الجيوش هي الحصن والسند لمواجهة كورونا عبر العالم

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كشف تفشي جائحة كورونا بطريقة أثارت الرعب والهلع لدي قادة وشعوب العالم المتقدم منه والنامي، أن الجيش والقوات المسلحة باتت هي الحصن والسند الذي لجأت إليه مختلف دول العالم في مواجهة هذه الأزمة، وأصبحت القوات المسلحة ليس الدرع الواقي والحامي للأوطان فحسب، وإنما الملاذ الآمن الذي تستند وترتكز عليه عناصر القوة الشاملة لكل دولة.

فقد هب كل قادة العالم معتمدة على قواتها المسلحة بكل تشكيلاتها وأفرعها للحد من انتشار هذه الجائجة وتداعياتها السلبية على الاقتصاد ومعدلات الإنتاج والآداء في مختلف القطاعات، لدرجة أن ثمة تقارير اقتصادية من مؤسسات دولية تشير إلى أن الاقتصاد العالمي يسير نحو الركود خلال هذه العام، الأمر الذي يضع التحديات الكثيرة أمام مختلف دول العالم للتغلب على هذه المصاعب.

ومع اتساع رقعة هذه الجائحة عالمياً، حتى باتت أمريكا وإيطاليا وأسبانيا في مقدمة دول العالم التي أعلنت كثير من المدن الموبوءة، استدعت هذه الدول ليس فقط قواتها المسلحة وإنما استدعت قواتها الاحتياطية إلى المدن والشوارع لتطبيق الإجراءات المشددة التي فرضتها السلطات لضبط الأمن وتقييد تنقلات المواطنين ومنع التجمعات، كأحد الآليات الاحترازية الرئيسة لمواجهة تفشي فيروس "كوفيد-19"، الذي ضرب أكثر من 160 دولة حول العالم، مخلفاً حتى الآن مئات الآلاف من المصابين والمتوفين في واحدة من أسوأ الأزمات الصحية والدولية التي ضبرت العالم منذ الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وفق توصيف منظمة الصحة العالمية.

أدوار غير تقليدية

أكدت جائحة كورونا "كوفيد 19" وما سبقها من أوبئة وأمراض فتاكة وكوارث طبيعية، أن للجيوش مهام استراتيجية أخرى جنباً إلى جنب مع مهامها التقليدية، حيث يمكن أن تقوم الجيوش بعدد من المهام والأدوار الفاعلة في تطويق الوباء والحيلولة دون انتشاره وتفشيه، ومن بين هذه المهام: 

أولًا: تقديم الدعم الطبي بالتعاون مع وزارة الصحة والمؤسسات المعنية الأخرى، حيث تتمتع الجيوش بقدرات كبيرة في التعامل مع الأوبئة، ولديها القدرة على تقديم كافة أشكال الدعم الطبي، خاصة وأن أفرادها يمتلكون القدرة على التعامل مع الأسلحة البيولوجية، كما تمتلك الجيوش قدرات بحثية وطبية قد تمكنها من اكتشاف لقاحات وأمصال لمقاومة انتشار العدوى. 

وتتباين المساعدات الطبية التي يمكن أن يوفرها الجيش من بلد لآخر، فموارد الجيوش لا تنضب، فالجنود مدربون على الاسعافات الأولية، ويمكنهم المساعدة في العديد من الأدوار الثانوية، وربما تحتاج الأطقم الطبية في النهاية إلى إقامة مستشفيات ميدانية مؤقتة وغيرها من المنشآت الطبية.

ثانيًا: القيام بالأدوار والمهام اللوجستية، حيث يمكنها نقل المعدات والإمدادات الحيوية والطبية من مكان لآخر بسهولة، خاصة وأن أفرادها مدربون بشكل جيد على إنجاز مثل هذه المهام بكفاءة وفاعلية، فضلا عن قدرات الجيوش على تقديم خدمات طبية وتزويد الأماكن النائية والبعيدة عن العواصم والمدن الحيوية بكافة أشكال وسبل الرعاية.

ثالثاً: رسالة السلام والاطمئنان وتعزيز الأمن لدى الشعب، حيث يؤدي استدعاء الجيوش للتعامل مع الأزمات إلى الاطمئنان بأن الدولة بكل مواردها محتشدة في مواجهة الموقف، كما تتخذ مجموعة من الإجراءات التي من شأنها ترسيخ قواعد الأمن، وذلك من خلال العمل على تأمين المؤسسات والمنشآت والمقار الحيوية والمرافق العامة وذلك في حالة قيام الدولة بإعلان فرض حظر للتجول، حيث تمتلك الجيوش القدرة على محاصرة وتطويق الأماكن والساحات التي تمثل بؤرة يمكن أن يتسرب منها الفيروس لباقي المناطق.

رابعًا: ترسيخ قواعد المشاركة المجتمعية، وبعث رسالة مهمة مفادها ضرورة مشاركة كل مؤسسات الدولة لمواجهة الكارثة ، ويمكن للجيوش في حالات الأمراض والأوبئة أن تحول مطاراتها وقواعدها لمراكز تقديم خدمات صحية وطبية خاصة في حالة تأزم الوضع، وهو ما يُضفي مزيدًا من الطابع المجتمعي على الجيوش والمؤسسات العسكرية، وهو ما يعمل على تعزيز بناء الثقة في هذه المؤسسات، خاصة وأن عقيدة الجيوش الوطنية تقوم بالأساس على مبدأ وفكرة الحماية والتضحية، الأمر الذي من شأنه أن يٌشعر المواطن بمزيد من السكينة والاطمئنان.

خبرات الدول

كانت الصين من أوائل الدول التي حشدت عناصر جيش التحرير الشعبي في عدد من المقاطعات بداية من 25 يناير، باعتبارها من أول الدول التي انتشر فيها فيروس كورونا وبعدها انتقل إلى مختلف دول العالم، وبالتالي عمل الجيش الصيني منذ الوهلة الأولى على دعم المواطنين بالإمدادات الطبية، والعمل على تطبيق الحجر الصحي وتوفير المؤن والأغذية اللازمة للمواطنين.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، نجحت الدولة المصرية حتى الآن في احتواء الأزمة وتحجيمها، وحرصا على استمرار عملية الاحتواء وتماشيا مع الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية في هذا الصدد، قامت القوات المسلحة المصرية بعدد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في الحيلولة دون تفشي وانتشار الوباء، حيث نفذت قوات ووحدات الحرب البيولوجية ولا تزال تعمل على تعقيم كافة المؤسسات والمنشآت والمرافق والمناطق الحيوية، كما قام الجيش المصري بتوفير الأدوات المستخدمة في عمليات التعقيم والتطهير للمواطنين.

في الوقت ذاته قامت القوات المسلحة بتوفير الاحتياجات والسلع الأساسية والضرورية للمواطنين من خلال جهاز مشروعات الخدمة الوطنية عبر عدد من النوافذ المخصصة لها. 

وقامت أغلب الدول الأوروبية باستدعاء قواتها المسلحة وجيوشها لفرض حالة الطوارئ والعمل على تقليل الخسائر التي يمكن أن تنجم عن انتشار الفيروس، ففي إيطاليا باعتبارها أكثر الدول الأوروبية تضررا من تفشي الفيروس تدخل الجيش لفرض وتطبيق حالة الطوارئ، حيث انتشرت القوات وفرضت حالة من العزلة الإجبارية على إيطاليا، كما منع الجيش الدخول أو الخروج من وإلى المدن المتضررة. 

كما لجأت فرنسا لإجراء مماثل بعدما تصاعدت حالات الإصابة المؤكدة، الأمر الذي جعل الرئيس الفرنسي يعتبر بلاده في حالة حرب صحية ضد عدو غير مرئي، وقد قامت فرنسا للحد من تداعيات انتشار الفيروس بنشر قواتها المسلحة للمساهمة في فرض الحجر الصحي وإغلاق الحدود مع الدول الأوروبية حيث نشرت نحو 100 ألف شرطي وضابط جيش في نقاط للحراسة، كما تم تشكيل عدد من المستشفيات العسكرية في عدد من الساحات والمناطق شديدة التأثر بالفيروس.

من ناحية أخرى دخلت ألمانيا في حالة تأهب قصوى، حيث تدخل الجيش للعمل على منع تفشي الفيروس والعمل على تطويقه، حيث أعلنت وزيرة الدفاع العمل على تعبئة القوات المسلحة لمواجهة الأزمة وأن نحو 2300 من جنود الاحتياط قد دخلوا ضمن مهام القوات المسلحة في هذه المرحلة من المواجهة، وأعلنت سويسرا، تعبئة وتجهيز نحو 8000 جندي للمساهمة في تقليل حجم المخاطر والتحديات الناجمة عن انتشار واتساع حدة الفيروس. 

وأصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قراراً تنفيذياً يسمح لوزارة الدفاع الأميركية باستدعاء قوات الاحتياط والعسكريين السابقين وأفراد الحرس الوطني للعودة للخدمة، وزيادة القوات المشاركة في مكافحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة، وينص الأمر التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض على أنه يمكن أن يظل الأفراد الاحتياطيون في الخدمة الفعلية لمدة قد تصل إلى 24 شهراً متتالياً.

وكان البنتاجون قد أرسل سفينتين بحريتين تعملان بصفة مستشفيات متنقلة إلى كل من نيويورك ولوس أنجلوس، كما نشر وحدات الجيش الطبية التي تحوي أطباء الرعاية الحرجة والطوارئ واختصاصيي التنفس والممرضين في عدة مواقع أخرى.

تأتي هذه الإجراءات بعدما احتلت أربعة ولايات أميركية صدارة الولايات الأكثر تضرراً من الوباء، وهي: ولاية نيويورك (45 ألف حالة)، وولاية نيوجيرسي (9 آلاف حالة)، وولاية واشنطن (4 آلاف حالة)، وولاية كاليفورنيا (5 آلاف حالة)، وتزايد مخاوف حكام ولايات أخرى، مثل شيكاغو ونيو أورليانز وديترويت، من زيادة الإصابات، وتستعد لإقامة مستشفيات مؤقتة، وتحويل مراكز المؤتمرات إلى مرافق طبية، لاستيعاب الزيادة المتوقعة في عدد المرضى.

وأرسل جيش المواطنين السويسري واحدة من كتائب المستشفيات الأربعة التي يبلغ قوامها 600 جندي لدعم المستشفيات المدنية، وفي إيطاليا وإسبانيا، حيث ارتفعت معدلات الوفيات، تم نشر الآلاف من الجنود في المدن المعزولة للقيام بدوريات في الشوارع وفرض عمليات الإغلاق.

واستعانت الحكومة البريطانية بالجيش في مواجهة كورونا وذلك من خلال القيام بعدد من المهام منها تأمين المنشآت الحيوية فضلًا عن دورها في نقل المعدات والأدوات الطبية.

يبقى القول أن جائحة كورونا بتداعياتها السلبية على مختلف الاقتصادات العالمية، فإن سبل وآليات المواجهة باتت تستلزم تكريس نموذج الشراكة والتعاون البناء بين العناصر المدنية والقوات المسلحة بقطاعاتها وتشكيلاتها في مختلف دول العالم، ويظل وعي المواطنين والتزامهم بالقواعد التي تفرضها مؤسسات الدولة واجبة الاحترام والتنفيذ تجنباً للدخول في السيناريوهات الأكثر خطورة وفداحة للجميع.