استشاري بالأمن الدولي يكشف تأثير أزمة «كورونا» على القوى العظمي في العالم

اللواء أ.ح. سيد غنيم - استشاري الأمن الدولي
اللواء أ.ح. سيد غنيم - استشاري الأمن الدولي

أكد اللواء أ.ح. سيد غنيم، استشاري الأمن الدولي ومحاضر زائر بالناتو وجامعة طوكيو، زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، أن أزمة فيروس "كورونا" المستجد، لن تؤدي إلى حسم التنافس بين القوى العظمى، ويبدو أنه لن يظهر أي فاعلين عالميين بقوتهم المعتادة. 


 
وأضاف في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، أنه من المرجح أن تنسحب الجهات الفاعلة الدولية بشكل نسبي، وستصبح السياسات الانعزالية هي الأكثر تفضيلاً، وقد تستغل الحركات اليمينية المتطرفة والمنظمات الإرهابية مثل هذا الموقف لاتخاذ إجراءات لصالح أهدافها، كما يمكن أن تستغل الحكومات الفاشلة الموقف لتغطية فشلها تحت غطاء الذعر.


 
الولايات المتحدة


 
وأوضح "غنيم" أن هناك محللون يرون أن أكبر تهديد للاقتصاد الدولي في هذه الظروف ينشأ من تباطؤ نمو الولايات المتحدة، فما زالت حتى الآن قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع الأزمة بشكل يمكنها من السيطرة على تفشي المرض ليست واضحة في هذه المرحلة، تتطلب إدارة الأزمة تغييراً جوهرياً في سلوك الرئيس الأمريكي "ترامب" الذي يعتمد أكثر على شخصه أكثر من النهج المؤسسي العلمي في اتخاذ القرارات. 


 
وتابع: لذا يرى بعض المحللون أن أزمة كورونا تمثل ضربة قاسية لـ"ترامب" في ذروة عام انتخابي عاصف بالنظر إلى الانخفاض الحاد في الاقتصاد ومؤشرات البورصة الأمريكية والعالمية، والتي كانت من قبل نقاط قوة يربط بها ترمب نجاح رئاسته، وهكذا يمكن أن يضر فيروس كورونا بموقف ترامب في الانتخابات القادمة حالة فشله في استعادة ما خسرته الولايات المتحدة في عهده وربما في عهد من قبله أيضاً.


 
واستكمل: من هذا المنطلق، ربما تتأثر الأنظمة الحليفة لـ"ترامب" بشدة حالة تزايد تفشي الوباء (لا قدر الله)، حيث أتصور مثلاً أن الدعم الأمريكي الدائم لإسرائيل والمساعدات العسكرية المقدمة لها ولدول أخرى ستتأثر بناءً على قرارات حازمة من الكونجرس.

 
الصين
 
وقال "غنيم" إنه في المقابل، يظهر أن الصين تتعامل مع الأزمة بشكل فعال، بعد مرورها بأوقات حرجة للغاية، فقد أتى أسلوبها المرفوض من الغرب بنتائج رائعة في وقت قصير، مقابل ليبرالية الغرب التي يتفشى في دوله الوباء كالنار في الهشيم، على الرغم من أن الإجراءات التي اتخذتها الصين لمجابهة الوباء في بلادها تعد باهظة الثمن وأنهكت الاقتصاد الصيني إلى حد كبير، إلا أنها بنجاحها في الحد من انتشاره، قد ضربت مثلاً أطلق عليه الغرب "الرأسمالية الاستبدادية"، ولكنهم اعتبروه جذاباً للبعض ويكتسب شعبية، ولكن قد يصعب تنفيذه في دول أخرى.


 
وأشار إلى أن رسميون يابانيون (مقربين له بشكل شخصي) يرون أن ما تعلنه الصين، بشأن إجراءاتها لمجابهة فيروس كورونا المستجد، ما هي إلا إجراءات على الورق وفي البيانات الرسمية للحكومة الصينية، هم يرون أن الصين من خلال منابرها الدعائية الخاصة تريد أن تقول "لقد نجحنا في احتواء الأزمة، وأن الصين اليوم أكثر أماناً من الولايات المتحدة أو أوروبا، فالمواطنين والطلاب الصينيين المقيمين بنصف الكرة الغربي يعودون إلى بلدهم الآمن مثل تسونامي خوفاً من العدوى هناك".


 
وأضاف: "لا شك أن عودة هؤلاء الصينيين من الغرب قد تؤدي إلى تفشي جديد للفيروس في مقاطعة صينية ما أو أكثر، ولكن في هذه المرة لن يُلقى اللوم على الحكومة الصينية ولكن على الدول الغربية التي أتوا منها.. فالحزب الاشتراكي الصيني كان قوياً وحازماً في استجاباته الأولى للوباء، إلا أن التأخر في إعلان انتشار الوباء أدى إلى تفشيه فيما بعد في العالم بأسره متسبباً في كارثة كبرى."


 
وتابع: اليوم الصين في مرحلة "العودة إلى الحياة الطبيعية" وعودة القوى العاملة من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى، الأمر الذي يراه بعض المراقبون أنه قد يسبب موجات ثانية من تفشي المرض، وأن الصين ستحاول وضع القواعد واللوائح من تلقاء نفسها من حيث اختبارات COVID-19 وقد تشارك في جهود الدول لاحتواء الفيروس ومن ثم تصنيف "دول المنطقة الحمراء" و "دول المنطقة الخضراء" ثم السماح لتلك الدول الموجودة في المنطقة الخضراء بالمشاركة في الأنشطة الاقتصادية الصينية، وهو ما يجذب بعض الدول إليها.

 

روسيا
 
وأشار "غنيم" أن الحالة الحقيقية لمدى تفشي الوباء فيها ليست واضحة، ولكن من المفترض أن تحتفظ موسكو باستراتيجيتها التقليدية للتكيف مع الأزمة، والتي تشمل حرب المعلومات والاستفادة من الفرص وأخطاء الخصوم لصرف الانتباه عن القضايا الحساسة، وقد انتهز "بوتين" بالفعل الفرصة حيث تمكن من تمديد رئاسته حتى عام 2036.
 
وتوقع خبير الأمن الدولي أن تلعب روسيا في الوقت الحالي دوراً أكثر فاعلية نحو الإنقسام الأوروبي/ الأوروبي والانقسام الأوروبي/ الأمريكي، مستغلة الظروف الصعبة التي تمر بها القارة العجوز، كما ستلعب روسياً دوراً مماثلاً لزيادة حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين واشتعال الموقف بين البلدين، كلا الدورين الروسيين يهدف لتشتيت جهود أوروبا والولايات المتحدة ويضعف من مواقفهما أمام روسيا من جانب، وسيزيد من احتياج الصين لروسيا من جانب آخر، مقابل الدعم الاقتصادي الصيني لروسيا.
 
الاتحاد الأوروبي


وبالنسبة لأوروبا، قال "غنيم" إن معظم سكانها من كبار السن، ولذا فقد تتسبب النتائج الفادحة لأزمة كورونا لاتساع الانقسامات القائمة بين دول القارة، كالصراع بين اليمين المتطرف واليسار الاشتراكي، فضلاً عن أزمة اللاجئين، الأمر الذي يؤدي إلى انهيار الهياكل التنظيمية الهشة في بعض دول شرق أوروبا، بل وإضعاف أسس الاتحاد الأوروبي ومؤسساته القوية، كما أن غلق الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي وعدم قبول زوار من غير دوله يعد أمراً حتمياً في الوقت الحالي وعلى المدى القريب، الأمر الذي سيعمل على عزلة بلاده وسيكون له شديد الأثر على قدرات الاتحاد الاقتصادية وعلى نفوذه السياسي والأمني شكل سلبي على المدى القريب.
 
اليابان
 
وعن التحرك الياباني المتوقع في هذا الصدد، قال "غنيم" إن اليابان تدرس بعناية جميع جوانب الأزمة، كما تدرس أيضاً كيف يتصرف التايوانيين حيث يرونهم لم يخدعوا العالم بالإنكار في مراحل انتشار الفيروس الأولى في ديسمبر 2019 ويناير 2020، حيث أغلقت تايوان الحدود مع الصين بأسرع ما يمكن ومازالوا يضيقوا النوافذ معها إلى الآن.
 
وأضاف: على المدى القريب، من جانب، تستمر اليابان في احتواء الأزمة داخل بلادها والعمل على انتشارها، ومن جانب آخر، أتوقع أن تتعاون اليابان بجدية مع الاتحاد الأوروبي في وضع القواعد واللوائح العالمية بشأن عدوى الفيروسات المستقبلية لتحقيق التوازن مع محاولات هيمنة الصين على ذلك الأمر، ومن جانب آخر، ستلتزم اليابان بالتعاون المتزايد مع المحور (الأمريكي/ البريطاني) وستحاول أيضاً ربطه بالأوروبيين من أجل وضع المعايير العلمية، فاليابان تدرك أن لدى الأوروبيين الكثير من الخبرات في هذا الشأن، وسيعمل كل من اليابان والولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا على محاولة استعادة ثقة دول الشرق الأوسط في حلفائهم الغربيين، على أمل منها ألا تنجذب دول الشرق الأوسط لما تعرضه الصين في وسائل إعلامها، وما تضلل به روسيا من أخبار كاذبة في وسائل إعلامها أيضاً.