حكايات| الأرض تطبق «الانتقاء الطبيعي».. «كورونا» سلاح الكوكب للدفاع عن نفسه

الأرض تطبق «الانتقاء الطبيعي».. «كورونا» سلاح الكوكب للدفاع عن نفسه
الأرض تطبق «الانتقاء الطبيعي».. «كورونا» سلاح الكوكب للدفاع عن نفسه

فكرة داروين الكبرى عن التطور عبر الانتقاء الطبيعي أو «البقاء للأصلح»، جدلها مستمر حتى اليوم ما بين صحتها من عدمه علميا، إلا أنه في النهاية يعتمد الاختيار الطبيعي على البيئة التي تبقي ما يتناغم معها، وقد يكون ما يحدث مؤخرا على كوكب الأرض هو محاولة لتطبيق النظرية في محاولة طبيعية الانتخاب الطبيعي عبر فيروس كورونا المستجد.

 

يزداد تفشي كورونا لمستجد المعروف علميا بوباء COVID-19 يومًا تلو الآخر، وأصبح عدد الوفيات أكثر من 14  ألف شخص في جميع أنحاء العالم حتى كتابة هذه السطور، ليضرب مباشرة الاقتصاد العالمي، ويغير الفيروس التاجي الجديد تقريبًا كل جوانب الحياة في الأماكن التي ينتشر فيها.

تلوث الهواء

مثل أي كارثة، فإن الوباء سيضرب بعض الناس أكثر من غيرهم، وعلى غير ما هو منتشر، نظرًا لأنه مرض يصيب الرئتين، فإن الأشخاص الذين يعيشون في أماكن بها قدر أكبر من تلوث الهواء قد يكونون أكثر عرضة للخطر.

 

يقول جون بالميس، الطبيب والمتحدث باسم جمعية الرئة الأمريكية: «يتفاعل تلوث الهواء مع عوامل أخرى متعددة تزيد من مخاطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد».

 

وتؤدي الحالات الشديدة من الفيروس إلى الالتهاب الرئوي القاتل، ويفتك المرض بكبار السن وأولئك الذين يعانون من ظروف صحية موجودة مسبقًا تجعل من الصعب محاربة العدوى، وارتبط العيش مع تلوث الهواء بارتفاع معدلات أمراض الرئة مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن، ووجدت دراسات أجريت في الولايات المتحدة والصين أن مستويات عالية من تلوث الهواء قد ارتبطت أيضًا بأعداد أكبر من الأشخاص الذين أدخلوا المستشفيات للالتهاب الرئوي.

 

شواهد الانتقاء

وأكدت دراسة عن حالات مرض السارس في الصين عام 2003 (ويسببه أحد فيروسات سلسلة كورونا التاجية)، أنه كان احتمال وفاة المرضى من الأماكن ذات أعلى مستويات تلوث للهواء ضعفًا مقارنة بمن عاشوا في أماكن قليلة التلوث.

 

لا توجد بيانات حتى الآن حول الكيفية التي يلعب بها تلوث الهواء في الوباء الحالي، لكن الدراسات تشير إلى أن النقاط الساخنة الدولية لكورونا المستجد، هي ووهان وشمال إيطاليا وكوريا الجنوبية وهي أماكن لديها مستويات عالية جدًا من تلوث الهواء.

 

وأظهرت دراسة أخرى، أن وفيات الرجال من فيروس كورونا في الصين أكثر من النساء، وكانت هناك بعض التكهنات بأن ذلك قد يكون بسبب قلة عدد النساء المدخنات.

 

وتأتي هنا محاولة الكوكب للتعافي وتطبيق نظرية الانتقاء الطبيعي، حيث أصبح انتشار الفيروس التاجي الجديد يقلل من تلوث الهواء، وربما ينقذ الأرواح التي كانت تتأثر بالتلوث الشديد.

 

في يوم 8 مارس، بحسب ScienceAlert، أجرى خبير الموارد البيئية بجامعة ستانفورد مارشال بورك بعض الحسابات المتتالية حول انخفاض تلوث الهواء على أجزاء من الصين والأرواح التي تم إنقاذها، وأكد أنه من المحتمل جدًا أن تتجاوز الأرواح التي تم إنقاذها محليًا من الحد من التلوث وفيات COVID-19 في الصين.

 

إنقاذ

وبحسب بورك، فإن شهرين من الحد من التلوث أنقذ على الأرجح أرواح 4000 طفل دون سن الخامسة و73 ألف بالغ فوق سن 70 في الصين، وهذا أكثر بكثير من عدد الوفيات العالمي الحالي من الفيروس نفسه.

 

على الرغم من أن هذا قد يبدو مفاجئًا بعض الشيء، إلا أن الأبحاث أكدت أن تلوث الهواء يكلفنا ثلاث سنوات، من متوسط العمر المتوقع العالمي.



وقال الفيزيائي خوسيه ليليفيلد من معهد قبرص: "أن عدد الوفيات والخسارة في العمر المتوقع من تلوث الهواء ينافس وبتفوق على عد الوفيات من التدخين ومن مرض الملاريا كسبب عالمي للوفاة المبكرة وفيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز".

 

ومع العدد الكبير من حالات الإصابة بكورونا في إيطاليا، والبلد الذي يضع تدابير الحجر الصحي الصارمة، أظهرت بيانات الأقمار الصناعية في شمال إيطاليا الآن انخفاضًا كبيرًا في معدلات تلوث الهواء، على وجه التحديد ثاني أكسيد النيتروجين، وهو غاز ينبعث بشكل رئيسي من السيارات والشاحنات وبعض المنشآت الصناعية.

 

التلوث يتبدد

أظهرت الصور المأخوذة من القمر الصناعي في الفترة من 1 يناير إلى 11 مارس 2020 انخفاضًا كبيرًا في ثاني أكسيد النيتروجين.

ويوضح كلاوس زينر، مدير وكالة الفضاء الأوروبية كوبرنيكوس سنتينل 5 بي، أن "انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين فوق وادي بو في شمال إيطاليا واضح بشكل خاص، مؤكدا أن انخفاض الانبعاثات الذي يمكننا رؤيته يتزامن مع الإغلاق في إيطاليا مما يتسبب في انخفاض حركة المرور والأنشطة الصناعية."

 

وتظهر صور الأقمار الصناعية التابعة لناسا انخفاضًا مع تباطؤ النشاط الصناعي في محاولة للحد من الفيروس التاجي.

ويقول فاي ليو، باحث في جودة الهواء في مركز جودارد لرحلات الفضاء في ناسا: "هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها انخفاضًا كبيرًا في مثل هذه المساحة الواسعة".

 

ومع ما يحدث في العالم ومع هذه الكارثة الصحية العالمية، يبدو أن الكوكب يعطينا فرصة للتقييم أي جوانب الحياة الحديثة ضرورية للغاية، وما هي التغييرات الإيجابية التي قد تكون ممكنة إذا قمنا بتغيير عاداتنا على نطاق عالمي.