«بابا محمد».. فكرة دور خيرية تجمع بين حرمان الأيتام وحنان الأمهات المسنات

 دار خيرية تجمع المسنات مع اليتامى تحت سقف واحد
دار خيرية تجمع المسنات مع اليتامى تحت سقف واحد

ما أجمل أن تمتلك قلبا ينعم بالإنسانية، في زمن تحجرت فيه القلوب، تقدم الكثير بلا مقابل، تمد يد العون للمحتاجين، تجمع بين طفل يتيم فقد أمه وبين أم مسنة فقدت الرحمة في قلب أبنائها، تخلق روحا من المحبة بين ربيع العمر ونهايته، هذا ما فعله «الحاج محمد»، أو «بابا محمد» كما يطلقون عليه.

 

في إحدى المناطق الشعبية، في منطقة قلعة الكبش، يعيش أبو الأيتام كما يلقبونه، تلك الرجل الذى يبلغ من العمر سبعين عاما، قضى منها الكثير من سنوات عمره في العمل التطوعي والاجتماعي، تعرض للكثير من الصعاب والمشاكل طوال مشواره، تحدي كل الظروف ليصل إلى أعلى مراتب الرحمة والأنسانية.

 

فكرة فريدة من نوعها، قرر أن يطبقها الشيخ محمد، بأن ينشا دار تجمع بين الأيتام والمسنات، والغرض منها هي التعويض الكامل عن كل معاني الحرمان التي فقدها الأيتام بأن يجعل لهم أمهات بديلات يعيشون في أحضانهن، وبالمثل تعويض المسنات ممن بلغوا من العمر أرذله بأحفاد يملئون عليهم الحياة حتى لا يعتقدون أن عيشتهم في دار المسنين هي أخر محطات العمر التى يحاوطهم فيها شبح الوحدة.

 

في البداية يتحدث إلينا «أبو الأيتام» قائلا: «إسمى الشيخ محمد أحمد قطب، ابلغ من العمر 74 عاما، أفنيت عمري في العمل الاجتماعي طيلة 45 عاما، تعرضت للكثير من الصعاب عندما كنت طالبا في كلية الأداب قسم اللغة العربية، كنت حريصا على تقديم يد العون والمساعدة لكل من حولي، حصلت على لقب المربي المثالي من الشئون الإجتماعية على محافظة القاهرة، قدمت كل ما أستطيع في منطقة شعبية مليئة بالمخاطر».

 

كلب ينهش رضيعا.. السبب وراء إنشاء دار تجمع بين المسنات واليتامى

وتابع: "فكرة إنشاء دار للأيتام والمسنات جاءتني عندما كنت عائدا إلى منزلي في منطقة زينهم ووجدت تجمعا كبيرا من الناس حول إحدى الأكشاك في المنطقة وسط صراخ كبير، وكانت الكارثة عثور رجال الشرطة على طفل رضيع نهشت الكلاب يده وأرجله، من هنا جاءت فكرة المشروع، والحمدلله ربنا قدرني إنى أنشئ دار تحمى الأيتام من الشارع، وساعدنى الله في ستر عرض 21 بنتا تزوجن وأنجبن لي 14 حفيدا وحفيدة وعلى نهاية العام سأقوم بزواج بنتان من دار فيصل للبنات الأيتام.

 

من علم فتاة فقد علم أمة

يقول «الحاج محمد»: "ما أقدمه للفتيات ليس المأكل والمشرب فقط، ولكن حرصي على تعليمهن، كان أهم أهدافي لأن من علم فتاة فقد علم أمة، ومن علم فتى فقد علم فردا، لذلك كل بناتي متعلمات في جامعات خاصة، وعندى بنت تخرجن من جامعة عين شمس وتعمل محامية".

 

وعن عدد مساهماته في الدور الخيرية، يقول: «أنشأت عددا من الدور هم دار الرحمة في المقطم للايتام والمسنات، ودار الضيافة وهي أقدم دار تجمع ايضا بين يتيمات ومسنات، ودار السلام لليتيمات، وهنا دار السرور للأولاد الأيتام».

 

ويلفت بقوله: "معظم المسنات لدينا من الفقراء الذين يعيشون في الأحياء الشعبية، نقبل من لا أهل ولا دار ولا دخل لها، وهذا في المقام الأول حتى يشعرن بالراحة في سقف بيت يحميهن، وأول مسنة هنا وجدتها ليلا في الشارع على رصيف شارع السد".

 

ويشير إلى أن الأمهات هنا كلهن مرضى وفقراء وغير متعلمات، يشعرن دائما أنهن في آخر مرحلة في قطار الموت، ومن هنا فكرت أخفف عنهن الوحدة، وأحيطهن بأطفال صغار يدخل الفرحة على قلوبهن، هى تريد أن تشعر أنها ما زالت قادرة على العطاء ومطلوبة من المجتمع كله، والطفل في نفس الوقت يريد الحب والعطف والحنان، من هنا قررت أن أجمع بينهم في دار واحدة.

 

يتابع: "بدأت عدة مشاريع منها دور أيتام، كفالة محتاجين، توزيع سلع غذائية على الفقراء، فقررت أن لا أعتمد على الإعانات، وفتحت عدة محلات صغيرة منها «مكتبة، عيادة، مكوجي، محل منظفات»، كل هذا لمساعدة أبنائي وأمهاتى، وأتمنى من الله أن يمد في عمري حتى أكمل رسالتي التي خلقت من أجلها لم أتمنى شيئا من الله غير الستر لى ولكل من إعتبرونى سندا لهم في الحياة".

 

ومن داخل دار الضيافة، سطور حزينة تكتب تروي قصص أمهات منسيات، كل قصة ورائها حكاية تجعلك تبكي من قسوة الأيام وجحود الأبناء.

 

دموع مسنة.. ابنى مسكين ظروفه صعبة

 

الحاجة «صاينة عبد الحفيظ» من محافظة دمياط تبلغ من العمر ستين عاما، جاءت إلى هنا منذ عشر سنوات دون أن يعلم ابنها الوحيد، الذى تزوج وتركها وحيدة وأنجب أبناء، عاشت بمفردها في المنزل وكانت تقضي حاجتها وحدها قائلة: «كنت بزحف على رجلي علشان أدخل الحمام» ورغم ذلك لم يقس قلب الأم، فعند سؤالها عنه أجابت والدموع في عينها «ابنى مسكين ظروفه صعبة».

 

الآن تعيش الحاجة «صاينة» بين إخواتها وأحفادها حياة كريمة تتمتع فيها بكل ما حرمت منه، مؤكدة أن الفضل يرجع لله ثم الحاج محمد الذى مد لها يد العون، وأكرمها بالمأكل والملبس، ولم يبخل عليها بكل متطلبات الحياة.

 

«فوقية».. خمسون عاما من الوحدة ولم تتزوج

الحاجة «فوقية السيد» تبلغ من العمر خمسين عاما مازالت بكرا ولم تتزوج، يتيمة الأب والأم كانت تعيش بمفردها مع ابنة أختها، لكن الحياة لم تصف دائما لأحد، كثرت المشاكل بينها وبين ابنة أختها، التفت حولها ولم تجد سوى الوحدة تحاصرها من كل إتجاه، توجهت إلى «دار الضيافة» لتقضي ما تبقي من عمرها بين أبناء وأحفاد، مؤكدة أن الله عوضها بهم عن سنين الوحدة التي عاشتها، ووجدت بيت تحتمي فيه من غدر الزمن.

 

البنات اليتامى

على الجانب الآخر وبينما قطار عمر الأمهات المسنين قد اقترب من الانتهاء، وارتسمت على وجوههن ملامح الزمن، تجد في المكان ملائكة تلعب وتلهو، تعلو أصوات ضحكاتهم غير مبالين بما حكمت به الأقدار عليهم من مغادرة الأهل والحرمان من الحنان.

 

إنهن أيتام دار الضيافة «نعمة وياسين وعمر ورحمة» ملائكة في عمر الزهور، جاءت بهم الظروف إلى هنا، ضاقت بهم الحياة لكنها إتسعت في هذا المكان وسط أمهاتهم وأخواتهم كما يقولون، عوضهم «بابا محمد» عن كل شىء، يرتدون ملابس نظيفة، يخرجون للفسح في أماكن كثيرة يتعلمون في مدارس بمراحل تعليمية مختلفة، ويصلون الفروض، وينعمون في حياة كريمة لأسرة كبيرة لا تحدد النسل.