يوميات الأخبار

مع «التنين».. على ضوء الشموع!

علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب

كانت الأضواء تعود لدقائق، ثم تغيب طويلاً، قبل أن تقرر التحالف مع الليل الذى زحف سريعاً، وأرخى سدوله، ولم يكن بد من اللجوء للشموع.

الخميس:
يتناهى إلى سمعى الأذان بصوت واهن، متقطع، مرتعش، ليس بفعل بعُد من يرفعه، وإنما تحت وطأة أصوات هطول المطر بغزارة تشبه السيول، مصحوبة بدفقات من الرعد تزمجر بعنف، وكأنها تتوعد من يسمعها، ويذكران الجميع ـ المطر والرعد ـ أن «التنين» يحاصرنا دون هوادة أو رحمة.
تحالف منخفض جوى قاس جاء متأخراً، مع آخر قرر ان يزورنا قبل موعده، وكان اللقاء الذى صنع اعصار «التنين» فوق رؤوسنا، تعبيراً عن غضب الطبيعة فى وجه عبث البشر بما أنعم الله عليهم به، فاستحقوا ما تلحقه بهم من لعنات!
أفقت من غفلتى للحظات على ارتطام عنيف للمطر بزجاج نافذتي، ثم وميض برق شديد اللمعان، يكاد يخطف بصرى قبل ان يتوارى سريعاً مخلفاً رعشة خفيفة سرت فى سائر جسدي.
توسلت لشاشة التلفاز التى كساها السواد طويلاً، فإذا بها تضيء حاملة مشاهد دعتنى إلى الندم حين دعوت أن يعمل الجهاز الوحيد الذى يربطنى بما يدور خارج المنزل، بعد أن انقطعت كل السبل، فلا التليفون الارضى يعمل، ولا المحمول يرسل أو يتلقى، كلاهما استحال قطعة هامدة لا أمل فيها، مجرد ديكور صامت.
أظلمت السماء، وانقطعت الكهرباء، واستولى على إحساس بالوحشة، من دخول الليل قبل أوانه، ولم يؤنسنى سوى حوار أتجاذب أطرافه مع شريكة العمر، وقد تجاورنا نتأمل المشهد، ونجتر ذكريات بقدر ما تسعفنا الذاكرة عن أيام بعيدة وأخرى قريبة، كلها ترتبط بالمطر، بعضها كان بالاسكندرية ذات نوة قبل سنوات طويلة، يومها تقافزنا تحت حبات المطر المتساقطة تداعبنا ونلاعبها فى بهجة.
كانت الأضواء تعود لدقائق، ثم تغيب طويلاً، قبل أن تقرر التحالف مع الليل الذى زحف سريعاً، وأرخى سدوله، ولم يكن بد من اللجوء للشموع التى أضفت لمسة رومانسية، ربما كانت الحسنة الوحيدة لحصار «التنين»!
تطلعت الى الساعة فإذا بعقاربها تشير الى الرابعة والنصف عصراً، بينما حسبت أننا تجاوزنا الغروب، ولا يفصلنا عن العشاء إلا القليل، هنا أدركت أنها المرة الأولى فى حياتى التى استقبل فيها المساء باكراً إلى هذا الحد!
مشاهد وتساؤلات
الجمعة:
منذ ما قبل الفجر تضربنى موجات أرق متلاحقة، تتنامى مع أصوات سيول لا تنقطع، وومضات برق مصحوبة بزمجرة رعود متلاحقة، تسرق النوم برغم رغبة حقيقية فى مواصلته.
عقب صلاة الفجر، جافانى النوم تماماً، ورغم أننى كنت أتصور ـ كما كان الحال أيام الصبا ـ أن ليل الشتاء إنما جُعل للنوم، إلا أن ما تخيلته بات شيئا من ماض بعيد!
تسلل الوقت بطيئا، وكانت آخر الشموع تقاوم متراقصة، ثم ما لبثت ان استسلمت، وغاب شعاعها الواهن.
كان الصباح افتراضياً، إذ السحب الداكنة تسيطر على السماء من جميع اطرافها، ويواصل «التنين» حصاره المحكم، مذكراً أنه لافكاك منه قبل أن يكمل رحلته غير المرحب بها.
واصل التيار الكهربائى مناوراته السخيفة متواطئاً من الطقس القاسى، وبين الانقطاع والعودة، كانت الروح تعود لشاشة التلفاز، وشريط مفزع من الأحداث والضحايا والأخبار السيئة تتوالى!
لكن لم تخل الشاشة من لمحات تدخل الرضا على القلب، رجال يعملون فى المحليات والصرف الصحى والمرور و.... و... لا يعبأون بالسيول أو البرودة غير المحتملة، لا يكفون عن الحركة والعمل الدءوب، ولا تملك إلا أن تحنى لهم الرأس.
ثم سيطر اللون الأسود مرة أخرى، وأخيرة ولحين إشعار آخر، وكانت الفرصة سانحة للتأمل والتفكر ثم التساؤل:
لماذا لا ندرس أفضل آليات استغلال مياه الامطار الغزيرة والسيول، لاسيما فى ظل تداعيات أزمة سد النهضة؟
إلى متى نتفرج على اهدار تلك الكميات من المياه؟ وكيف لا نحول التحدى إلى فرصة، وبدلا من أن تذهب المياه سدى أو تظل قوة تدمير نسعى إلى استغلالها على النحو الأمثل؟
شكراً.. كورونا!
السبت:
بزغت شمس خجول، بعد يومين خاصمت أشعتها السماء.
كانت تلك هدية رائعة، وعلى غير انتظار، فالتوقعات أدرجت السبت ثالثا فى أيام الزيارة الثقيلة لـ «التنين» بسيوله ورعده وبرقه، وتوابعها من تجليات الإعصار.
وسعت الشمس رقعتها، لم ترسل ضياءً فقط، وإنما دفئاً حانياً، كأنما تحاول صياغة رسالة صلح، أو «عربون محبة» بعد غضبة لم نحتملها يومى الخميس والجمعة.
ثمة فرصة للتأمل، وليس ما هو جدير باغتنام تلك الفرصة، أكثر من الزائر الذى طالت إقامته باتساع المعمورة، أقصد كورونا، أو ڤيروس كوڤيد١٩.
المناخ الصحو منحنى مساحة طيبة رحبة للتأمل، وخطوتى الأولى صغتها سؤالا:
هل لـ «كورونا المستجد» وجه آخر خلاف نشره لرعب فراق أحبة، ثم إعلانه وباء عالمياً، فى غياب علاج ناجع حتى الآن؟
تعودت دائما ألا أنظر لنصف الكوب الملآن، فلا أتحسب لنصفه الفارغ، أو أن تقتصر نظرتى لهذا الأخير فيغيب التفاؤل والأمل عن مجمل رؤيتى لأى مسألة.
ثمة وجه آخر لـ «كورونا» بعيداً عن حالة الهيستيريا التى صاحبته، لاسيما كلما اتسعت بؤره، نظرة على جوانب أخرى كفيلة بالتحرر من الخوف، ربما منحنا قدرا من الأمن!
بقعة ضوء وسط العتمة، بل قد تنتج هذه البقعة العديد من خيوط ضوء نغفل عنها، مع انتشار الهلع والرهبة من القادم الذى لا نرى فيه إلا الأسوأ!
مثلا: ألم يكن لـ «كورونا» فضل التئام شمل الأسرة مع تحذيرات الخروج من المنازل لغير ضرورة؟
وماذا عن عودة العديد من السلوكيات الحميدة التى غابت طويلا عن حياتنا، خاصة ما يرتبط منها بالنظافة العامة، والنصائح الصحية البسيطة والمهمة فى آن واحد؟
الأمر امتد إلى دوائر أكثر اتساعاً بداية من استعادة مطبخ البيت لعرشه، وهجر «التيك أواى» و«الديلڤرى»، وما دمنا نتحدث عن الهجر نراه امتد إلى السناتر، وحلقات الدروس الخصوصية، ثم ان نظرة إلى الكافيهات وهجر الشيشة تؤكد أن الفضل فى كل ذلك لـ «كورونا»!
ثم إذا مددنا الخط على استقامته، سوف نرصد الكثير: خذ مثلا تطوير الصين لاستخدامات طائرات «الدرون» فى توصيل الأدوية والخدمات فى المدن المنكوبة بالڤيروس، ومتابعة الحالة الصحية للآلاف عبر تطبيقات إلكترونية، بل وتقديم خدمة التشخيص عبر الإنترنت، وزيارة الأطباء للمرضى من خلال الفيديو و... و...
فى مصر وعشرات الدول انطلقت مبادرات التعليم عن بُعد، والعمل عن بُعد، و...
«كورونا» صاحب الفضل فى سرعة تكييف التقنيات الأحدث فى خدمة البشر تحت وطأة هجمة الفيروس الشرس، لم يكن هناك وقت أفضل من ذلك لتأكيد دور الذكاء الاصطناعى وتجلياته ليكون فى خدمة الانسان، بأكثر من لحظات عصيبة فرضها «كورونا» وبسطها على أرجاء المعمورة.
قبل كل هذه الأمثلة، وبعدها، وما سوف يستجد كل يوم، فإن «كورونا» حمل فى طياته دعوة عامة للتعاون والتماسك بين البشر جميعا، لأنهم يواجهون خطراً لا يميز بين دولة متقدمة وأخرى تسعى للنمو، أو بين غنى وفقير، عالم وجاهل.. و...
ألا يجدر بنا أن نشكر «كورونا» رغم كل الويلات التى عرضنا لها؟! ألا يستحق هذا الڤيروس التافه الذى جعل العالم كله يقف على رأسه أن نشكره، لأنه دفعنا أن نتذكر كم نحن ضعفاء حتى لو عانقنا الفضاء، واختلنا بأحدث مخترعاتنا، وتنافسنا على احتلال مواقع الأكبر والأفضل فى الاقتصاد والعسكرية والتقنية و... و...
شكراً «كورونا» على أى حال!
معضلة ضبط الأسواق!
الأحد:
حقا، الأمر تحول إلى معضلة!
لا مغالاة أو مبالغة فى الوصف مع ارتفاع طردى بين الجشع وزيادة الأسعار من جهة، وغياب الضمير والغش من جهة أخرى، استغلالاً لأزمة عابرة كاعصار التنين، أو ممتدة مثل «كورونا».
يحدث ذلك فى جميع الأسواق سواء من يبيع السلعة أو يخفيها، أو يقدم الخدمة بأسعار مرتفعة وجودة أقل.
ربما يغيب التنسيق أحيانا، وقد يحدث تضارب فى أحيان أخرى، إلا ان الخطر يتمثل ليس  فى ضعف أحد الأجهزة المعنية أثناء مواجهة موقف بعينه، بقدر عدم الردع عند تطبيق بعض القوانين إذ تحتاج لدعم دورها إلى تدخل تشريعى إما بتغليظ العقوبة، أو منح صلاحيات أوسع للقائمين بالمهمة.
السعر لا يمثل إلا وجها واحدا لمعضلة ضبط الأسواق، ومع إصرار العديد من المنافذ على عدم الالتزام بإعلان السعر على السلعة، تصبح أى مبادرة لضبط الأسواق مجرد كلام بلا مردود فعلى يستشعره المواطن، صاحب الحق فى سلعة بسعر مناسب ومواصفات جيدة، بغض النظر عن حجم الأزمة.
عدم مطابقة الشروط - استغلالاً للظروف - وجه آخر للمشكلة، فإذا تلازم مع سعر مرتفع، فإن ما يتكبده المواطن دون وجه حق يتحول إلى عبء فوق الطاقة.
ثم ان توافر السلع فى بعض المنافذ المفترض أنها أقيمت لإحداث توازن فى السوق، فاذا بها تقدم السلعة بسعر يفوق مثيلاتها فى منافذ لا تراعى حق المستهلك، مما يخصم من فاعلية تلك النوعية فى ضبط الأسواق، وضرب فوضى الاسعار، بل إن ما يحدث العكس تماما.
تجاوز المشهد الراهن فى الاسواق من فوضى وجشع وعشوائية - بعد تجاوز الأزمة - لن يكون إلا عبر حزمة من الإجراءات والضوابط التى ينبغى تفعيلها، وفق آليات منسقة بين جميع الاجهزة المعنية حتى تصل الرسالة لمن يعنيه الأمر.
أغيثونا.. واتقوا ربكم يرحمكم الله.
ومضات
< اعظم العطاء ممن لا يملك ما يمنحه نقوداً، لأنه يعطى من روحه ونفسه.
< الخيال ربما يقود لتغيير الواقع، والوهم يمسخه.
< الانسان الأجوف مجرد وعاء محدب للسطحية!
< السماح بالخطأ، ثم التسامح مع الخاطىء قد يعنى مع التكرار تشجيعاً!
< أن تكتفى بالتبشير بالأمل، لا يضمن صناعة المستقبل.