم د. طارق شوقي، حال الطلاب مع نظام "التعليم عن بعد" الجديد، والذي بدأت لبنته الأولى بإطلاق "بنك المعرفة"، ولكن هل كان للطلاب خاصة في المراحل التمهيدية وبداية التعليم الابتدائي وتجارب أمهاتهم في "سنة أولى تدريس" الرأي ذاته؟

لا يعوض المدرسة

منة سامي، 31 عامًا، ترى استحالة التفكير في الاستغناء عن المدرسة وتعويض دورها بالدراسة "أونلاين"، مؤكدة أنه حتى فكرة "التعليم عن بعد" ولو كانت تبدو مقبولة لفترة مؤقتة كظرف استثنائي، إلا أنه من الصعب فرضها كنظام دائم.

وجهة النظر هذه، دللت عليها الأم لطفل في "كي جي 2" بإحدى المدارس الخاصة، بالدور الفعال للمدارس والمُدرسات في تهيئة المناخ للطالب في التعلُم وتوصيل المعلومات له بشكل مباشر لا عبر وسيط حتى لو كانت الأم، فلغة الحوار والمناقشة بين الطالب ومُعلمته أثناء الشرح باتت مفقودة.. "طريقتي غير المُدرسة، والمدرسين بيقدموا أقصى ما عندهم وبيعملوا اللي عليهم دلوقتي، لكن منقدرش نستغنى عنهم، والطفل يتعامل مع الميس أحسن ما يتعامل مع الأم.

صعوبة التجربة تلخصها "منة" بقولها: "كان ابني بياخد الدروس في المدرسة وأنا كان دوري أذاكر بس وأراجع على المعلومة، لكن دلوقتي أصبح الكم كبير جدًا وأنا اللي بعمل الاتنين، ومش ملاحقة أراجع اللي قبل كده ولا أذاكر الجديد، وحتى لو ابني اتفرج على الفيديو مرة واتنين وتلاتة.. لكن في الآخر عمره ما هيوصل للنتيجة اللي كان بيحصلها في المدرسة".

الأزمة لم تقتصر فقط على ما سبق، ولكن ثمة صعوبات أخرى تواجهها الأمهات مع أطفالهن خاصة في هذه السن الصغيرة بعيدًا عن المنهج الدراسي الواجب استكماله لهذه المرحلة طبقًا للقرار الوزاري، بحسب "منة": "الطفل طول ما هو قاعد في البيت فاكر إنه في إجازة، ومش مستوعب فكرة إنه بيسمع الميس بتشرح وهو في البيت.. كل ما أقوله حاجة يقولي هي الميس قالت كده! هو أصلا مش واثق فيّ ومش متقبل مني الشرح، رغم إني مُدرسة.. مش متقبل فكرة إنه مبقاش يروح المدرسة وأنا اللي بشرح، ويقولي أما أروح المدرسة الميس هتشرحهالي، وخاصة أما يشوفني ببدأ في حاجة جديدة".

الماميز "لايصين"

وظيفة "منة" كمُدرسة للغة الألمانية بإحدى المدارس الخاصة، ربما تجعلها أكثر تأقلمًا مع الوضع وبإمكانها التغلب على بعض الصعوبات التي تواجهها، خاصة مع مهاراتها وخبراتها في توصيل المعلومة لطلابها، ولكنها ترى من حولها تجارب لأمهات أخريات "لايصين جدا ومش عارفين يعملوا أي حاجة.. لا يوصلوا معلومة ولا يشرحوها.. ومنهم كتير مبدأوش في حاجة جديدة ومكتفين بمراجعة القديم".

وتتفق سالي السيد، 30 عامًا، مع حديث "منة"، خاصة في صعوبة التجربة واستحالة تعويضها لدور المدرسة.. "اللي أنا بعمله في 4 أو 5 ساعات أو يوم، الميس بتعمله في وقت أقل بكتير، وبتقدر توصله أحسن مني كمان، واللي الطفل يقدر يحصله في اليوم الدراسي الطبيعي في المدرسة، أفضل مني حتى لو قسمته على يومين في البيت، وده لأن ذهنه في البيت بيكون مش حاضر أو بكامل تركيزه في الشرح معايا".

وتضيف الأم لطفل في المرحلة الدراسية ذاتها بإحدى المدارس الخاصة: "الطفل أصلا مش مقتنع إن فيه حاجة اسمها هناخد درس جديد أو نشرحه من البيت، لأن فيه حاجات كتير بتشغله وهو قاعد فاكر إن مامته بتعمل لود عليه، مش حاجات مطلوب تحصيلها كأنه في المدرسة وفيه كمان HomeWork".

الطفل "هايص"

وكأن عجلة الزمن توقفت لدى الطفل عند آخر درس شرحته المُدرسة في الفصل، قبل تعليق الدراسة في 15 مارس الماضي، فهو لايزال يرى الوضع غريبًا، فيتململ تارة، ويرفض الفكرة من أساسها تارة أخرى، بحسب "سالي": "الطفل هايص اعتقد إنه خلاص أخد الإجازة والتيرم خلص، فهو مش مدرك أو واعي إن لسه فيه منهج مطلوب يكمله بس من البيت من غير ما يروح المدرسة، هو مستغرب الوضع وبالتالي هو رافض أصلا يقعد يعمل حاجة، لأن الموبايل بالنسبة له مرتبط بالألعاب، لكن يقعد يتابع عليه درس الميس بتشرحه، مش مستوعبه، فأنا بضطر أتفرج وأتابع وابدأ افرغ كل المعلومات علشان أشرح له".

رد فعل نجل الأم الثلاثينية على طريقتها في الشرح بدى مستغربًا من الوضع الجديد الذي لم يعتده من قبل، فلا معلمة أمامه تشرح ولا زملاء يجلسون بجواره وأم باتت مهمتها الأساسية بديلا للمُعلمة لا استكمالاً لدورها، إذ تقول: "أول يوم بدأت أنا اللي أشرح فيه قالي أنا مش فاهم حاجة يا ماما، لأن هو متعود على طريقة الميس بتاعته اللي أكيد عندها ملكات وخبرة أكتر مني، حتى لو أنا بتابعه طول السنة ومُلمة بكل حاجة بياخدها.. وبعد كذا مرة، بدأ يتلقى مني معلومات جديدة".

إعادة اكتشاف الأبناء

الصورة لا تبدو قاتمة، فرغم الصعوبات مكنت التجربة أمهات كثيرات، من إعادة اكتشاف أبنائهن ومنهن "سالي" فتقول: "ماكنتش واخدة بالي إنه بيلقط المعلومة بسرعة وممكن من أول مرة، كمان تمييز أصوات المدرسات حتى اللي مش بيدرسّوله.. أحيانا كتير تكون مش مُدرسته هي اللي بتشرح الدرس الجديد في الفويس وتكون مُدرسة في فصل تاني فيقول دي مش الميس بتاعتي دي ميس فلانة".

"الأطفال أذكياء، وعارفين إن الأم مش زي الميس، وكمان مش لاقيين تفاعل مع أصحابهم علشان كده الوضع بالنسبة لهم غريب".. كلمات اختتمت بها "سالي" حديثها قبل أن تحكي موقفًا طريفًا مع طفلها قائلة: "أول يوم في تجربة الأونلاين قعدت أشرح في درس ساعتين أو أكتر وعملت أنشطة علشان أسهل المعلومة واتفرجنا على فيديوهات، وبدأ يندمج معايا جدا وظهر في رد فعله إنه مركز معايا، وأول ما خلصنا بسأله عن اللي فهمه راح بص لي وقالي أنا مش فاهم حاجة أنتِ مش عارفة تشرحيلي يا ماما.. جابلي إحباط".

سر الـ"Edmodo"

على عكس التجربتين السابقتين، الأمر يختلف كليًا مع آية سيد، 30 عامًا، الأم لطفلة في الصف الأول الابتدائي بإحدى المدارس الخاصة، إذ تؤكد أن نظام "التعليم عن بعد" بإمكانه تعويض المدرسة، فالاعتماد على الفيديوهات لم تمثل مشكلة بالنسبة لها أو طفلتها، فأسلوب الشرح "أونلاين" تعتمده مدرستهم من بداية الدراسة.

السر في نظام "Edmodo" الذي تعتمده وزارة التعليم وتطبقه مدرسة ابنة "آية"، وهو ببساطة تطبيق على الهاتف يتيح الوصول إلى المناهج المقررة لكل مرحلة تعليمية، بحساب مخصص لكل طالب، ويقدمها في شرح مبسط عبر فيديوهات ومواد مرئية أو مكتوبة جذابة، خاصة للطلاب في المراحل التمهيدية.

أم بدرجة "مُدرسة"

مميزات كثيرة لنظام "التعليم أونلاين" تلخصها "آية" قائلة: "الموضوع سهل معايا ومواجهتش أي مشكلة فيه ومش محتاجة ميس لازم تشرحلها، ونظام التعليم ده مسهل على بنتي الدراسة، مش محسسها إن فيه حاجة إجباري، مش مخليها كارهة الدراسة ولا المدرسة، في أي وقت بقدر أوقف الشرح وأعيد من الأول تاني لو مش فاهمة جزئية معينة، المواضيع بتوصلها بشكل سهل بدون تدخل من الميس أو زعيق".

ترى "آية"، أن تجربتها في "سنة أولى تدريس" ناجحة، فابنتها تتقبل منها الشرح بسهولة دون عوائق، حتى لو كان الوضع مستغربًا بالنسبة لها في بداية الأمر: "في الأول ماكنتش متقبلاني، بس غيرت من طريقتي معاها لحد ما بقت حاسة إني ممكن أكون بذاكر لها زي الميس وممكن أفضل كمان، فأعتقد نجحت في تجربة إني أكون مدرسة لبنتي، لأني تحولت 180 درجة وهي بقت حابة إني أنا اللي بقعد معاها وأشرح لها وافهمها".