بسبب كورونا.. شبح الإفلاس يهدد المؤسسات الاقتصادية في تونس

بسبب كورونا.. شبح الإفلاس يهدد المؤسسات الاقتصادية في تونس
بسبب كورونا.. شبح الإفلاس يهدد المؤسسات الاقتصادية في تونس


مع اتساع دائرة انتشاره لتشمل 17 محافظة من محافظات الجمهورية التونسية، تتزايد مخاوف خبراء الاقتصاد من تفاقم التداعيات المتوقعة لفيروس كورونا على الاقتصاد الوطني المرتهن بالخارج بدرجة أولى، وخاصة بالفضاء الأوروبي الذي دخل مرحلة من الركود.

فوزارة الصحة التونسية أعلنت، اليوم الاربعاء، عن تسجيل 59 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد المسبب لمرض (كوفيد-19) من مجموع 138 تحليلا مخبريا، ليرتفع بذلك عدد الإصابات الجملي إلى 173 حالة فضلا تسجيل 5 حالات إلى حدود اليوم وشفاء حالة وحيدة من المرض.

أزمة اقتصادية في الأفق

استفحال الوباء وانتقال تونس إلى الدرجة الوبائية الثالثة بعد ظهور بؤر للفيروس في كل من سكرة والبحيرة والمرسى (مناطق إقليم تونس الكبرى) وجربة (الجنوب التونسي)، دفع رئاسة الجمهورية التونسية إلى إعلان الانتقال من مرحلة حظر التجول الجزئي إلى تطبيق الحجر الصحي العام في البلاد ونشر وحدات الجيش التونسي في الأحياء والأماكن العامة، ما يعني وجوب ملازمة المواطنين لمنازلهم والسماح لهم فقط بالخروج لقضاء حاجياتهم الضرورية من تزود بالطعام وعلاج.

الحجر الصحي العام فرض أيضا على الحكومة التونسية اتخاذ تدابير يقول رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ إنها ستكون موجعة على الاقتصاد الوطني، بعد إعلان إغلاق المؤسسات المالية الكبرى والمصانع والمحال التجارية مقابل الإبقاء فقط على المراكز الحياتية الضرورية إلى حدود يوم 4 أبريل المقبل 2020، مع إمكانية التمديد وفقا لمستجدات الوضع الوبائي في البلاد.

إجراءات يقول خبراء الاقتصاد والمالية في تونس، إن آثارها ستكون وخيمة جدا على الاقتصاد الوطني الآخذ في التدهور منذ ما يزيد عن عشر سنوات.

وفي هذا الإطار يعتبر وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي محسن حسن أن تونس ستتحسس آثار هذه الأزمة الصحية والاقتصادية بشكل مباشر، نظرا لارتباط اقتصادها بالسوق الخارجية وخاصة أوروبا الشريك الاقتصادي الأول لتونس منذ عقود.

فلاتحاد الأوروبي يتحكم بأكثر من 60% من حجم المبادلات التونسية، وتستأثر أوروبا بـ74.5% من مجموع الصادرات التونسية وبـ55.7% من مجموع الواردات.
فيما يتجاوز عدد المؤسسات الأوروبية في تونس 3 آلاف مؤسسة تشغل نحو 300 ألف تونسي، وتمثل أكثر من نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

"ارتباط اقتصادي وثيق بأوروبا واقتصاد هش".. يقول الوزير السابق محسن حسن إنه سيكون له تداعيات سلبية على قطاعات عدة في البلاد خاصة منها ذات الصبغة التجارية والسياحية والنقل الجوي والبحري.

ويتوقع حسن أن تتراجع نسبة النمو في تونس بنقطة كاملة لتصل إلى نحو 0.5% بعد أن كانت في حدود 1.5%.

وكان رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ قد توقع، يوم 8 مارس 2020، تراجع نسبة النمو إلى 1% بسبب تداعيات وتأثيرات فيروس كورونا، وصرح أن الفرضية التي تم الاشتغال عليها وهي تسجيل نمو بـ1،5% ستكون صعبة في ظل استفحال الوباء.

كما سيتم أيضا جدولة الدیون الجبائیة لهذه المؤسسات على مدى 7 سنوات، وتعلیق العمل بخطایا التأخیر في دفع الأداء لـ3 أشھر، فضلا عن تیسیر إجراءات استرجاع الأداء على القيمة المضافة.

أما بالنسبة للقطاعات الأكثر تضررا والمتمثلة خاصة في النقل والسياحة والصناعات التقليدية وغيرها، فقد أقرت الحكومة إسناد قروض بقيمة 500 مليون دينار لهذه المؤسسات على أن يتم تسديدها على 7 سنوات منها سنتي إمهال.

وفيما يتعلق بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة فقد تقرر إسناد اعتمادات مالية بقيمة 300 مليون دينار لتدعیم موارد خط دعم ودفع هذه المؤسسات، فضلا عن تكفل الدولة بالفارق بين نسبة قروض الاستثمار ومعدل الفائدة الذي سيكون في حدود  حدود 3 نقاط.

كما سيتم أيضا إحداث صندوق استثماري أول بمبلغ 500 ملیون دینار یھدف إلى تمویل الشركات خاصة الاستراتیجیة منھا، إلى جانب إحداث صندوق استثمار ثان بمبلغ 100 م.د لإعادة شراء مساھمات صنادیق الاستثمار بالنسبة للمؤسسات الناشطة في المجالات الاستراتیجیة والتي تمر بصعوبات.

أما في القطاع الصحي العمومي، فقد تقرر إحداث آلیة استثمار بمبلغ 100 ملیون دینار لتمویل اقتناء المعدات للمستشفیات والمؤسسات الصحیة العمومیة، كما سيتم أيضا إعفاء إعفاء المؤسسات الناشطة في مجال بيع الأدوية من الأداء على القيمة المضافة.

وبالنسبة للشركات المصدرة في قطاعات الصناعات الغذائیة والصحیة، فقد تقرر الترفيع في نسبة التسويق المحلية من 30% إلى 100%، فيما سيتم الترفيع في هذه النسبة إلى 50% بالنسبة لبقية القطاعات.

من جانب آخر، يرى محسن حسن أن "توقف الحركية الاقتصادية بعد إغلاق المؤسسات والشركات النشطة سيؤدي ضرورة إلى تراجع حجم موارد الدولة المتأتية من الجباية"، مضيفا أن الدولة "مقبلة على رهان صعب وهو تعبئة قروض خارجية بقيمة 8848 مليار دينار لتمويل ميزانية تونس لسنة 2020".

وكانت الحكومة التونسية قد توقعت أن تتأتى مداخيل الميزانية في العام 2020 من تطور المداخيل الجبائية بـ 9.2% لتبلغ 31759 مليار دينار، مع تعبئة 3800 مليار دينار بعنوان مداخيل غير جبائية تنقسم إلى 1250 مليار دينار بعنوان مداخيل النفط والغاز، و1389 مليار دينار بعنوان عائدات المساهمات، و150 مليار دينار بعنوان مداخيل الأملاك المصادرة، إلى جانب تعبئة 300 مليار دينار من الهبات الخارجية.

قطاع السياحة الأكثر تضررا

ويتصدر قطاع السياحة قائمة القطاعات الأكثر تضررا من انتشار فيروس كورونا بعد توقف حركة النقل الجوي والبحري وإيقاف الرحلات مع جميع بلدان العالم تفاديا للاستفحال الوباء فيالبلاد.

وفي هذا السياق أكد رئيس الجامعة التونسية لأصحاب النزل خالد الفخفاخ لـ"سبوتنيك"، تضرر القطاع بشكل تام من هذا الوضع الوبائي، بعد إلغاء ما يزيد عن 80 % من الحجوزات الفندقية، فضلا عن تعليق موسم العمرة الذي أثّر سلبا أيضا على وكالات الأسفار في تونس.

وبين خالد الفخفاخ أن تواصل الوضع على ما هو عليه خاصة في الأسواق التقليدية لتونس على غرار فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي تشهد انتشارا  حادا للفيروس، سيكون له تداعيات وخيمة على النشاط السياحي في تونس الذي سيكون مهددا حتما بالانهيار.

في المقابل صرح المدير العام للديوان الوطني التونسي للسياحة نبيل بزيوش لوكالة الأنباء الرسمية التونسية، أن القطاع السياحي في تونس كان سيعيش كارثة حقيقية لو أن فيروس "كورونا" المستجد انتشر في موسم الذروة.

وأوضح ا أن ظهوره في موسم ما بعد الذروة يجعل وطأة الانعكاسات أخف، إذ سجل التوافد السياحي من غرة يناير/كانون الثاني وحتى 20 فبراير/ شباط 2020 زيادة بـ7 في المئة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2019، حسب قوله.

إجراءات حكومية لمعاضدة المؤسسات المتضررة

وللتقليص من وطأة التداعيات الاقتصادية المتوقعة لفيروس كورونا أقرت الحكومة التونسية جملة من الإجراءات ذات الطابع المالي والجبائي بهدف معاضدة المؤسسات المتضرّرة والمحافظة على ديمومتها.

وتشمل الإجراءات الجديدة قرارات تخص المؤسسات الأكثر تضررا والتي سيتم في شأنها إنشاء خلية إحاطة ودعم على مستوى رئاسة الحكومة تعمل على المحافظة على مواطن الشغل بهذه المؤسسات وضمان حقوق العاملين بها.