بدون أقنعة

حواديت المآذن تنخلع لها القلوب

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

أجمل ما فى حواديت الكاتب الكبير إيهاب الحضرى أنه لم يأخذنا إلى مساجد خارج مصر وفاجأنا بحواديت قد نسمعها لأول مرة رغم أن المساجد التى كتب عنها نراها أمام أعيننا بل إن بعضها قريب من سكننا فكأنك ترى المكان من زوايا جديدة لم تكن فى الحسبان ولم تكن تعرفها.. الحواديت بدأت من مسجد أحمد بن طولون القريب من قلعة صلاح الدين والسيدة زينب وقصة بنائه العجيبة والغريبة وهروب المصريين من الصلاة فيه بسبب شائعة المال المشكوك فى مصدره.. ثم ينتقل بنا الحضرى فى أحدث كتبه «حواديت المآذن.. التاريخ السرى للحارة» إلى مسجد الحاكم بأمر الله الذى يقع فى نهاية شارع المعز بمنطقة الحسين وحكاياته الغريبة وكيف اختفى اسم والده الخليفة الفاطمى العزيز بالله من على المسجد الذى بدأ بناءه وتوفى قبل أن يكتمل ليصبح باسم ابنه الحاكم بأمر الله الذى اختفى هو أيضا فى ظروف غامضة من الحياة على سفح المقطم ولم يعرف له جثة حتى الآن.. ومن شارع المعز يأخذنا الحضرى إلى جامع الأقمر ليحكى تاريخ الحكام وحواديت يعيد نسجها فى مسار مؤامرات ودسائس القصور التي لاتنتهي في كل العصور كما يحكي الحضري وكان علي حق حينما قال إن الحواديت لاتحتاج إلي مقدمات وترك صفحاتها خالية من الحروف والكلمات.. فوراء كل بناء لمسجد حكاية مؤلمة.. لنسمع حكاية مسجد الصالح طلائع بالدرب الأحمر وقوة الوزير ابن رزيك الذي تحكم فى الدولة مستغلا أن الخليفة الفائز بنصر الله كان طفلا عمره لا يتعدى 12 عاما ثم خلفه ابن عمه العاضد بأمرالله وكان عمره 9 أعوام ونصفا أيضا.
الأهم كما قال المؤلف فقد كتب مسجد الصالح طلائع نهاية عصر الدولة الفاطمية وبداية عصر الدولة الأيوبية مع قدوم القائد أسد الدين شيركوه بناء على طلب الخليفة العاضد من حاكم دمشق وهى الفترة التى تولى فيها صلاح الدين الأيوبى الوزارة ولم يشهد فيها البنيان عمارا كثيرا مقارنة بالفاطميين وأيضا المماليك الذين شهدت فترة حكمهم الكثير من المؤامرات على بعضهم البعض والرغبة الشديدة فى الامتلاك واتصافهم بتقلب الشخصية. ويرصد الحضرى فى «حواديت المآذن» أن الناصر بن قلاوون هو المؤسس الحقيقى لنهضة معمارية تعيش بيننا حتى الآن ومنها مسجده بالقلعة والقبة الشهيرة التى تشبه قبة الصخرة فى معمارها وهى تحتضن رفات ثلاثة من الحكام.. الجد المنصور بن قلاوون والأب الناصر بن قلاوون الذي أعاد بناءها وكان يهوى العمارة وأنشأ الكثير من الجوامع والقناطر والجسور والخلجان فى عهده وأنشأ ديوانا لمتابعتها والحفيد الصالح أبو الفدا. وذهب الناصر وبقيت مدرسته شاهدا على ولعه بالعمارة.
ونخطو إلى مسجد شهير هو جامع السلطان حسن بالقلعة أيضا وهو أحد أبناء الناصر بن قلاوون وهو جامع يتميز بالفخامة الشديدة.. وإلى مسجد قوصون الذى نعرفه فى وقتنا الحالى بمسجد « قيسون» وكان أميرا وقائدا للجند.
حواديت المآذن.. من الكتب الرائعة التى تروى حكايات التاريخ السرى للحجارة كما سماه الحضرى وهو تعبير بليغ فعلا.. فخلف كل جدار حكاية دماء سالت لطمع فى السلطة والنفوذ.. وبالتعبير العامى «حاجة تخض» فلا أمان ولا عهد ولا اعتبار لأبناء البلد الأصليين!