حكايات| تغيير قانون «الإعدام».. عجز عن قتل عفريت «مارجريت»‎

تغيير قانون «الإعدام».. عجز عن قتل عفريت «مارجريت»‎
تغيير قانون «الإعدام».. عجز عن قتل عفريت «مارجريت»‎

كثيرًا ما تطالعنا الصحف اليومية ومواقع الأخبار بخبر صغير مفاده قررت «المحكمة بإجماع الآراء إعدام المتهم شنقًا حتى الموت» هذه الجملة عزيزي القارئ لا تكتب كديباجة فقط داخل منطوق الحكم، وإنما كل حرف وكل كلمة في هذا المنطوق لها دلالة ومعنى كبير، ولعل الدليل الأبرز على ذلك حادث شنق مارجريت ديكسون.

ربما الأمر الذي لا يعلمه الكثير أن جملة «حتى الموت» لم يكن لها أي وجود قبل مئات السنين، وكان قضاة المحاكم يكتفون بإصدار قرار بالإعدام فقط وكلمة أو لفظ «شنقًا» كان يقصد به نوعية تنفيذ العقوبة وذلك لأن كل بلد أو في بعض الأحقاب الزمنية كانت هناك طرق مختلفة للإعدام غير الشنق مثل قطع الرقبة بالسيف أو سحق العنق أو الغلي أو وضع الرقبة تحت المقصلة أو رميًا بالرصاص أو حتى عن طريق الكُرسي الكهربائي.. الخ إلى غيرها من طرق الإعدام المختلفة المعروفة آنذاك.. لكن إضافة جملة  «الإعدام شنقا حتى الموت» لها قصة في منتهى الإثارة والتشويق والغرابة.


بدأت القصة في القرن السابع عشر وتحديدًا في عام 1724م حيث صدر تم تنفيذ حكم الإعدام بـ«مارجريت ديكسون Margaret Dickson» في الثاني من سبتمبر عام 1724م في مدينة إدنبرة في اسكتلندا بتهمة قتل طفلها الرضيع، كانت «مارجريت ديكسون» تعمل خادمة في إحدى بيوت النبلاء التابعين للمملكة المتحدة وبالتحديد في مقاطعة إدنبرة الاسكتلندية خلال عام1724م  ظلت تعمل حتى وقع في غرامها رجل من هذا البيت وحملت منه في طفل ذكر وخوفًا من أن يتم طردها من أصحاب المنزل فضلت التكتم على حملها خوفًا من أن تخسر عملها، ما دفعها لإخفاء حقيقة الحمل حتى ولدت طفلها سرًا.

أم بلا قلب
عقب ولادة مارجريت لطفلها الرضيع سولت لها نفسها التخلص من الطفل حيث قامت بإلقاء جثته على ضفاف نهر«تويد Tweed»، كانت تظن أنها بهذه الطريقة تخلصت من كل ماضيها وما يهدد مستقبلها، وعادت إلى مقر إقامتها لاستئناف عملها وكأن شيئًا لم يكن، لكن لسوء حظها عُثِر أحد الأهالي على جثة الطفل الرضيع بعد ساعات من التخلص منه، تم استدعاء جهات التحقيق وشرطة المدينة آنذاك، وشرعت جهات التحقيق في بدء تحريات موسعة حول هذه الواقعة.
كشف سر «مارجريت» وإعدامها
◄توصلت جهات التحقيق إلى أن هناك سيدة بمواصفات معينة شوهدت وهي تحمل طفل رضيع بين ذراعيها وتتجه به نحو النهر، إلى أن تم التوصل أن وراء الحادث سيدة تدعى «مارجريت ديكسون»، حيث تم استدعائها واستجوابها وقدمت اعترافات تفصيلية ومفاجآت بالجملة، مؤكدة أنها ارتبطت بقصة حب مع أحد شباب المنزل التي تعمل به وحملت منه لكنها نجحت في إخفاء حملها خشية أن تخسر عملها ويتم طردها وانتظرت حتى وضعت رضيعها إلا أنها وحسب ما جاء في اعترافاتها اكتشفت أن رضيعها كان ميتًا من الأساس حين أنجبته، مشيرة إلى أن جريمتها الوحيدة التي يمكن أن تحاسب عليها تتلخص في الطريقة التي حاولت من خلالها إخفاء الجثة والتخلص منها، وبعد فاصل من التحقيقات والمداولات لم تقتنع المحكمة بكلام الأم القاتلة مارجريت وتم الحكم عليها بالإعدام شنقًا.

الشنق لا يكفي
كان تنفيذ حكم الإعدام في ذلك الزمان يتم وسط حضور طوائف مختلفة من الشعب ليشهدوا لحظات العقاب وهي العادة الدائمة حين تُنفذ أحكام الإعدام ليأخذ أهل المكان العظة والعبرة ولتكن رادع لهم، وتم تنفيذ الحكم بإعدامها شنقًا وبقي جسدها معلقًا لمدة 30 دقيقة كما هو معتاد، وبعد مرور نصف ساعة أُنزلَت الجثة بعد ذلك وحُمِلت في التابوت على عربة لدفنها في مقابر على بعد بضعة أميال من مكان التنفيذ.

عفريت «مارجريت»
سمع سائق العربة في الطريق صوت حركة يصدر من داخل صندوق أو تابوت الجثة ظن في البداية أنه وهم لكن الصوت تكرر مرة ثانية فتيقن أن شيئًا يتحرك داخل الصندوق، وعندما أقترب من مصدر الصوت فوجئ بمارجريت تحاول فتح الصندوق وتخرج يدها من أحد جوانب الصندوق ففزع من المشهد المفاجئ الذي يحدث معه لأول مره ففر من المكان وعاد مرة أخرى إلى مكان تنفيذ حكم الإعدام وأخبر القائمين على الأمر بتفاصيل كل ما حدث مؤكدًا أن الصندوق يتحرك ويد الجثة تحاول فتحه قائلًا، «لأسباب مجهولة لم تمت مارجريت بل عادت إلى وعيها من جديد وكانت تحاول الخروج من التابوت»!

كان الأمر مفاجئ ويبدو جنونيًا ويحدث لأول مرة في التاريخ، ما دفع الناس للتجمع مرة ثانية لتخرج مارجريت من الصندوق حية وسط استغراب واندهاش الجميع، لتحاكم للمرة الثانية، لكن المفاجأة كانت في قرار هيئة القضاء التي رفضت إعادة محاكمة مارجريت معتبره أن الحكم قد نُفذ فعلًا ولا يجوز تنفيذ الحكم مرتين على جريمة واحدة على نفس المتهمة وأكدت المحكمة أن ما حدث يعتبر تدخل أو مشيئة إلهية، ما دفعها لإطلاق سراحها، كان هذا الحكم يعتبر هو الأول والأغرب من نوعه واستندت الهيئة القضائية في حيثيات حكمها أنها قانونيًا حصلت على عقوبتها وعاشت مارجريت بعدها لمدة 25 سنة أخرى إلى أن وافىتها المنية بشكل طبيعي.

كان هذا القرار مثار استهجان واستنكار ورفض من البعض لكن قرار المحكمة كان نهائي، ونظرًا لحالة الغضب الكبيرة التي أحاطت بالجميع تم استحداث لفظ يطبق فيما بعد وتغيير نص حكم الإعدام شنقًا واستبدالها بـ«عبارة الإعدام شنقًا حتى الموت»!، واستند أصحاب هذا القرار أن المجرم الذي ارتكب جريمة يستحق عليها الموت لا ينبغي أن يفلت من العقاب مهما كانت الأسباب.
برواز داخل الموضوع

عندما يحصل الموت بواسطة الشنق يحدث ضغط على شرايين العنق من الطرفين مما يؤدي إلى نقص وصول الدماء إلى الدماغ وتوقف الدم عن الدماغ بفعل انضغاط الشرايين الثباتية على طرفي العنق، ما يؤدي لنقص التروية الدموية عن الدماغ والمراكز القلبية والتنفسية، ما يؤدي إلى الموت بفعل الانضغاط الوعائي والعصبي.